د. محمد سليمان مدير مركز البحوث الزراعية :

حصاد الخير| الـ١٫٥ مليون فدان قاطرة العبور.. وأحد حلول سد الفجوة الغذائية

د. محمد سليمان مدير مركز البحوث الزراعية
د. محمد سليمان مدير مركز البحوث الزراعية

اطمئنوا.. غذاؤكم آمن.. وجودة الفول المصرى لا مثيل لها

اطمئنوا.. غذاؤكم آمن.. وجودة الفول المصرى لا مثيل لها

فى 9 شارع جامعة القاهرة، يقبع الصرح العلمى الأول فى مصر المتخصص فى إجراء البحوث التطبيقية والأكاديمية المرتبطة بالزراعة، وهو مركز البحوث الزراعية الذى يضم بين جدرانه 16 معهدا بحثيا.. ربما يكون المركز الذى تم تدشينه فى عام 1971، هو الأحدث بين المؤسسات العريقة التى توجد فى نفس الشارع، ولكنه استطاع أن يضع بصمة ملموسة فى البحث العلمى الزراعي، متسلحا بخلطة أوجدتها قياداته بين تاريخ للزراعة المصرية منذ عهد الفراعنة، وواقع حديث يفرض علينا أن نلهث خلف التقنيات الحديثة فى هذا المجال.

وبينما تواجه مصر والعالم حاليا تداعيات أزمة جائحة كورونا، وما تفرضه من تحديات تلقى بظلالها على الأمن الغذائي، يكتسب الحوار مع الدكتور محمد سليمان، القابع على رأس هذه المؤسسة الضخمة، أهمية خاصة، للإجابة على العديد من التساؤلات حول سبل مواجهة هذه التحديات، وكيف يمكن أن تكون هناك حلول من مخرجات البحث العلمى بالمركز.. وإلى نص الحوار.
- بداية: كيف ترى أزمة جائحة كورونا من منظور عالمى؟
وباء كورونا المستجد محنة غيرت شكل العالم، وميزان القوى، وتأكيدا لذلك نجد أن أكبر دول العالم التى كانت تتباهى بقدرتها الاقتصادية وقوتها الحربية لامتلاكها لأكبر الأسلحة تمد يدها لمن يساعدها للخروج من أزمتها التى ألمت بها، ليبدأ عهد جديد يعتمد على القدرة على الإنتاج والمقدرة على توفير الجودة للتصدير وتحقيق الاكتفاء الذاتى للمواطنين.

- وكيف ألقت الجائحة بظلالها على مصر؟
إذا كانت جائحة كورونا محنة للعالم، وكانت مصدر هلع، فأعتقد أن مصر استطاعت التعامل معها بنوع من التوفيق بين الإجراءات الاحترازية للحد من هذا الوباء والقدرة على الإنتاج حتى لا تتوقف عجلة الاقتصاد.
وفى ظل توقف عجلة التصدير فى العديد من الدول، شهدت هذه الفترة طفرة فى تصدير منتجات مصر إلى معظم دول العالم، بعد أن لاقت رواجا كبيرا نظرا لجودتها، فطوال هذه الفترة الماضية كان مركز البحوث الزراعية بكل كياناته فى أرجاء المحافظات خلية نحل للوصول بالمنتجات الزراعية إلى أعلى درجة من الكفاءة والتأكد من عدم وجود متبقيات مبيدات قبل تصديرها، ولم يكن ليحدث هذا لولا أن هناك أساسا قويا كان نتاجا لسنوات من العرق والجهد.

البحث والتطبيق
- كانت هناك شكوى دائمة من أن الأفكار الجديدة لا تجد طريقها للتطبيق وتظل حبيسة الأدراج، فهل تغير هذا الوضع؟
لا أخفيك سرا أن كثيرا من الأفكار لم تكن تنفذ لعدم وجود ميزانيات كافية لتنفيذها، لكن الآن هناك حراك كبير نحو الاستفادة من كل فكرة تم التوصل إليها، وتأكيدا على أن أفكار البحوث الزراعية لها دور قوى، فقد كان تعداد سكان مصر فى الثمانينات 45 مليون شخص وكان الاكتفاء الذاتى 50% من القمح على سبيل المثال، وبعد أن بلغ تعداد السكان الآن أكثر من 100 مليون خلاف الوافدين بمصر، والذين يقيمون إقامة كاملة ورغم انحسار الرقعة الزراعية والندرة النسبية فى المياه، لا زلنا محافظين على أن يكون الاكتفاء الذاتى 50%، وهذا يؤكد أن البحوث الزراعية لها أساس قوى وصلب فى الوفاء بمتطلبات السكان.

- هذا النجاح فى الحفاظ على نسبة الاكتفاء الذاتى 50%، يعنى أن البحث العلمى أصبح مطلبا قوميا؟
البحث العلمى هو قاطرة التقدم فى كل مجال، لكن الحاجة إليه الآن أكبر، لأنه ينطوى على إيجاد حلول لمشكلات، فلولا البحث العلمى ما استمرت الحياة وكان سيشوبها تهديد بفنائها، وكان البحث العلمى قاطرة لنجاح دول كانت قد تهاوت كليا، فنجد أن المانيا التى تحولت إلى كوم تراب واليابان التى بدأت من تحت الصفر بعد الحرب العالمية الثانية، كان سلاحها العقل وعزيمة شعبها، ولم تكن تملك سلاح سوى العقل، لتكون النتيجة أن هذه الدول أصبحت خلال سنوات قليلة مثالا للتقدم وأصبحت منتجاتهم تغزو العالم، ولا ينقصنا نحن لا العقول ولا العزيمة، والفترة المقبلة ستكون خير شاهد على أن البحث العلمى فى مصر نواة تزدهر يوما بعد الآخر، وسيسير بمصر إلى المكانة التى تستحقها.

لقمة العيش
- إذن العبرة والقوة أصبحت فى العقول وليس السلاح؟
منذ انتشار هذا الفيروس توقفت ترسانة الحرب وتعطلت محركاتها التى تسببت فى الدمار الذى تتباهى به الدول الكبرى، وأصبح الجميع رهن البحث عن لقمة العيش لإشباع احتياجات شعبه، فمن يملك قوت يومه هو الأقوى والأجدر على مواجهة الغير، وهذا ما أكدته جائحة كورونا، فمصر فى ظل حربها ضد الإرهاب وذودها عن بلادها ضد دول طامعة، نجدها حريصة على تبنى أفكار أبحاثها والتى تزخر بها أدراج مكاتبها لتحقيق أكبر قدر من الاكتفاء الذاتى لسد الفجوة الغذائية بها وتمد يد العون لغيرها لتظل على امتداد التاريخ معطاءة لمن حولها.

- وهل المليون ونصف فدان أحد أدوات سد الفجوة الغذائية؟
المليون ونصف المليون فدان هو أحد أطواق النجاة الحقيقة لتقليل الفجوة الغذائية ومحاولة جاده للوصول للاكتفاء الذاتى وتعويضا لما فات مصر فى سنوات سابقة، فإذا كان البحث العلمى قاطرة التقدم والذى عن طريقة استطعنا تحقيق أكبر قدر من الإنتاج الرأسى، فإن مشروع المليون ونصف وفدان الذى يتنباه الرئيس السيسى بمثابة قاطرة عبور جديدة تضاف إلى رصيده منذ توليه الحكم مع الأخذ فى الاعتبار أنه يتم اتباع أحدث أساليب الزراعة لتكون مجتمعات متكاملة على أسس علمية بعيدا عن أية عشوائية.

الفجوة الغذائية
- وهل من سبيل للقضاء على الفجوة الغذائية في القمح؟
مصر تنتج ما يقرب من 9 مليون طن، وهو ما يكاد يكفى إنتاج رغيف الخبر الذى يعتبر وبحق حصن الأمان لكل مواطن، وتسعى الدولة إلى الاستمرار فى حمايته بكل سبيل، ولم يكن ليحدث هذا الإنتاج والذى ارتفع من 9 أردب للفدان إلى 18 أردبا فى المتوسط، إلا بفضل جهود البحوث الزراعية، حيث يبلغ إجمالى المساحة المزروعة حوالى 2 مليون فدان، ونحتاج إلى زراعة مليون ونصف فدان أخرى، وهذه المساحة إجمالى الرقعة الزراعية للمحاصيل الحقلية جملة بمصر، ونتيجة لهذا قد حققنا المركز الأول فى العالم من ناحية الإنتاجية للفدان.. ولكن يجب أن نعى جيدا أن استيراد جزء من محصول معين يقابله فى الوقت نفسه تصدير محاصيل أخرى يعود علينا بالفائدة الأكبر من استيراد هذا المحصول.

- وما هو دور مركز البحوث الزراعية فى الرقابة على المنتجات لضمان إنتاجية أكبر وجودة ذات كفاءة صحية؟
المركز يضم بين طياته 16 معهدا و13 مركزا بحثيا هم جملة الكيانات البحثية، وليس أدل من كفاءة هذه الكيانات من اعتماد هيئة السلامه الغذائية التابع لمجلس الوزراء عقد شراكة مع خمس من هذه المعامل للرقابة على المنتجات، بعد أن تأكد من كفاءتها وهم معهد صحة الحيوان، والمعهد الإقليمى للأغذية والأعلاف، ومعمل متبقيات المبيدات، والمعمل القومى للمبيدات، ومعهد تكنولوجيا الأغذية، بحيث يكون كل معهد هو المرجعية حسب تخصصه فى الرقابه على المنتجات سواء فى منافذ البيع أو الموانئ الخاصة بالدولة للتأكد من سلامة وكفاءة أى منتج.

منتجات آمنة
- تصدير المنتج بجودة عالية هدف قومى للتصدير، لكن صحة المصريين الأهم، فهل هناك ضمانات للمحافظة عليها بتوفير منتجات آمنة؟
هذه حقيقة، فإذا كانت كفاءة المنتجات المصدرة أمر هام، فإن صحة المصريين هي الأهم، ولذلك تقوم هيئة سلامة الغذاء بتفقد منافذ بيع المنتجات على اختلافها وإرسال عينات منها إلى معاملنا للتأكد من مدى صلاحيتها، علاوة على إنه وباعتبار أن الوقاية خير من العلاج، يتم تفقد منشآت مواقع الإنتاج ومزارع الفاكهة وهو ما يطلق عليه عملية التتبع للمنتج للتأكد من خلوها من متبقيات المبيدات، فالأمر أصبح محل اهتمام وتقدير جميع المسئولين، وأؤكد أن الغذاء المصرى الآن آمن بشكل لا يلحق أى ضرر بالمواطن المصرى فالرئيس السيسى حقيقة حريص بشكل كبير على هذا الأمر.

- وما هى المساحة المطلوبة للوصول إلى الكفاية الإنتاجية فى كل المحاصيل؟
للوصول إلى الكفاية الإنتاجية لابد من زراعة 6 ملايين فدان ونصف بدلا من الـ3.5 مليون فدان الحاليين، علما بأنه يتم الاستفادة من البحث العلمى فى التوسع الرأسى والزيادة الإنتاجية ليكون معدل الإنتاج أكثر من الضعف وهذا ما سيتحقق بشكل أسرع مما كنا نتوقعه، فالدولة أصبحت على المسار الصحيح وكل يوم يشهد تقدما أكبر دون توقف.

الوقود الحيوى
- وما هو تقييمك لتأثير عملية إنتاج الوقود الحيوى من المحاصيل الغذائية على الأمن الغذائي؟
الوقود العضوى هو عبارة عن محاصيل عالية القيمة مثل القمح ومحصول القصب كان يتم استخدامها من قبل الدول الصناعية كبديل للبترول بسبب ارتفاع سعره مقارنة بهذه المحاصيل.
ومع انخفاض أسعار البترول بسبب جائحة كورونا وتوقف الكثير من المصانعن أصبح هناك فائض منه فى الفترة الماضية، أدى ذلك إلى تخفيف الضغط على هذه المحاصيل عالميا، وانخفض سعرها بشكل ملموس.

- وما هو السبيل فى رأيك لتوفيرالأعلاف من أجل تنمية الثروة الحيوانية؟
الأعلاف هى المشكلة الكبيرة فى إنتاج الثروة الحيوانية، فالمواد الخام لها يتم استيرادها من الخارج، وبالتالى يكون سعرها رهن السوق العالمى، وإن كنا نسعى لتوفير هذه المواد الخام هنا مثل التوسع فى زراعة الأذرة الصفراء التى ننتج منها 20% فقط من جملة إنتاجنا للأذرة، ويضمن تشجيعنا للمزارعين على زراعتها إنتاج 70% من احتياجاتنا من الأعلاف، مما يوفر أحد أهم عناصر الأعلاف التى نقوم باستيرادها من الخارج.

- وكيف ترى سبب تردى حال القطن، الذى كان المحصول القومى الأول لمصر؟
القطن المصرى لاتزال سمعته مثل الجنيه الذهب، ولكن المشكلة لا تكمن فى الإنتاج، ولكن فى إعادة تشغيل المغازل حتى يتم توريد القطن كقيمة مضافة وليس مادة خام، خلاف أن سعر القطن يبلغ حوالى 2400 جنيه، كتصدير بينما قصير التيلة سعره 1200 جنيه، لذلك يجب منع الاستيراد فى فترة جنى المحصول، كما أن هناك دولا تقوم بشراء القطن بسعره الزهيد كمادة خام لخلطه مع منتجها من قصير التيلة لتحسين جودته.. فقد قمنا بزراعة 350 ألف فدان وكانت إنتاجيتهم على أعلى مستوى، ولكن لم يتم توريده نظرا لعدم كفاءة المغازل وهى الحل الأمثل لعودة القطن المصرى، الذى يتم وضعه على أرفف فاخره فى الدول المتقدمه لعرضه للبيع ولايشتريه إلا صفوة المجتمع فى هذه الدول وأنا شاهد على ذلك.

الاكتفاء من الفول
- وماذا عن الفول.. هل هناك إمكانية لتحقيق الاكتفاء الذاتى منه؟
يتم زراعة 200 ألف فدان ونحتاج إلى زراعة 120 ألفا أخرى للوصول إلى الاكتفاء الذاتى، وبشهادة الجميع إنتاجنا من الفول ذى جودة لا مثيل لها فى العالم، ولكن ما يحدث أنه يتم استيراد نوعيات أقل جودة بسعر أقل، مما يؤدى إلى انخفاض سعر الفول البلدى، لذلك يجب أن نقوم بمنع الاستيراد خلال فترة جمع المحصول لتشجيع الفلاح على التوسع فى زراعته لتحسين دخله.

- أخيرا.. ما هو السبيل لتوفير مياه الرى فى ظل أزمة المياه التى تعانى منها كثير من دول العالم، ومنها مصر؟
هذا الأمر يحتاج إلى عدة أشياء، أهمها فى رأيي إقناع الفلاح بأهمية نظام الزراعة على مصاطب، حيث تسهم فى الحصول على أقصى إنتاجية ممكنة من المساحة فضلا عن توفير كمية المياه المستخدمة فى الري، وتوفير كمية التقاوى وتوفير استخدام الطاقة، فضلا عن التوجيه والتوزيع الرشيد والسليم للأسمدة، ذلك بالإضافة إلى الإنتاجية العالية التى يحققها المحصول، بما يسهم أيضا فى زيادة دخل المزارع.