إنها مصر

فين المصرى بتاع زمان ؟

كرم جبر
كرم جبر

مصر التى نعرفها عظيمة وكريمة وأم الأمم، قد تضعف ولكن ينقلب ضعفها قوة وعزيمة.. لأنها مصر.
انصهرت الرقائق المتتالية للحضارات المتعاقبة فى الهوية المصرية، فأفرزت شخصية منفردة لها ميزات أصيلة، من خبرات الحضارات والثقافات وأضفت على مفردات الحياة لمسات مستمدة من جريان النيل.
الشخصية المصرية هى رمز لمكونات الإبداع الفنى والثقافى، وأخذت العلوم والفنون منهجاً للرقى والوعى، وسطعت أنوارها فى سماء المنطقة كلها.
دستورنا هو «التعايش السلمى الآمن بين أبناء كل الديانات، المسلم يذهب إلى المسجد، والمسيحى إلى الكنيسة، ولا فرق، الشكل والملامح والزى واللكنة واللسان واحد، بنكهة مصرية».
لم يكن الفقر عيباً، أو دافعاً للجريمة والسرقة والرشوة والحرام، وإنما كان حافزاً على العمل والكسب الحلال والغنى المشروع من عرق جبين الشرف، وكم شب من رجال الوطن عظماء كانوا ابناء الفقراء.
كانت أمهاتنا تجسيدا للعظمة والتضحية،وتخرج على أيدى الأمهات غير المتعلمات أعظم الرجال، وكانت ثقافتهن الحياتية أعظم من كل الشهادات، وأهم بنودها الأصول والاحترام.
لم يكن المصريون يعرفون الكذب، حتى جاء يوم يقف فيه شهود الزور المأجورون أمام المحاكم «شاهد يا بيه»، للاستعانة بهم عند الحاجة،ويلحقون بالأبرياء أسوأ الاتهامات.
لم نكن نرى أو نسمع جرائم شاذة مثل ذلك البلطجى الذى ربط مهندسا ومحاسبا بالأحبال، وظل يضربهما بالأحذية، لمجرد اختلاف بسيط، فأراد أن يؤدبهما، حتى يخاف بقية أهل الشارع.
ولم يكن معتادا ان يصادفنا بلطجى فتوة يسوق سيارة، ثم ينزل ويحطم سيارة ووجها آخر، لمجرد الاختلاف على أولوية المرور.
تغيرت الشخصية المصرية وهبت عليها رياح حجبت سماتها، المشهورة بالمروءة والرجولة والشهامة، وأصبحنا نرى أصنافاً غريبة من البشر،وصار ضروريا الغوص فى أعماقها، والبحث عن مكنوناتها الأصيلة.
كنا نحترم الاختلاف ولا نحتكم للخلاف، ونعتبر الآخر جزءا من حيوية المجتمع وتفاعله، وعاش على أرض مصر بشر من كل الأجناس والديانات، دون تفرقة فى المعاملة.
نعم تغيرنا، وهبت على الشخصية المصرية رياح أثرت فى معالمها، وحجبت محاسنها وأبرزت مساوئها، وتراجعت السمات الإيجابية التى كانت تميز المصرى.
وكان شيوخ مساجدنا رموزاً للطيبة والسماحة، وعلى وجوههم يشع نور خفى يعكس حلاوة الإيمان، والآن بعضهم قمة فى التطرف وأحدهم سار على السجادة الحمراء فى مهرجانات الأفلام.
لم يكن «أولاد الحتة» بهذا السوء ويترصدون بنات جيرانهم، بل كانوا فى منتهى الشهامة، يعرفون العيب، ولا يتلصصون ولا يتحرشون، ولا يساومون على الشرف والعفة.
نتحسر فى كل العهود على "المصرى بتاع زمان"، ونبحث عن اشياء جميلة نمتلكها، ولكن تاهت فى الزحام.