طرائف ليلة الرؤية

خلاف على هلال رمضان 1802.. «الجبرتي» يُشكّك بصحة يوم العيد

 لوحة ترصد الأمسيات الرمضانية فى بيوت الأعيان قبل قرنين
لوحة ترصد الأمسيات الرمضانية فى بيوت الأعيان قبل قرنين

المساجد تُطالب المُفطرين بالعودة للصيام فى أول أيام شوال 1807!

فى طفولتنا كانت ليلة رؤية الهلال لا تخلو من إثارة، نحتفظ بلهفتنا إلى أن يتم الإعلان عن انطلاق شهر رمضان، فنخرج للشوارع حاملين فوانيس أعددناها لهذه اللحظة، وتبدأ رحلتنا مع الليالى المليئة بالبهجة، والسهر فى الشارع إلى أوقات مُتأخرة. مرة واحدة خرجت الأمور عن سياقها المُعتاد، حيث أكدتْ دار الإفتاء أن اليوم التالى هو المتمم لشعبان، وبعد انتصاف الليل بثّ التليفزيون بيانا بأن الهلال ظهر، وأن اليوم هو غُرة رمضان! ظل ذلك حدثا فريدا، لكن كتب التاريخ رصدت تكراره كثيرا، حيث تحدّث الجبرتى أكثر من مرة عن وقائع مُشابهة.

فى ديسمبر 1802 حلّت ليلة الرؤية. اجتمع الشيوخ لاستطلاع هلال رمضان، لكن الغيوم الكثيفة حالت دون ذلك، وهكذا كان يُفترض أن يصبح اليوم التالى المُتمم لشهر شعبان، غير أن حدثا غريبا وقع. اتجه جماعة من الناس للقاضى، وأكدوا أنهم رأوا هلال شعبان فى يوم سبق موعد الإعلان رسميا عن رؤيته، وهو ما يعنى أن رمضان ينبغى أن يبدأ فى اليوم التالى.

ويبدو المؤرخ الكبير متعجبا، لأنه لا أحد شاهد هلال الشهر السابق فى الليلة المذكورة، وحتى فى الليلة التالية لم يتمكن من رؤيته إلا من يتمتع بحدة البصر، وشكّك فى شهادة من ادعوا رؤية هلال شعبان فى توقيت مخالف لما تم الإعلان عنه قبل شهر، لأنهم لو شاهدوه لأعلنوا ذلك فى وقتها، كى يتم تحديد ليلة النصف من شعبان بدقة.

فى ذلك العام كان هناك خلاف على أهلّة رجب وشعبان ورمضان، غالبا بسبب سوء الأحوال الجوية التى جعلت رُؤيتها بالغة الصعوبة، وامتد الأمر إلى هلال شوال، حيث شهد ما هو أشنع حسب تعبير الجبرتى، ففى نهاية رمضان كانت الغيوم كثيفة أيضا، بالإضافة إلى أمطار غزيرة وبرق ورعد، وهكذا تمت إضاءة المساجد وإقامة صلاة التراويح مساء الأحد، حتى ساعة متأخرة من الليل.

استعد أهالى القاهرة لاستقبال يوم صيام جديد، وفجأة انطلقت المدافع بالقلعة والأزبكية، مُعلنة أن اليوم الجديد هو أول أيام العيد! واتضح أن بعض الوافدين جاءوا من دمنهور، وشهدوا أنهم رأوا الهلال قبلها بليلة. ذهبوا لبيت الوالى العثمانى ليُخبروه. أرسلهم إلى القاضى الذى تحفظ على قبول شهادتهم، فاتجهوا إلى بيت أحد كبار الشيوخ وأيّدهم، وكتبوا رسالة إلى الوالى تُفيد بأن العيد صباح الاثنين، ليشهد اليوم مواقف متضاربة من المواطنين، الذين انقسموا بين مفطرين وصائمين. وعندما انتقل الجبرتى للكتابة عن أحداث شهر شوال، بدأه بيوم الثلاثاء وليس الاثنين، وأكد:» كان أوله الحقيقى يوم الثلاثاء، وجزم غالب الناس المُفطرين بقضاء يوم الاثنين».

بعدها بعام شهد الشهر الكريم واقعة أخرى غريبة، ففى نهاية شعبان أكدت الرؤية أن اليوم التالى هو المتمم. استيقظ الناس وأكلوا وشربوا، إلى أن تبدّلت الأحوال فجأة، فقد وفد إلى القاهرة عدد من المغاربة وأكدوا أنهم رأوا الهلال، وهكذا نادت المساجد بالامتناع عن الطعام وقت الضحى! وتكرر الأمر بتفاصيله نفسها فى 1807، ويقول الجبرتى عنه:» وأصبح يوم الأحد والناس مفطرون. فلما كان وقت الضحوة نودى بالإمساك، ولم تُعلم الكيفية»!

بعدها بأعوام مضى رمضان 1820 هادئا، لكن نهايته جاءت مُختلفة، حيث وقع خلاف على رؤية هلال شوّال، وهكذا أقيمت صلاة التراويح، وطاف» المسحراتية» فى الشوارع، وعند الفجر تم الاتفاق على أن اليوم الوليد هو العيد:» وأصبح العيد باردا»! حسب تقييم المؤرخ الكبير.