العالم بين يديك.. تجدد الصراع بين روسيا والغرب بسبب أوكرانيا والانتخابات

 تشهد حدود أوكرانيا حشدا للقوى العسكرية غير مسبوق
تشهد حدود أوكرانيا حشدا للقوى العسكرية غير مسبوق

سميحة شتا

يجيد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لعبة الضغط لاستفزاز الطرف الآخر لاختبار مدى قدرته على التحمل، فعن طريق نشره أكبر حشد للقوى العسكرية على حدود أوكرانيا لم تشهد مثله المنطقة منذ غزو شبه جزيرة القرم عام 2014، يقدم بوتين من جديد على ما يفعله دائماً ليرى إلى أى مدى يمكنه أن يجازف من دون أن يدفع ثمن ذلك.

ما يفعله الرئيس الروسى فى الواقع محسوب بقدرة كبيرة تساعده على معرفة ما يمكن للغرب أن يتحمله أو لا يتحمله، وما هو الرد الانتقامى، إن وجد، الذى سيستهدفه جزاء له فهى لعبة يجيدها بوتين.

ولهذا يستبعد المراقبون أن يكون الحشد العسكرى الروسى على حدود اوكرانيا مقدمة لغزو كامل غرب أوكرانيا بأجزائه كافة التى لا تزال تحت سيطرة الحكومة الشرعية فى كييف. لكن الكرملين يريد على الأرجح، تذكير الرئيس الامريكى جو بايدن، قبل القمة الأمريكية-الروسية المتوقعة، بأن فى جعبة روسيا خيارات خاصة بها يمكنها أن تلجأ إليها إذا كان الأمريكيون حمقى بما فيه الكفاية، بحسب ما ترى موسكو، كى يحاولوا أن يلحقوا الإهانة ببوتين أو الإملاء عليه.
لذلك تشهد العلاقات الأمريكية-الروسية فصلاً جديداً من التوتر، مع إعلان واشنطن، الخميس الماضى فرض سلسلة عقوبات مالية ضد موسكو وطرد 10 دبلوماسيين روس، رداً على هجمات معلوماتية والتدخل فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، ووصفت موسكو العقوبات الجديدة بانها ضربة بالغة للعلاقات الثنائية، وردت بطرد 10 دبلوماسيين أمريكيين وثلاثة دبلوماسيين بولنديين.

ورغم العقوبات، قال الرئيس الأمريكى جو بايدن إن الوقت الآن مناسب لخفض التوتر القائم بين بلاده وروسيا، أما فى بروكسل، فعبّرت الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى عن دعمه للعقوبات الامريكية على أنشطة روسيا المزعزعة للاستقرار.

ياتى ذلك فى وقت تتزايد فيه المخاوف من تصعيد النزاع بين أوكرانيا وروسيا مع إرسال حشود عسكرية روسية الأسبوع الماضى للمناطق المتاخمة لأوكرانيا وشبه جزيرة القرم التى ضمتها موسكو فى عام 2014، وبعدما توقفت المعارك بشكل شبه تام منذ التوصل إلى هدنة فى صيف 2020، تجددت الاشتباكات بكثافة فى الأسابيع الأخيرة الأمر الذى أثار مخاوف المجتمع الدولى.ولم تتوان أوروبا فى تقديم دعمها لكييف، من خلال إعراب الاتحاد الأوروبى عن قلقه إزاء «الانتهاكات المتزايدة لوقف إطلاق النار»، ودعمه للحكومة الأوكرانية، وعلى وحدة وسلامة أراضيها، فى صراعها مع المتمردين الموالين لروسيا فى شرق البلاد. كما وصفوا الأعمال الروسية بالمزعزعة للاستقرار والتى تقوِّض كافة الجهود المبذولة لتهدئة التوترات.
بينما دعت ألمانيا وفرنسا - اللتان تساعدان فى إيجاد حل للنزاع الأوكرانى من خلال ما يسمى بـ «صيغة نورماندي» - جميع الأطراف إلى التحلِّى بضبط النفس، والعمل من أجل التهدئة الفورية.
وإزاء الإعلان الأوروبى بتقديم الدعم لكييف، حذر الكرملين، من أن أى نشر لقوات الناتو فى أوكرانيا سيزيد من حدة التوترات، وسيدفع روسيا إلى اتخاذ تدابير إضافية لحماية نفسها. وترى صحيفة الاندبندنت البريطانية ان خطة روسيا لا تتضمن التورط فى حرب تقليدية مع أوكرانيا فى الفترة التى تسبق اجتماعاً مقترحاً بين بايدن وبوتين؛ ولكن الحصول على بعض التنازلات الضمنية من الأمريكيين حول دور روسيا فى مناطقها الحدودية، هو الهدف الأكثر ترجيحاً لتحركاتها الأخيرة. فمع رحيل دونالد ترامب الطيّع، بات من الضرورى تقييم بايدن الصعب المراس واستفزازه قليلاً لمعرفة أين يمكن أن يلين ويتنازل..ويمكن ترجيح التحركات الروسية الأخيرة بأنها تأتى فى إطار مساعيها للضغط على كل من أوكرانيا، وفرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة الامريكية للحصول على امتيازات تجارية، ولا سيما فيما يتعلق بخط أنابيب الغاز الطبيعى «نورد ستريم 2»، والمفاوضات التى تقودها برلين بشأن وقف إطلاق النار شرق أوكرانيا، أو الحصول على مكاسب على الصعيد المحلى فى ضوء اقتراب الانتخابات البرلمانية القادمة فى روسيا. لكن بلا شك إذا ما استمر التصعيد الروسى فى الازدياد، فإن ذلك سيُشكل مرحلة جديدة من الصراع سيكون لها تداعيات خطيرة على الأمن الدولى.