قصص القرآن «جحود بني إسرائيل»

الشعراوي
الشعراوي

يقول الحق: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ»..من هذه الآية الكريمة نعرف أن بنى إسرائيل رفضوا رزق السماء من المن والسلوى مع أنه كان رزقا عاليا.. عاليا فى الجودة لأنه طعام حلو نقى شهى ينزل لهم من السماء مباشرة، وعاليا فى الكثرة من أنه كان يأتيهم بلا عمل وبلا تعب وبكميات هائلة تكفيهم وتزيد.. وطلبوا من موسى طعام الأرض الذى يزرعونه بأيديهم ويرونه أمامهم كل يوم فقد كانوا يخافون أن يستيقظوا يوما فلا يجدون المن والسلوى. الحق سبحانه وتعالى يكمل لنا القصة فى آية قادمة: «وَإِذْ قُلْتُمْ ياموسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذى هُوَ أدنى بالذى هُوَ خَيْرٌ اهبطوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ» {البقرة: 61}.


فالله سبحانه وتعالى مازال يمتن على بنى إسرائيل بنعمه وكيف قابلوها بالجحود.. فيذكرهم بإنجائهم من عذاب آل فرعون.. ويذكرهم بالبحر الذى انشق لهم فمشوا فيه ثم انقض الماء بعد ذلك على آل فرعون فأغرقهم.. ويذكرهم كيف أنهم عبدوا العجل بعد ذلك.. وكان من الممكن أن يهلكهم الله بذنوبهم. كما أهلك الأمم السابقة ولكنه عفا عنهم.. ثم يذكرهم بفضله عليهم بأن أعطاهم الكتاب الذى يفرق بين الحق والباطل.. ويذكرهم بأنهم طلبوا أن يروا الله جهرة.. فصعقوا وماتوا ثم بعثهم الله. ويذكرهم كيف ظللهم بالغمام من حرارة الشمس المحرقة.. ورزقهم بالمن والسلوى.. ثم يذكرهم بأنهم طلبوا طعام الأرض فاستجاب لهم.
فى هذه الآية يقول الحق تبارك وتعالى: «فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً». وفى آية أخرى يقول: «رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمْ». الفرق فى المعنى أن قوله تعالى:»حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً» تدل على أن هناك أصنافاً كثيرة من الطعام.
«ورَغَداً حَيْثُ شِئْتُمْ» يكون هناك صنف واحد والناس جائعون فيقبلون على الطعام.. عندما يقول الحق جل جلاله: كلوا رغداً يكون المخاطب هنا نوعين: إنسان غير جائع ولذلك تعد له ألوانا متعددة من الطعام لتغريه على الأكل.. فتقدم فى هذه الحالة (حيث شئتم) فيقال: «فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً».. فإذا كان الإنسان جوعان يرضى بأى طعام.. فيقال رغدا حيث شئتم.
وقوله تعالى: «وادخلوا الباب سُجَّداً».. أى ادخلوا الباب وأنتم فى منتهى الخضوع.. «وَقُولُواْ حِطَّةٌ» أى حط عنا ذنوبنا يا رب.. غير أنهم حتى فى الأمر يغيرون مضمونه.. ويلبسون الحق بالباطل.. وهذه خاصية فيهم.. ولذلك دخلوا الباب وهم غير ساجدين.. دخلوه زاحفين على ظهورهم.. مع أن ما أمرهم الله به أقل مشقة مما فعلوه.. فكأن المخالفة لم تأت من أن أوامر الله شاقة.. ولكنها أتت من الرغبة فى مخالفة أمر الخالق وبدلا من أن يقولوا حطة. أى حط عنا يا رب ذنوبنا قالوا حنطة والحنطة هى القمح.. ليطوعوا اللفظ لأغراضهم.. فكأن المسألة ليست عدم قدرة على الطاعة ولكن رغبة فى المخالفة.