تجديد الدعوة | د. محمد قاسم المنسى: رمضان يعيد التوازن المفقود لحياة الإنسان

د. محمد قاسم المنسى
د. محمد قاسم المنسى

يقول د. محمد قاسم المنسي، أستاذ الشريعة في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، إن شهر رمضان المبارك يعيد التوازن المفقود لحياة الإنسان الذى أغرقته المدنية المعاصرة فى زمن طغت فيه المادية على كل شيء، وثمرة الصوم العظمى هى التقوى.

يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، وليس فى كتاب الله ولا فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من خلق لقى الاهتمام وعلو المكانة وذكر فى أكثر من ٢٥٠ موضعا فى القرآن الكريم مثل ما لقيه خلق التقوى وحسبك أنها وصية الله عز وجل للأولين والآخرين قال تعالى: (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)، ووصية النبى صلى الله عليه وسلم لأمته: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)، ووصية الرسل والأنبياء الكرام قال تعالى: (كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون)، وأفضل زاد يتزود به العبد قال تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).

وفى أصل التقوى يقول ابن رجب الحنبلى: أن يجعل العبد بينه وبين من يخافه ويحذره وقاية تقيه منه، وزاد الشرع لهذا المعنى: أن الله عز وجل هو أولى من نتقيه ونخافه ونحذره ونخشى عقابه لأن بيده مقاليد الأمور كلها يصرفها كما يشاء، وهذا هو سر السعادة فى الدنيا والآخرة.

ويؤكد أن مدارسة القرآن الكريم من أهم الأعمال التى يقوم بها المسلم فى شهر رمضان وهى من عوامل تحقيق التقوى، فمنهج التعامل مع القرآن الكريم هو التلقى وليس مجرد القراءة أو الاستماع، ويعنى التلقى تفاعل العبد مع القرآن الكريم ليهتدى به فى حياته، وهنا نفرق بين التلقى الإيجابى للقرآن عندما يكون محور حياة المسلم به يفكر وبأخلاقه يتعامل وبآدابه يتحلى وبين التلقى السلبى للقرآن بأن يصرف المسلم جهده نحو الحفظ ودقة الأداء الصوتى وأحكام التلاوة دون تدبر ويصبح كل همه فى رمضان أن يختمه عدة مرات ثم تنقطع علاقته به بعد انتهاء الشهر الفضيل ويستمع إليه فى مناسبات العزاء أو افتتاح ندوة أو مؤتمر أو تكتب بعض آياته فى لوحات تعلق على الحائط دون أن يكون لها صدى أو تأثير فى المكان أو من يقيمون به، وفى ضوء ذلك نقرأ آيات الصيام من زاوية تربوية ففى آية (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) نجد ربطا بين فعل الصيام والهدف منه وهو التقوى وهو ما يشير إلى ضرورة أن تكون كل أعمال الإنسان وعباداته موجهة إلى هدف وليس مجرد حركات جسدية، فننظر إلى الصيام باعتباره تربية وبناء لسلوك التقوى الذى يغذى العبد بمخافة الله واستحضار رقابته فى السر والعلن، قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضى الله عنه لتحرى مخافة الله: (اتق الله حيثما كنت) فيتعود المسلم على مخالفة هواه وعلى طاعة مولاه، ومرافقة الصالحين والابتعاد عن أهل الشر، وكظم الغيظ وكف الأذى عن الناس والعفو عنهم والإحسان إليهم، ومحاسبة النفس والإسراع إلى التوبة وإتباع السيئة بالحسنة، ومن هنا ندرك أن الارتباط بين الصيام والتقوى أو بين العبادة والسلوك إحياء للنزعة الإنسانية عندما يتصالح الإنسان مع نفسه ومع الحياة بنظام أخلاقى قابل للتطبيق ونظام اقتصادى قائم على العدالة والمساواة ونظام تعليمى يثرى الخبرة ويعلى من شأن الكرامة.


ويضيف: نحن مطالبون فى كل تخطيط للحياة بالنظر إلى المستقبل القريب دون تجاهل المستقبل البعيد، وفى رمضان المبارك يسعى الصائم إلى التخلى عن المتع العاجلة فى الدنيا طلبا لمرضاة الله والعتق من النار يوم القيامة، ومن هنا ينشئ الشهر الفضيل ثقافة تقوى المسلم فتنطلق طاقاته للإنجاز فى كافة ميادين الحياة، وهذه هى الثقافة التى يحتاجها المسلمون فى هذا الزمان بديلا للثقافة التى تنتج نفوسا خاملة وعقولا مشوهة.