موكب المومياوات الملكية | الأشعة المقطعية كشفت التاريخ الحقيقى للملوك

 د. سحر سليم تفحص الأميرة ميريت أمون بنت سقنن رع
د. سحر سليم تفحص الأميرة ميريت أمون بنت سقنن رع

تروى د. سحر سليم، أستاذ الأشعة بكلية الطب بجامعة القاهرة، قصة الفحوصات التى تمت على المومياوات الملكية قائلة إن هناك أكثر من 40 مومياء ملكية خضعت للدراسة الشاملة، قمت بعمل أشعة مقطعية لها من خلال مشروع المومياوات الذى أنشأه د. زاهى حواس وبدأت العمل معه من 2006، وقد أنجزنا المرحلة الأولى التى انتهت 2010، وتم خلالها فحص 25 مومياء ملكية فى المتحف المصرى، وقمنا بنشر علمى موثق لهذه الدراسات فى مجلات علمية، وحين تقرر نقل المومياوات الملكية إلى متحف الحضارة، رأينا استكمال الفحص والدراسات على المومياوات التى لم تخضع للفحص، ونظرا لصعوبة إجراء الفحص بعد نقلها لمتحف الحضارة، لذلك بدأت المرحلة الثانية من المشروع فى مايو 2019، ودرسنا كل المومياوات الملكية التى سيتم نقلها، على أن نقوم بنشرها علمياً تباعاً، وأعلنا نتائج فحص بعضها.


شملت الدراسة الكشف عن الأمراض، وطريقة التحنيط. ووجهت المرممين إلى مناطق الضعف والكسور فى كل مومياء، وأجرينا أشعة أخرى بعد الترميم لمومياء رمسيس السادس وسبتاح، وقد ساهمت هذه الفحوصات العلمية فى تصميم طريقة نقل آمنة بدون مخاطر، كما تشرفت باختيار وزارة السياحة والآثار عضواً فى اللجنة العلمية لمتحف الحضارة، ومسئوليتى تنحصر فى عرض المومياوات الملكية، وفاترينة الطب فى مصر القديمة، كما شاركت د.زاهى حواس فى كتابة الكتالوج الخاص بالمومياوات، وتوليت الجزء العلمى، ووضعنا صوراً للمومياوات لم تنشر من قبل.

 

ووقع اختيارنا على مومياء الملك «رمسيس الثالث»، ومومياء الملك «سقنن رع» لعرض الأشعة المقطعية الخاصة بهما لأول مرة بجوار كل مومياء، والتى غيرت فى تاريخهما المكتوب، وصور ثلاثية الأبعاد، كى يعيش السائح تجربة كاملة مع المومياوات، ويراها من الداخل والخارج، ويتعرف على معلومات كاملة عن قصة حياة الملك، إلى جانب عرض التابوت ومحتويات المقابر، مع شرح باللغة الانجليزية والعربية، لأننا نستهدف الزائر المصرى والعربى والأجنبى، وأزعم أن طريقة عرض المومياوات فى متحف الحضارة أفضل من المتاحف العالمية التى شاهدتها فى الخارج.


ولأول مرة تجرى عمليات الفحص بالأشعة المقطعية على هذا العدد من المومياوات الملكية، والتى كانت تمثل قمة عمليات التحنيط التى احتفظ المصرى القديم بأسرارها، وفى الدولة الحديثة وصل المصرى القديم إلى أفضل أساليب التحنيط على مستوى العالم، بطريقة لم تصل إليها حضارة فى العالم، وثبت أن هناك طرقاً متعددة فى التحنيط، مما يشير إلى أن المحنط كان يتبع الطريق التجريبى للوصول إلى الكمال فى عمليات التحنيط، وهذا دليل على التقدم العلمى عند الفراعنة.


كما كان يحرص المصرى القديم على الاحتفاظ بالجسد بشكل جميل، لذلك كان يضع مواد فى العيون والأنف، مثلما حدث مع الأنف المميزة، لمومياء رمسيس الثانى الذى قام المحنط بتجميلها، مستخدماً عظام طائر صغير، وحبوب الفلفل الأسود غير المطحون، وكذلك حشوات تحت الجلد فى الوجه والجسد بطريقة احترافية، ومواد تستخدم الآن فى تركيب الكريمات المقاومة لعلامات التقدم فى السن، مثل مومياء سيتى الأول التى تعد أجمل المومياوات على الإطلاق، وأطلق عليها «الجمال النائم»، وهذا يعكس الاتقان ومدى التقدم الذى وصلوا إليه فى الطب، وأساليب الجراحة، وتكنولوجيا صناعة المواد المستخدمة، وصناعة الأدوات الطبية بإتقان ومهارة، من الناحية الوظيفية والاقتصادية، مثل «الملقاط» الطبى المصنوع على هيئة «كفين» ليكون له اكثر من استخدام، لذلك أزعم أن الفراعنة كانت لديهم القدرة على إجراء عمليات جراحية للتجميل، حيث كان لديهم مواد التخدير والمضادات الحيوية والمسكنات.


وحول عمليات التجميل فى العصر الفرعونى تقول د.سحر: عرف المصرى القديم عمليات التجميل، والمواضع التى يتم فيها الحشوات هى نفسها التى يستخدمها جراحو التجميل فى الوجه، وبتناسق ودقة مذهلة، وباستخدام مادة نطلق عليها «الحلم»، وهى مادة راتنجية رخوة تفرد تحت الجلد بشكل جميل، وليس فى الوجه فقط وإنما فى الجسم كله، وكان الأثريون يعتقدون أن الحشوات التى توضع تحت الجلد بدأت من الأسرة 21، ولكن بعد إجراء الأشعة المقطعية ثبت أنها من الأسرة الـ 18، ولدينا مومياء الملك «سيتى الأول» النموذج الأجمل فى تلك العمليات، لذلك بدأت أبحث عن طبيعة تلك الحشوات وأماكنها وأوضاعها، وبعد النشر العلمى عن هذا الموضوع تلقيت اتصالاً من الجمعية الأمريكية لجراحات التجميل، لإلقاء المحاضرة الرئيسية فى المؤتمر السنوى.