«وحوي يا وحوي».. احتفالات رمضان باللغة المصرية القديمة

 احتفالات رمضان
احتفالات رمضان

فى طفولتى كانت عبارة « وحوى يا وحوي.. إياحا» أكثر انتشارا. ظلتْ ماركة مُسجّلة باسم شهر رمضان، كثيرا ما سألتُ الكبار عن معناها، لكنى على مدار رمضانات متعاقبة لم أحصل على إجابة، الآن تراجعت الأغنية، ولم يعد الغالبية يرددونها بعد أن اختلفت أساليب الاحتفال بالشهر الكريم، واقتصرتْ معرفة الكثيرين بها على أغنية شهيرة تُذيعها الفضائيات والإذاعات. قبل سنوات حاول البعض تفسير لُغز العبارة الشهيرة، واكتشفوا فجأة أننا نحتفل بالشهر الكريم عبر استحضار روح ملكة مصرية قديمة! بعد أن عاد البعض للتاريخ، وبدأوا البحث فى صفحاته عن ترجمة منطقية لكلمات تكرّرت عدة قرون دون تفسير.

أسفر التفتيش عن ملكة يمكن أن تكون مفتاحا لحل» الفزورة». فحروف اسمها تتشابه مع إحدى كلمات عبارة» وحوى يا وحوي». إنها» اعح حتب» التى يتم تحريف اسمها أحيانا إلى» إياح حُتب».. ها نحن نقترب تدريجيا من تفسير كلمة» إيّاحا».
سجّل أحمس الأول إنجازات الملكة الأم خلال معركة تحرير مصر من الهكسوس، ضمن نقوش لوحة فى معبد الكرنك لتمجيد أعماله. أكدت اللوحة أن « اعح حتب» سيدة الأرض، أى أنها السيدة الأولى فى مصر، فهى التى تقود الجماهير. كانت زوجة ملك، وأخت ملك، وابنة ملك، وأم ملك، وتُلمّح اللوحة إلى إسهاماتها فى دعم القضية الوطنية خارج الحدود، بالإضافة إلى دورها المهم فى الداخل. يقول عالم الآثار سليم حسن:» لابد أنها كانت فى الوقت نفسه قد عقدت أواصر المودة والصداقة بينها وبين ملك كريت» ويفترض البعض أنها تزوجته، وقد أوقع هذا الترابط الهكسوس فى مأزق، حيث وجدوا أنفسهم فريسة لمخالب طيبة فى الجنوب، وحليفتها جزيرة كريت فى البحر المتوسط، مما ساهم فى إحكام الحصار على عاصمة الهكسوس شرق الدلتا.


هذه هى القصة التاريخية لـ«اعح حتب» باختصار. بالتأكيد لا يوجد لها أدنى علاقة بينها وبين الأغنية الشهيرة، إلا الاسم المُحرف» إيّاحا»، ويبدو أنه هو ما دفع البعض لربط الملكة القديمة برمضان! وظهرتْ قصة خيالية تقول إن المصريين خرجوا لاستقبال الملكة بعد انتصار أحمس على المصريين، وهتفوا:» واح واح إياح»، بمعنى» تعيش تعيش إياح»، واستمرت العبارة شائعة حتى ابتكر الفاطميون فكرة الاحتفال بشهر رمضان المبارك، بعد نحو 2400 سنة من الواقعة الافتراضية السابقة ليبدأ تداولها سنويا! فى العصر الفاطمى كان المصريون قد نسوا أسماء ملوك مصر القديمة، بحكم عوامل تعرية الزمن للذاكرة الجمعية، مما يجعل استحضار هذه الملكة دون غيرها، مجرد حيلة اعتمد عليها المؤلفون المعاصرون، كى يمنحوا قصتهم مصداقية لا تستحقها.


تأكدتُ من ذلك عندما استعنتُ بصديق. سألتُ الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار السابق، فأكد أن التفسير المطروح قبل سطور» كلام فارغ».

لا علاقة للملكة القديمة إذن بالأنشودة الرمضانية، غير أن اسمها يشترك بالفعل مع إحدى كلمات الأغنية. يوضح الدماطى أن كلمتى إياح وإياحا محرفتان من « إعح»، التى تعنى القمر فى اللغة المصرية القديمة، كما أن معنى كلمة» واح» هو يدوم أو يستمر، وبهذا تصبح ترجمة العبارة» وحوى يا وحوى إياحا» هى: تدوم يا قمر، وذلك لارتباط الأعياد المصرية القديمة بالقمر، تماما كاسم الملكة» اعح حتب» الذى يعنى « القمر راض».