تشيكوسلوفاكي يضحي بحياته لمصر.. كيف كان رد الجميل؟

تشيكوسلوفاكي يضحي بحياته لمصر
تشيكوسلوفاكي يضحي بحياته لمصر

في خمسينيات القرن الماضي، قرر مجلس الوزراء تكريم طبيبة من تشيكوسلوفاكيا ومنحها الجنسية المصرية.. تبدو الكلمات السابقة غريبة لكن عليك ألا تسأل عما فعلت والاكتفاء بأن زوجها قدم لمصر حياته.

يكفي كذلك أن تعرف أنه كان يقوم بتجارب مثيرة لمصر – لم يتم الكشف عن طبيعتها وقتها - ولكن لغما انفجر فأودى بحياته، فقد ضحى بحياته من أجل مصر، لقد ترك زوجته في الدنيا وحيدة مع أطفالها الأربعة، ورفضت أن تتقاضى تعويض من مصر، فقط أرادت أن تبقى في البلد الذي أحبه زوجها وعمل من أجله مخلصا أكثر من 5 سنوات إلى أن ضحى بحياته في سبيله.. فماذا فعل؟

في حياة ماريا أكثر من مأساة عاشتها منذ طفولتها، إنها وحيدة وليس لها أقارب في تشيكوسلوفاكيا ولا في مصر، كان زوجها لها كل شئ في حياتها، كان يحدثها عن مشروعات بشأن تربية أطفال وقبل أن يموت بعدة أشهر أنجب ولدا يدعى "فردناند"، لم يتجاوز السنتين، كان سعيدا به ويتمنى إن يشب ويكبر ويصبح مهندسا مثله.

 

اقرأ أيضا| صدمة في المستشفى.. طبيب مصري ضحية كذبة أبريل

 

خلال أحداث الحرب العالمية الثانية هربت أسرة "ماريا" كلها من تشيكوسلوفاكيا إلى الحدود الألمانية، عندما عاد الأب إلى بيته وطلب من زوجته أن تسرع معه بالهروب إلى الحدود الألمانية حمل ابنته "ماريا" بين يديه.. وحملت الأم أختها الثانية "لودميلا " التي لم تتجاوز الشهر الثاني من عامها الأول.

أسرعت الأسرة في الهروب واجتازت الحدود إلى المنطقة الأمريكية في ألمانيا المحتلة.. ماتت أمها وهي طفلة لم تتجاوز الثلاث سنوات ثم مات والدها أثناء الحرب العالمية الثانية، إنها لا تعرف لها أقارب في أي مكان في العالم.

كبرت ماريا وتزوجت لتعيش نفس أحداث الهروب المفاجئ مع زوجها المهندس "زيدك برافتيل"، عندما تلقى أنباء عن القبض عليه، لم ينتظر وترك كل شئ في البيت كما هو حتى طعام العشاء الذي كانت زوجته قد أعدته له فوق المائدة وجلست تنتظر عودته من عمله.

وفي منطقة الاحتلال الأمريكية في ألمانيا عاشت العائلة أكثر من سنتين في معسكر اللاجئين الدوليين بالقرب من مدينة شتوجارت، وكان يعمل "زيدك" ميكانيكا للسيارات في معسكر اللاجئين حتي يكفل حياته وحياة أسرته.

ولكن سرعان ما عرفت السلطات الأمريكية بعض البيانات عنه وبدأت محاولات لاستكماله العمل ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يكن أمامهم إلا أن يقبل هذه الفرصة. 

 

اقرأ أيضا| خاضها الزمالك.. معركة أول فريق كرة قدم نسائي بمصر 

 

وبشكل مفاجئ عرضت الحكومة المصرية على هذا المهندس الانتقال إلى القاهرة للعمل لديها مقابل 150 جنيها في الشهر، فلم يتردد زيدك في قبول هذه البرقية القادمة من مصر ليخلص في خدماتها ويضحي بحياته من أجلها. 

أما ماريا فهي زوجة الدكتور زيدك برافتيل الخبير التشيكوسلوفاكي، وتدعى ماريا برافتيل، وكان الرجل يعمل لدى الحكومة المصرية وهي شابة في العقد الثالث من عمرها.

حاولت ماريا أن تعمل خادمة وهي تملك شهادة طبية أمراض نسائية من جامعة كارولينا في تشيكوسلوفاكيا، رغم أنها زاولت مهنة الطب أكثر من 7 سنوات قبل أن تتزوج.

ولكنها كانت تريد أن تعيش وأن تكفل حياتها وحياة أطفالها ولم يكن أمامها إلا إن طلبت بعض أصدقاء زوجها أن يبحثوا لها عن عمل كمربية أطفال لدى إحدى العائلات، غير أن مصر لن تنسى أصدقاءها الذين ضحوا من أجلها.

منحتها وزارة الصحة المصرية ترخيصا مؤقتا بمزاولة مهنة الطب لمدة عامين قابلة للتجديد، وبدأت تبحث عن وظيفة طبيبة التي وجدتها في المستشفى اليوناني بالعباسية بقسم الولادة وأمراض النساء براتب لا يزيد عن 20 جنيها في الشهر.

كانت الدكتورة ماريا في عام 1951 تعيش في فيلا صغيرة مع أطفالها، وظلت تسكنها منذ أن قدمت إلى مصر مع زوجها وكان إيجارها  9 جنيهات بالشهر في شارع كوماندوس باشا في مصر الجديدة.

ومنذ أن مات زوجها في شهر أغسطس عام 1955، قررت أن تبحث عن شقة رخيصة لتعيش فيها مع أطفالها ولكن أسعفتها شركة التأمين بقيمة التأمين على حياة زوجها فقررت البقاء في الفيلا حتي تنظم حياتها وحياة أطفالها.

 يذكر أنها تقدمت بمذكرة تطلب فيها منحه الجنسية المصرية وقالت في مذكراتها حسب ما نشرت جريدة آخر ساعة عام 1956:
تجدني يا سيدي جائرة.. فليس لي وطن يمكن أن أعود إليه، وعائلي الوحيد قد ضحى بحياته في سبيل بلادكم العزيزة التي فضلتها على غيرها ، وانقطع عقدنا وأصبحنا مؤمنين بكم وأخلاصكم ، وأنا يا سيدي كما أرى مستقبل أولادي قد ارتبط إلى حد كبير بمصر العزيزة ، ولذلك أرجو من سيادتكم إن تأمروا بمنحي أنا وأولادي الجنسية المصرية، ولقد حملت إليها الجنسية المصرية على طبق من ذهب بعد أن كاد اليأس يدق بابها، لقد أصبحت مصرية الجنسية بعد أن عاشت 8 سنوات بلا هوية.

المصدر: مركز معلومات أخبار اليوم