عباد العجل.. قصة مخالفة خطيرة لمنهج الله

الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي

يقول الحق: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» (54).

يذكّر الله تبارك وتعالى بنى إسرائيل بقصة عبادة العجل، وهي قصة مخالفة خطيرة لمنهج الله ومخالفة في القمة.. عبادة الله وحده.

والذي حدث أن موسى عليه السلام ذهب لميقات الله ومعه نقباء قومه ليتلقى المنهج والتوراة.. وأخبره الله سبحانه وتعالى أن قومه قد ضلوا وعبدوا غير الله.. وعاد موسى وهو فى قمة الغضب، وأمسك بأخيه هارون يجره من رأسه ولحيته.. ويقول له لقد اخلفتك عليهم لكيلا يضلوا، فقال هارون عليه السلام: «قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بنى إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي» (طه: 94).

فتنة عبادة العجل حدثت بسبب السامري.. والسامري اسمه موسى السامري ولدته أمه في الصحراء وماتت فكفله جبريل ورباه.. وكان جبريل عليه السلام يأتيه على حصان.. يحمل له ما يحتاج إليه من طعام وشراب، وكان موسى السامرى يرى حصان جبريل، كلما مشى على الأرض وقع منه تراب فتخضر وتنبت الأرض بعد هذا التراب. وأيقن أن فى حافر الحصان سرّاً.. فأخذ قبضة من أثر الحصان ووضعها فى العجل المصنوع من الذهب. فأخذ يحدث خوارا كأنه حي.

ولا تتعجب من أن صاحب الفتنة يجد معونة من الأسباب حتى يفتن بها الناس.. لأن الله تبارك وتعالى يريد أن يمتحن خلقه. والذى يحمل دعوة الحق لابد أن يهيئه الله سبحانه وتعالى تهيئة خاصة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينتقل إلى المدينة تعرض هو والمسلمون لابتلاءات كثيرة ولقد جاء حدث الإسراء والمعراج لرسول الله بعد أن تخلت عنه أسباب الدنيا في مكة وذهب إلى الطائف يدعو أهلها فسلطوا عليه غلمانهم وسفهاءهم فقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين ورفع يديه إلى السماء بالدعاء المأثور: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس».

ولذلك تجد كل دعوة ضلال تأتى بالفائدة لأصحابها، دعوة الشيوعية يستفيد منها أعضاء اللجنة المركزية، أما الشعب فإنه يرتدى ملابس رخيصة، ويسكن فى بيوت ضيقة، هذه دعوة الباطل.. وعكس ذلك دعوة الحق.. صاحب الدعوة هو الذى يدفع أولا ويضحى أولا. لا ينتفع بما يقول بل على العكس يضحى فى سبيل ما يقول إذن الباطل يأتى بالخير لصاحب الدعوة. فإذا رأيت دعوة تغدق على أتباعها فأعلم أنها دعوة باطل.. لولا أنها أعطت بسخاء ما تبعها أحد.

والآية الكريمة التى نحن بصددها هى تقريع من موسى عليه السلام لقومه.. الذين نجاهم الله من آل فرعون وأهلك عدوهم فاتخذوا العجل إلها.. ومتى حدث ذلك؟ فى الوقت الذى كان موسى فيه قد ذهب لميقات ربه ليأتى بالمنهج.. والذين اتخذوا العجل إلها.. هل ظلموا الله سبحانه وتعالى أو ظلموا أنفسهم؟.. ظلموا أنفسهم لأنهم أوردوها مورد التهلكة دون أن يستفيدوا شيئا.. والظالم على أنواع.. ظالم فى شيء أعلى أى فى القمة.. وظالم فى مطلوب القمة.. الظالم فى القمة هو الذى يجعل الله شريكا ولذلك قال الله تعالى: «إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» (لقمان: 13).