أعراض الهستيريا.. رسالة الآباء

د. إبراهيم ناجى
د. إبراهيم ناجى

بقلم:  د. إبراهيم ناجى

إن الهستيريا مرض يغلب فى النساء، وقد سار بنا علم النفس الحديث نحو حقائق جديدة، وأولى هذه الحقائق التغيير الكلى فى معنى "الهستيريا"، فقد كنا لعهد حديث جدًّا نعلم أنه مرض عصبي، منشؤه صراع عاطفى عند الذين يتصفون بضيق الوعى، وعمق العقل الباطن، فإن الأول إذا ضاق بما يحتوى، نقل ما به بسرعة إلى الباطن، فيكدس ما نقل إليه، وأخيرًا تقع الطامة، إذ يحاول المكبوت أن يجد متنفسًا، إما عن طريق استجداء العطف والتمثيل، أو عن طريق الجسد، فتحدث الاضطرابات الجسدية فى الهستيريا كالاهتزازات، والتشنجات.. إلخ.

وتناولت الدكتورة "أودلام" الطبيبة بمستشفى "فكتوريا" الموضوع بطريقة حديثة، فسألت المثقفين عن رأيهم والممارسين من الأطباء عن مدى علمهم، فكان الاتفاق على أن الهستيريا هى صراخ وثورة وهياج يبديها شخص ما عندما يضيق ذرعًا بالحياة، أو عندما يعترض طريقه شيء أو شخص يريد الخلاص منه.

وزاد الأطباء على أن المألوف فريقان ؛ فريق لا مرض عنده وإنما هو يخترع مرضًا لغاية ما، وفريق له نظرة شاذة نحو أوضاع الحياة، تؤدى إلى اضطراب عاطفى يؤدى إلى أعراض جثمانية، والطبيعة أكدت وجود نوعين آخرين.

نوع يتميز بفقدان الوعى مدة تطول أو تقصر، ونوع مصحوب بفقدان الذاكرة على درجات تتراوح بين النسيان البسيط والنسيان الذى يتناول حتى الذات، والمألوف أن الذاكرة تعود من بعد فقدانها، ولكن عُرِفَت حالات لا اضطراب للعقل فيها مطلقًا، وإنما ذهبت الذاكرة فجأة ولم تعد أبدًا، وأما الاضطراب الجسدى الذى أشرنا إليه فمنه ما يكون تخفيفًا لكبت، ومنه ما يكون هربًا من مواجهة مشكلة ما.

والعجيب أن هذا المرض الذى ينشأ من القلق والخوف وتوتر الأعصاب يجب علاجه فى هذه الألوان من "التغطية"، فيبدو المريض بالهستيريا أحيانًا مطمئنًّا، هادئًا، لدرجة غريبة من عدم المبالاة، واتضح للباحثين اليوم أن التعريف الوافى للهستيريا هو: "الهستيريا اضطراب عاطفى يصيب مرضى ذوى شخصية خاصة "، هذه الشخصية تسير بيننا ونصادفها هنا وهناك، فعلينا أن نتبينها جيدًا، فلقد سُميَت هذه الشخصية "بالشخصية الهستيريونية".

هذه الشخصية توجد عند الذين من طبعهم التمثيل والمبالغة "والتهويل" فى شئون الحياة، وقد يكون هذا التمثيل "خارجيًّا" ويبدو كظاهرة " استعراضية " كما هو الحال عند السياسيين، وأرباب الأعمال الذين تقتضيهم أعمالهم التمثيل والظهور بمظاهر خاصة.

قد يكون هذا التمثيل "باطنيًّا"، ويكثر عند الفنانين الذين لهم عالمهم الخاص فى أعماق سرائرهم "يمثلون" فيه كما يشاءون ويؤلفون فيه رواياتهم الخاصة، ولما كانت المرأة فى طبيعتها " خارجة" تلبس أزهى الثياب للزينة، وتتحلى بأجمل الحلى ولو زَائِفَةً "لتمثل" دورها الرائع فى الحياة، فنصيبها من التعرض لذلك المرض غير ضئيل، واختلف الرأى فى كيفية وجود هذه الشخصية، ولكن السائد هو أن الإنسان يولد بها، وقد يكتسبها أحيانًا من الوسط، وهى فى درجاتها البسيطة كثيرًا ما جاءت للوجود بالشخصيات الخالدة الممتازة بالحيوية، والذين جعلوا الوجود فى شتى نواحى الفن والأدب والاجتماع، وقد يعيش أكثر هؤلاء بهذه الشخصية الهستيريونية مستترة وبلا أعراض مرضية حتى يصطدموا بما يجرحها.

وختام الحديث للأمهات والآباء أن أعراض الهستيريا قد تبدو فى أى سن فيما بين الطفولة والمراهقة، وبينت سابقًا أن أصحاب الشخصية الهستيريونية تبدو عليهم ملامحها مبكرة، وإذا لم تتبين فى أعمال الطفل فإنها تتبين فى كيفية لعبه، أما بعد نضج الإدراك فإن هذه الشخصية قد تصطدم بما يطبعها بطابع مرضى، إما فى البيت أو فى المدرسة، ففى البيت يكون أول عامل وجود نزاع عائلى دائم أو أب سِكِّير أو أم صَخَّابة.

وفي المدرسة تصطدم بالمعلم القاسى الجاف أو بالرفاق العابثين، فإذا كان الطفل خارجيَّ النزعة فأول ما يصيبه هو أن يفقد الثقة، ويطوى نفسه على خوف وشك، فيغطى ذلك بالصياح والضجيج لينال أغراضه، أما إذا كان باطنى النزعة فإنه يلجأ إلى العزلة والانفراد، وقليلًا ما يصاب الأطفال والمراهقون بأعراض جسدية من الشلل وفقدان الإبصار والبكم، ويجب أن يفهم الوالدان أنه إذا تمكن الصبى من بلوغ أغراضه بطريقته، فذلك أمر فى منتهى الخطورة، فعليهما أن لا يمكناه أبدًا، وعليهما فى الوقت ذاته أن يفهما أن نفس الصبى مطوية على خوف، وعليهما أن يشجعاه على احتمال المواقف الجديدة، وعليهما أن يهتما بدورة حياته اليومية فى المدرسة، وعليهما كذلك أن يَعلما أن البيت الهادئ الرزين هو أول واقٍ من الأمراض النفسية.

     من‭ ‬كتاب‭ ‬"‭ ‬رسالة‭ ‬الحياة‭ ‬"