بينى وبينك

المثقف الاستثنائى

زينب عفيفى
زينب عفيفى

لو قدمت لرجل سمكة لوفرت له وجبة، ولو علمته صيد السمك للقنته حرفة. وإذا أردت أن تدبر قوته لعام آت اجعله ينثر بذرة، وإذا انفسح خيالك لعشر سنوات فعلمه يغرس شجرة. أما إذا كنت تعنى بشئون غيرك فزودهم بالمعرفة. حين تنثر البذر تحصد مرة، وإذا أنت غرست الشجر حصدت عشرات المرات، لكنك حين تبذر المعرفة تتيح حصادا لمائة من الأعوام.. هذه الحكمة التى قالها الفيلسوف الصينى «كوان تزو» منذ القرن الرابع قبل الميلاد، هى الفلسفة التى عاش بها د. ثروت عكاشة الذى حلت ذكراه المائة أول أبريل، وبقيت أفكاره التى أرسى قواعدها فى الثقافة حتى يومنا الحالي.
ثروت عكاشة أحد المثقفين المصريين النادرين بتكوينه الفكرى والإنساني، فهوالكاتب المبدع الموسوعى الثقافة والفكر، والعالم المتذوق للفنون جميعها، والمؤرخ والناقد لها. آمن بالتغيير والتجديد، وسعى إليهما بنظرة مستقبلية متفائلة. عاملاً على إرساء الدعائم الأساسية لنهضة مصر الحديثة، كان رجل الثورة المستنير وصاحب المشروع الحداثي. شهدت إنجازاته الكبيرة التى لا تزال شامخة إلى اليوم، فهو صاحب المبادرة فى إنشاء معاهد السينما والمسرح والباليه وتشييد دار الكتب والوثائق القومية وقصور الثقافة. وهو صاحب المآثر الخالدة فى الذاكرة الإنسانية المتجسدة فى مشروعه لإنقاذ آثار النوبة ومعبدى ابوسمبل وفيلة.
وهو المفكر والفنان الذى لم تشغله المهام والأنشطة الرسمية الكثيرة عن الإبداع فى مجالات الأدب والفلسفة والفنون. تردد اسمه على امتداد الوطن العربى كونه الشخصية الثقافية الأولى فى الوطن العربي، وفى عواصم الثقافة فى أوروبا، وفى أروقة اليونيسكو وقاعاتها الواسعة. كل من اقتربوا منه وعرفوه تحدثوا عن تواضعه وعن شعوره العميق بالمسئولية وحرصه على حمل الأمانة وتأديتها على أفضل وجه.