«آخرساعة» زارتهم فى مقر الجمعية بالمعادى

«أولادى».. تفوق دراسى ومواهب على الطريق

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

من رحم المعاناة يولد الأمل.. تنطبق هذه المقولة بشدة على أبناء جمعية "أولادي" التى ترعى الأيتام ومجهولى النسب، من عمر يوم حتى تصل بهم إلى بر الأمان، متحدين معاً ظروف فرضتها عليهم الحياة، والوصول بهم إلى أعلى درجات السعادة والطمأنينة، راسمين ابتسامة على وجوههم من جديد، لمحو نظرات الحرمان والحسرة.

مدير‭ ‬عام‭ ‬الدار‭: ‬نهتم‭ ‬بمواهب‭ ‬الأطفال‭ ‬ونخصص‭ ‬مبنى‭ ‬لصقل‭ ‬هواياتهم

الأمهات البديلات: أطفال الدار أبناؤنا من القلب

فى 29 شارع 206 بمنطقة المعادي، يقع مبنى ضخم يضم عدداً كبيراً من الأطفال الأيتام، ومجهولى النسب، وضالين، داخل جمعية "أولادي" يوجد حوالى 400 ولد وبنت بمراحل عمرية مختلفة تبدأ من عمر يوم، ويرجع تاريخ الجمعية إلى ما يقرب من 52 عاماً، وشهّرت برقم 86 لسنة 66 تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي.

مبنى المواهب

تضم الدار مبنى للصغار مكونا من ثلاثة طوابق، ومبنى لإقامة الفتيات، ومبنى للدروس الخصوصية، وآخر للمطبخ والمطعم، ومبنى المواهب يجتمع به الفتيات لممارسة هواياتهن من تفصيل ورسم على الزجاج، والفخار، بالإضافة إلى مبنى التعليم الأساسى الملحق بالدار، وقد قامت "آخرساعة" بجولة داخل الدار، وشاركت الأيتام يومهم.

فى البداية، كان حديثنا مع مدير عام الجمعية اللواء سمير عيسى، حيث أوضح أنه يتم إلحاق الأطفال بالدار واستلامهم عن طريق قسم الشرطة، ولابد من توقيع الكشف الطبى عليهم أولاً، وإصدار شهادة ميلاد رسمية لهم، ومنذ إلحاق الطفل بالدار يحصل على كافة أنواع الدعم والاهتمام، رغم الموارد القليلة للدار، حيث تعتمد على التبرعات سواء فردية أو من مؤسسات، لكنها توفر كافة سبل الراحة للأطفال، حيث يحصل الطفل على الرعاية الصحية بتواجد 4 أطباء بينهم 2 بمبنى الأطفال الصغار لتوقيع الكشف الدورى عليهم، كما هناك تعاقد مع بعض المستشفيات ومعامل التحاليل الطبية لتوفير الرعاية الصحية المناسبة لكل طفل، بالإضافة إلى التطعيمات الدورية فى مواعيدها، وتعقيم الدار فى مواعيد منتظمة.

يضيف: قوة العمل بالدار كبيرة تتناسب مع حجم الدار، حيث يعمل بها 10 أخصائيات اجتماعيات، 2 أخصائى نفسي، 27 مشرفة، 32 موظفاً إدارياً، 26 عاملة منهم 20 بالمطبخ والمطعم، وواعظة لتحفيظ الأطفال القرآن، كما أن كل 5 أطفال لهم أم بديلة، ومدرسين تربية موسيقية بدار البنين، ودار الفتيات، لافتاً إلى أن الدار بها حوالى 70 فتاة بالتعليم الجامعي، وترعى الفتيات بالدار حتى إتمام تعليمهن والزواج، وتوفر الدار لكل فتاة عند زواجها 3 غرف، و7 أجهزة كهربائية، بالإضافة لرعاية لاحقة بعد الزواج إذا احتاجت لمساعدات مادية أو مشورة أسرية يتواصل معها أخصائية اجتماعية من المؤسسة.

يتابع: تهتم الدار بمواهب أولادها لذلك يوجد مبنى خاص للمواهب يضم المشغل والورش الخاصة بالرسم على الزجاج وتلوينه، وشغل على الفخار، كما يوجد بالدار ملعب كبير لتدريب الفتيات على الألعاب الرياضية من خلال مدربات متطوعات لتدريبهن، وأشار إلى أن عدداً كبيراً من الفتيات لديهن مواهب فنية وغنائية، بالتالى عدد كبير منهن مشترك بكورال مصر، وكورال سليم سحاب.

الأم البديلة

انتهينا من حديثنا مع مدير عام الجمعية، وتوجهنا لمبنى الصغار الذى تحاوطه الألعاب الترفيهية فى الخارج، حيث كانت تعلو وجوه الأطفال الصغار البسمة (ملك وجنى ومحمد ويوسف وغيرهم) بصحبة الأمهات البديلات اللواتى يشاركن الأطفال يومهم وتفاصيلهم تحت إشراف نفيسة نصير مسئولة دار الصغار، التى تعتبر حوالى 100 طفل وطفلة أبناءً لها، من عمر يوم إلى 10 سنوات.

تقول سارة محمود (أم بديلة): كأمهات بديلات نحاول القيام بدور الأم على أكمل وجه، حيث نهتم بالأطفال من مأكل وملبس، وتنظيم يومهم، فنحرص على استيقاظهم مبكراً لبدء يومهم بنشاط، ونعلمهم الاعتماد على النفس من خلال ترتيب غرفهم بالنسبة للأطفال أكبر من عامين، بعد ذلك نتوجه للمطعم لتقديم وجبة الإفطار، بعد ذلك يجلس الأطفال لمشاهدة قنواتهم المفضلة على التليفزيون واللعب، والساعة 2 تقدم لهم وجبة الغداء.

أكدت أن الأمهات البديلات يحاولن بذل قصارى جهدهن لمنح الأطفال الحب والعطاء الذى لا يختلف عن عطاء الأمهات، فهم بالنسبة لهن ليسوا أبناء من الرحم، ولكنهم أبناء من القلب.

رعاية شاملة

عن الرعاية النفسية بالدار، تقول أسماء صادق (أخصائية نفسية)، إن هناك اهتماماً بالرعاية النفسية للأطفال منذ قدومهم، حيث نتابع الأطفال وسلوكياتهم باستمرار، ونقوم بعمل اختبارات للذكاء، وتنمية المهارات للتعامل مع كل طفل حسب مستوى ذكائه، وإذا لاحظنا انطواء أحد الأطفال يتم عمل متابعة وجلسات نفسية له حتى نتمكن من التغلب على المشكلة وجعل الأطفال أصحاء نفسياً.. التقطت منها طرف الحديث زميلتها منى ماهر، قائلة: تم العمل على تغيير سلوك عدد كبير من الأطفال بالدار، وبالفعل هم يتميزون بنعمة الأخلاق، ويفرقون بين الصح والخطأ، والحلال والحرام، فدائماً أحاول توصيل هذه المعلومات لهم من خلال القراءة وقصص الأنبياء، والقصص القرآنية عموماً، بالإضافة إلى الإشراف على مذاكرتهم وتحصيلهم الدراسى ودروسهم، ونحمد الله على تفوقهم الدراسي، فالتعليم أساسى بالدار، والشباب حالياً بكليات مختلفة.

دار البنين

صاحبتنا خلال الجولة بالدار سهير محمود، وهى متطوعة بأعمال الدار فتيات وبنين، وشخصية داعمة للأطفال والشباب، وهم أيضاً شديدو التعلق بها. وأكدت سهير أن الدار مازالت تستقبل الأطفال وتقدم لهم جميع الخدمات رغم قلة مواردها خاصة مع أزمة كورونا، مشيرة إلى الشباب الذى ينص القانون على خروجهم من الدار عند بلوغهم 18 سنة، تتولى الدار حجز شقة له بجانب مصروفات الدراسة "رعاية لاحقة"، وهو جهد مادى كبير على الدار، ولا نغفل مصروفات الدراسة بجانب ذلك، متمنية أن يتم منحهم شققاً سكنية تخصص لهم بدون نظام القرعة.

وتوضح أن الدار تسمح بنظام التبنى للأطفال، وفقاً للشروط التى حددتها وزارة التضامن، مشيرة إلى أن هناك أطفالاً تم تبنيهم، وآخرين يوجد كفيل لهم، أما بالنسبة للشباب فكثير منهم يعمل بجانب الدراسة، كما يتم منح مصروف لكل طفل ويصل مصروف طالب الجامعة إلى 300 جنيه.

انتقلنا إلى دار البنين على بعد بضع كيلومترات من المبنى الأساسي، حيث ينتقل إليه الأولاد بعد بلوغهم 10 سنوات، والذى زينه ملعب لكرة القدم، ووقف الشباب بزيهم الرياضي، فيما أكد اللواء محمد سرور مدير دار البنين أن الشباب طموحه لا نهائي، ولدى معظمهم مواهب رياضية على رأسها كرة القدم حتى أصبح لديهم أكاديمية خاصة بهم، وفرق حسب السن يقودها ويدربها أبناء الدار من الكبار، وحصلت هذه الفرق على جوائز ومراكز بدورى مؤسسات ونوادٍ، كما أن الفريق الرياضى للدار سيمثل وزارة التضامن فى أحد المعسكرات الرياضية القادمة.

وأوضح أن هناك شبابا لديهم مواهب تمثيلية وغنائية، وكانت لهم مشاركات فى احتفاليات الدولة بعيد الطفولة أمام الرئيس عبدالفتاح السيسي، كما أنهم قدموا عروضاً على المسرح القومي.

نماذج مشرفة

أما بالنسبة للخدمات الترفيهية، فأوضح أن الدار تهتم بتنظيم الرحلات والمصايف للشباب، وإقامة الندوات الثقافية والتوعوية، واحتفاليات أعياد الطفولة، ويوم اليتيم لرسم البهجة على وجوههم.

وفى غرفة الموسيقى، جلس عبدالله محمود، يعزف على العود، فهو أحد النماذج المشرفة بالدار، متحدياً نفسه والظروف، فقد وصل إلى الدار وكان عمره عامين كطفل ضال، بعدما فُقِد من أهله، وتعرفت إليه جدته عن طريق أحد البرامج التليفزيونية، وبالفعل تم رده إلى ذويه، لكنه لم يجد الرعاية التى كان يحظى بها فقرر الرجوع مرة أخرى إلى الدار، وحالياً يدرس بالفرقة الأولى فى معهد الموسيقى، وتدعمه الدار فى مشواره التعليمي.

أما تامر فهو أخ كبير للأطفال بالدار وكابتن فريق كرة القدم، والمسئول عن إخوته الصغار بجانب تميزه فى موهبة التمثيل، وشغفه بالورش التمثيلية، ومشاركته بأعمال مسرحية بجانب دراسته كطالب فى كلية السياحة والفنادق، ومع تعدد اهتماماته لم يمنعه ذلك عن العمل بجانب الدراسة، فهو نموذج للشاب المسئول الذى يحركه طموحه وشعوره بالانتماء تجاه المحيطين به.