دراسة جديدة لمحمد خفاجي توثق عداون إثيوبيا على قواعد الأنهار

 المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى 
 المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى 

طرح المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى أحدث دراسات الفقيه، والمعروف بأبحاثه الوطنية بعنوان :" مسئولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية فى مياه نهر النيل والاستقرار القضائي لمحكمة العدل الدولية توثيق لعداون إثيوبيا على قواعد الأنهار.

اقرأ أيضا |  بعد قليل نظر دعوى حظر نشاط حزب «العيش والحرية»

دراسة تحليلية فى ضوء تدخل الأمم المتحدة فى النزاعات المائية النظيرة حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها، والمبادئ التى استنتها محكمة العدل الدولية فى وحدة المصالح للمجارى المائية لبيان عدوان إثيوبيا على  مياه نهر النيل "، وهو الموضوع الذى توليه مصر موضع الأهمية القصوى ويشغل بال المجتمع الدولى ويؤثر على استقرار المنطقة بأكملها، ونظرا لما تعرضه إثيوبيا من مغالطات وجب تنوير الرأى العام العربى والعالمى بها وفقا لقواعد العلم والإنصاف، وسوف نعرض للجزء الأول من  هذه الدراسة المهمة فيما يلى : 

 

أولاً : الملء الثانى لسد النهضة الإثيوبى دون اتفاق أو تفاوض إحدى تحديات الساحة الدولية لمدى علو قواعد القانون الدولى ومدى فاعلية أجهزة الأمم المتحدة:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن الأنزعة المتعلقة بمياه الأنهار الدولية من القضايا التى شغلت بال المجتمع الدولى فى مختلف قارات الدنيا، ويترتب عليها  فى العصر الحديث إعادة توزيع خريطة القوىالسياسية في مناطق الأحواض النهرية بل لا نبالغ فى القول بأن المياه أصبحت من وسائل الامتيازات السياسية فى الدول المتشاطئة. 

وأضاف إن أزمة سد النهضة الإثيوبى بالملء الثانى للسد دون اتفاق أو تفاوض مع الدول المتشاطئة والإضرار بالحقوق المكتسبة لمصر فى مياه نهر النيل يمثل إحدى التحديات على الساحة الدولية تبين مدى علو قواعد القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الدول المتشاطئة فى النهر الدولي، وفي ذات الوقت بيان مدى فاعلية أجهزة الأمم المتحدة في مسألة سد النهضة الإثيوبى رغم مواجهتها على مدار تاريخها لأزمات وقضايا مشابهة فى التصرفات الأحادية وتم ارساء قيم المساواة لدول المنبع والمصب معا دون انفراد الأولى بأية إجراءات إحادية دون تفاوض أو اتفاق.

ثانيا : أحكام محكمة العدل الدولية تساوى دولة المنبع مع دولة المصب فكلتاهما شريكتان فى ملكية النهر ولا يجوز لإحداهما أن تنفرد بتصرف أحادى الجانب دون تفاوض أواتفاق.

يقول الدكتور محمد خفاجى أن محكمة العدل الدولية لعبت دورا رئيسياً في تقرير العديد من المبادئ القانونية التى حمت تهديد الأمن والسلم الدوليين بحلول عادلة منصفة بين الدول أهمها ضرورة تحليدول المجرى المائي بحسن النية وأن دولة المنبع تتساوى مع دولة المصب فكلتاهما شريكتان فى ملكية النهر بما لا يجوز معه على إحداهما أن تنفرد بتصرف أحادى الجانب دون تفاوض أواتفاق حول كل المشروعات التى تمس النهر الدولي، وبروح التعاون وصولا للمصالح المشتركة بينهم بحسبان أن المجرى المائي كلا لا يتجزأ ووحدة واحدة لا تقبل الإضرار أو الانقاص، وأن النظرة السليمة تقتضى تحقق مصالح دول الحوض  بتحقيق وحدته، ومن ثم تختفى التوترات والمنازعات، مع اعلاء شأن أسس التنمية المستدامة والإدارة الواعية المتكاملة للمجرى المائى التى تستلزم خضوع الدول وانصياعها لمبدأ عدم الإضرار بالغير.

 

ثالثاً : الأمم المتحدة واجهت أزمات مشابهة لسد النهضة الإثيوبى فرضت فيها قواعد الإنصاف للحياة المشتركة للدول المتشاطئة دون إضرار أو انقاص:

يذكر الدكتور محمد خفاجى أنه بدافع وطنى مخلص تعرض لتصرفات منظمة الأمم المتحدة تجاه الأزمات المشابهة لسد النهضة الإثيوبى ولم يكن فيها ثمة حقوق تاريخية مكتسبة منذ اَلاف السنين كمصر،  فرضت فيها المنظمة الدولية قواعد الإنصاف للحياة المشتركة للدول المتشاطئة دون إضرار أو انقاص، وبتتبع أحكام محكمة العدل الدولية سواء فى ظل عصبة الأمم أو فى ظل هيئة الأمم المتحدة , وسواء فى ظل التحكيم الدولى أم فى ظل أحكام المحكمة الدولية التى استنت فيها عدة مبادئ قانونية دولية ساهمت فى تطور القواعد المنظمة للأنهار الدولية ليبين فى النهاية مدى عدوان الجانب الإثيوبى على نهر النيل وحقوق مصر التاريخية المكتسبة وأيضا حقوق السودان الشقيق. 

رابعاً : المواثيق الدولية تناولت مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول بعدم المساس بالحصص المائية 

يقول الدكتور محمد خفاجى إن مبدأ الاستخدام العادل؛ يأتى على القمة من المبادئ الأصيلة في القانون الدولي للأنهار الدولية، وطبقته العديد من الاتفاقيات بين الدول من أهمها الاتفاقية المبرمة بن الهندوباكستان بشأن نهر الهندوس عام 1960 والتي بموجبها تم تقسيمالحصص المائية بين الدولتين، وأن الدول المتشاطئة تهدف إلىالاستخدام الأقصى للمجرى المائي الدولي للانتفاع به بتقسيمالحصص المائية وهو ما يقترن بمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول ولكل منهما مدلوله الخاص رغم ارتباطهما ببعضهما البعض ارتباطا وثيقا لا يقبل التجزئة، فالاستعمال المعقول يعنى الاستخدام الرشيد الذي يؤمن للدول المتشاطئة تجنب فقد المياه أو الانتقاص منه، أما مفهوم الإنصاف فيعنى الاقتسام المتساوى لحق استخدام المياه تحقيقا للأغراض النافعة .

ويضيف أنه للدلالة على أهمية  مبدأ الاستخدام المنصف و المعقول تناولته العديد من المواثيق الدولية من خلال اتفاقية الأمم المتحدةبشأن استخدام المياه في غير الأغراض الملاحية لعام 1997 وقواعدهلسنكى لعام 1966، وقواعد برلين لعام 2004 فضلا عن اتفاقية هلسنكي لحماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيراتالدولية لعام 1992 ، التى اعتمدتها الدول الأعضاء في اللجنةالاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة وتتعلق باستخدام المياهالعابرة للحدود السطحية والجوفية  بشكل معقول ومنصف، وأن تكفلالإدارة المستدامة لهذه المياه.  

خامساً :مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول لمياه الأنهارالعابرة للحدود يمس الحاجات الحياتية للشعوب ويحفظالنظم الإيكولوجية للمياه :

يوضح الدكتور محمد خفاجى أن البلدان المشاطئة تلتزم للمياه ذاتهاالعابرة للحدود بالتعاون فيما بينها وحفظ النظم الإيكولوجية للمياهالعذبة والبلدان المجاورة وعلى هذا النحو فإن مفهوم الاستخدام العادل والمعقول لا يعنى إهدار مصلحة باقى الدول المتشاطئة وهو ما يتضح من لفظ التنمية المستدامة  التى حرصت القواعد الدولية على إضافتها بما يضمن مراعاة حقوق كافة الأجيال فى الحاضروالمستقبل .

ويضيف يرى جانب كبير من الفقه الدولى أن مبدأ الاستخدام المنصفوالمعقول لمياه الأنهار الدولية المشتركة يقوم على اعتبارات حسن النيةوحسن الجوار، ومع ذلك يرى نفر من الفقه الدولى أن فكرة اعتبارات حسن النية و حسن الجوار، تثير صعوبات فى التطبيق العملي بسبب غموض التفرقة فيما بين الضرر العادي أو المضار المألوفة الخاضعةلعلاقات الجوار، وبين الضرر الجوهرى أو الجسيم الذي يتجاوزحسن النية وحسن الجوار بما يمس الحاجات الحياتية للشعوب التيتعتمد على تلك المياه، لذا استخدمت لجنة القانون الدولي اصطلاحالضرر الجوهري في مفهوم واقعي موضوعي.

سادساً :مخالفة قاعدة عدم التسبب في الضرر لباقي دولالنهر تحقق المسئولية الدولية تجاه الاخلال بنظام الحصحصة :

يشير الدكتور محمد خفاجى أن مبدأ عدم إحداث ضرر لباقى دول النهر يعد من أهم مبادئ استخدام الأنهار الدولية  يكمل مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، كما نصت على ذلك المادة السابعة من الاتفاقية الدولية لقانون استخدام المجاري المائية في غير الأغراض الملاحية لعام 1997 حيث تعرف قواعد القانون الدولى ما يسمى بالاستعمال البريء، أو قاعدة عدم التسبب في الضرر لباقي دول النهر، ومن ثم تفادي الأضرار الناجمة على الاستخدام المشترك للنهرالدولي وحينما تتسبب دولة ما فى إحداث الضرر بدولة أخرى  فإنه يتحقق مسئوليتها الدولية  كما لو ارتكبت فعلا ماديا أدى إلى إنقاصنصيب دولة متشاطئة أخرى من حصتها فى المياه .

سابعا : لا يجوز لدولة المجرى المائي أن تتخذ أي عمل(فيضان أو انقاص) يؤثر على الحقوق التاريخية ومصالح الدول المتشاطئة

يقول الدكتور محمد خفاجى أنه لا يجوز لدولة المجرى المائي أن تتخذأي عمل أو تصرف من شأنه التأثير في الحقوق التاريخية والمصالح للدول الأخرى بغير رضاها، كما لا يجوز لها أن  تتسبب في احداثفيضان أو انقاص كمية المياه من حصص الدول الأخرى، وأية دولةتخرج على مبدأ الاستعمال البريء تتحمل كامل المسئولية الدولية.

والمسئولية الدولية تتحقق عن الإضرار بالغير وهى قاعدة قضائية أنشأها حكم محكمة العدل الدولية الصادر عام 1949 فى قضية مضيق كورفو، ثم تلقفه المشرع الدولى ونصت عليه المادة السابعة من الاتفاقية الدولية للاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدوليةعام 1997 التي أوجبت على الدول عدم التسبب بأضرار جسيمة للدول الأخرى عند استخدام المجرى المائي الدولي.