كفالة اليتيم حققت لهن الحلم

الأمهات الحاضنات: «عرفنا معنى الحياة»

صورة موضوعية
صورة موضوعية

الأيتام ملائكة تمشى على الأرض.. زرع الله محبتهم فى قلوب كل من حولهم، وأفضل عوض لهم هو أن يرزقهم الله بآباء وأمهات يحنون عليهم، لذا جاءت فكرة "الأم البديلة" لتعويض الأيتام الحرمان من الأسرة وتقدم لهم الحب والأمان حتى يهنأون بحياة سوية طوال عمرهم. وفى هذا الإطار التقت "آخرساعة" بعض الأمهات الحاضنات لأطفال أيتام ليتحدثن عن تجاربهن وكيف استطعن تغيير حياتهن وحياة هؤلاء الأبناء للأفضل.

«الآنسة ماما»: أساليب الرضاعة الحديثة جعلتنى أماً حقيقية

جهاد: كفلت طفلاً بتشجيع من زوجى.. وأرضعته شقيقتى

بعد أن كان الكثير من السيدات يعيش حالة من الحزن نظراً لعدم الإنجاب، بالتالى افتقادهن مشاعر الأمومة، عرفن المعنى الحقيقى للحياة بعد أن كلفت كل سيدة طفلاً أو طفلة وتحقق حلم تكوين أسرة سعيدة.

يمنى دحروج، زوجة لم يأذن الله لها بالإنجاب رغم أنه ليس لديها ما يمنع ذلك، لذا فكرت فى تكوين أسرة والشعور بإحساس الأمومة، وقررت أن تكفل طفلاً، وبالفعل احتضنت ابنتها "ليلى" وهى فى عمر أربعة أشهر.. تعمل يمنى استشارية علاقات أسرية وتهتم بحال الأسرة والأطفال عموماً، خصوصاً الأيتام، وبعد أن احتضنت ابنتها بثلاثة أيام فقط، فكرت فى طريقة لتوصل رسالة للجميع بنعمة كفالة اليتيم وما تقدمه من شعور بالسعادة والفرحة فى الدنيا وثواب عظيم فى الآخرة.

تحقيقاً لهذه الرغبة، أسست يمنى مبادرة "الاحتضان فى مصر"، فى ديسمبر 2018، والتى تعمل تحت مظلة وزارة التضامن الاجتماعي، وهدفها نشر مفهوم الكفالة فى مصر، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول هذا الموضوع، وزيادة الوعى بدعم الأيتام والأسر الكافلة لهم ودمجهم فى المجتمع من دون أى تردد أو خوف.

ولاقت فكرة "الاحتضان فى مصر" ترحيباً غير مسبوق لدرجة أنها تحوَّلت من مجرد صفحة على السوشيال ميديا إلى كيان كامل موجود بمؤسسة تحت الإنشاء تضم أكثر من 20 فرداً يعملون بالمجهود الذاتى والتطوعى وبشكل مؤسسى منظم لخدمة كل أسرة وكل طفل، وتقديم الخدمات وتنظيم الورش والدورات التدريبية وتقديم الدعم لهم بمختلف أنواعه، كما تم إنتاج مجموعة قصصية مكونة من أربع قصص للأطفال تم طبعها وتوزيعها عليهم للتوعية بمفهوم الكفالة والاحتضان تحت عنوان"عائلة للأبد".. وليس ذلك فحسب، فهناك خدمات تقدم للأسر الحاضنة ومنها "مبادرة الإرضاع"، التى يتم بها توفير استشارات طبية عن بروتوكول الإرضاع بالتعـــاون مـــــــــع الأطباء المختصــــــين، بجــــــانب الدعم المعنوى للأمهات من خلال جروبات دعم مخصصة للإرضاع، وتوفير أجهزة إرضاع للأمهات حيث يوجد نحو 70 جهاز شفط للمساعدة فى إدرار اللبن، وقد تم بالفعل إتمام رضاعة حوالى 150 طفلاً يتيماً حتى الآن.

وأشارت دحروج إلى أنه يتم التواصل يومياً مع وزارة التضامن الاجتماعي ومديريات التضامن لتيسير الأمور وحل أى مشكلات إن وجدت، والاستماع لشكاوى الأسر أو للإبلاغ بأى أسرة غير أمينة على الطفل.

أما حنان حامد، فهى سيدة تبلغ من العمر 40 عاماً، ومتزوجة منذ 22 عاماً، ولم يرزقها الله بأبناء، فقررت بعد 10 سنوات من الزواج أن تكون أماً بديلة لطفلة، بعد أن رأت أثناء نومها أحد الأشخاص وهو يعطيها طفلة صغيرة بملابس بيضاء، فتناقشت مع زوجها حول الأمر وأخبرته أنها تريد أن تكفل طفلة تكون سنداً وعوناً لها فى الكبر، وأن تشعر تجاهها بمشاعر الأمومة التى حُرمت منها.

وحين قررت أن تذهب لدار الأيتام، رأت حلماً مرة أخرى بأنها تمسك بطفلة اسمها "رحمة" واعتقدت وقتها أنها رسالة من الله بأن ما ستفعله يكون رحمة لها ولزوجها.
وبالفعل ذهبت للدار وطلبت الدخول لغرفة الأطفال الرضع، لكنها وجدت الأطفال فى هذه السن جميعهم ذكور، فقالت إنها تريدها أنثى، فأخبرتها الموظفة أن الطفلة الصغيرة الوحيدة وتبلغ من العمر 8 أشهر واسمها "رحمة"، فتمسكت بها وطلبت أن تكفلها، وقامت بتحضير الأوراق المطلوبة للاحتضان واصطحبت الطفلة إلى المنزل.

تقول حنان: "بعد ذلك شعرت أننى كنت أعيش طوال عمرى فى ظلام والآن فقط أبصرت بمجرد دخول رحمة فى حياتي، وبعد أن كبرت رحمة اكتشفنا أنها من ذوى الاحتياجات الخاصة وتعانى تأخراً فى نمو العقل وقصرا فى القامة، وحينها أبلغتنى الموظفة بأننى يمكن إعادتها لدار الأيتام مرة أخرى ولكننى قلت لها: "هو فى حد يقدر يستغنى عن ضناه.. يكفينى حنيتها وتقبيلها ليدى يوميا وتعبيرها بمدى حبها لى فهى جنة تمشى على الأرض أمامى".

وبعد أن بلغت رحمة 10 سنوات، بدأت بالسؤال المتكرر عن شقيقتها على الرغم من أنها ترفض التعامل مع الأطفال فى مثل عمرها، فذهبت بها الأم إلى دار الأيتام مرة أخرى حتى تمسكت رحمة بطفلة أخرى، وقالت هذه شقيقتى وبالفعل قامت حنان بكفالة مريم التى تبلغ من العمر 5 سنوات لتكون أماً لبنتين.
وأكدت الأم أن رحمة ومريم أصبحتا الآن كل حياتها وزرع الله عز وجل محبتهما فى قلبها وجعلها تشعر بأنها هى من أنجبتهما، وتتمنى أن يمن الله عليها بإنشاء دار أيتام لتكون أماً لكل الأيتام وتعوضهم عما يشعرون به من حرمان.

أما "الآنسة رشا"، أو كما تحب أن يقال لها "أم كارما"، فلم تتزوج بسبب مرض والدتها، فقد فضلت أن تظل بجانبها لرعايتها إلى أن توفاها الله، ثم وجدت نفسها تعيش بمفردها بعد أن سافر شقيقها للعمل بالخارج، بينما كان والدها قد سافر إلى سوهاج ليقيم هناك.

هنا قررت رشا أن تكفل طفلة تكون لها أماً، وبالفعل قامت برحلتها فى إجراءات الحصول على الكفالة والبحث عن ابنتها فى مختلف دور الأيتام، حتى ذهبت إلى دار أيتام فى المنيا لتجد طفلة عمرها ثلاثة أيام فقط، فأمسكت بها وقالت: "هذه ابنتى التى أبحث عنها".
وأكملت أوراق الاستلام وتناولت أدوية تجعلها تستطيع إرضاع الطفلة بشكل طبيعي، وبالفعل حدث ذلك لتصبح أماً حقيقة لها بالرضاعة، وكانت سعادتها بها تفوق الوصف.. وفى النهاية تقول: "أخيرا أصبح لحياتى معنى، وسأنتظر حتى تكبر كارما قليلا وسأكفل لها شقيقة أخرى بإذن الله".

أما جهاد فتقول: منحنى الله زوجاً يتمتع بقدر كبير من الحنان، وكنت أرى حنيته وحبه يظهر فى تعامله مع أبناء شقيقتى، لذا كنت أرى أنه خسارة كبيرة أنه لن يكون أباً لأننى لا أنجب، فتحدثت معه فى كفالة طفل فرحب بالفكرة، لكن فى بداية الأمر كانت بداخلنا بعض الشكوك حول مدى تعاطفنا تجاهه وطريقة معاملته عند الكبر، خاصة أن المحيطين بنا كانوا يرفضون الفكرة.
تتابع: ذات يوم كنت أتحدث مع شقيقتى فى هذا الموضوع، وكانت هى حامل فى ذلك الوقت، فقلت لها إذا قمتِ بإرضاع الطفل فيكون بذلك ابنك فى الرضاعة، وأصبح أنا خالته حتى يكون محللاً لى وأستطيع أن أتعامل معه فى الكبر، فوافقت شقيقتي. وبالفعل اتجهت للجنة الفتوى بالأزهر، وتأكدت من الأمر واتخذت قرار الكفالة فى الحال، ليكون ذلك أسعد يوم فى حياتي، وبالفعل ذهبت لأكثر من دار أيتام حتى وجدت ابنى "طه" الذى غير حياتى وأصبح منزلى فيه روح بعد أن كان به هدوء قاتل، وبالفعل أرضعته شقيقتي، حتى علمت بعد ذلك أن بإمكانى إرضاعه، بالتالى أصبح ابنى رسمياً.