عبدالرحمن أبوزهرة: كنت «ناصريًا» وأصبحت «سيساويًا» وانتظروا مصر في 2030

الفنان عبد الرحمن أبو زهرة
الفنان عبد الرحمن أبو زهرة

 

ستون عامًا قضاها الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة بين المسرح والدراما والسينما، استطاع خلالها وضع بصمة واضحة من خلال أدوار صارت مثل الأيقونات.


ذهبت إليه ضمن الحوارات التى أجريها تحت عنوان «أسطوات الفن»، متشوقاً لمعرفة سر الأداء العبقرى لهذا الفنان صاحب الأداء المبهر، والذى كان يتوحد مع الشخصيات التى يؤديها، حتى إنه يقنعك فى «عمر بن عبد العزيز» أنه سافر عبر آلة الزمن مئات السنوات إلى الخلف ليرتدى عباءة الحجاج بن يوسف الثقفى بقوته ودهائه، وتشعر معه فى دور المعلم سردينة بمسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى»، إنك أمام «معلم» حقيقى متمرس فى تدخين الشيشة، وهو الرجل الذى لم يدخنها طيلة حياته، ولا يحب رائحتها.

لم تمر دقائق على دخول منزله فى حى العباسية، حتى بدأت التقط أول مكونات خلطة الإبداع لدى هذه الفنان القدير، وهى التلقائية، فالرجل الذى يبلغ من العمر 85 عامًا، لم يتذكر على وجه الدقة موعد حوارنا معه، وفوجئنا به يستقبلنا على باب منزله بملابس النوم، وقال لنا ساخرا من نفسه: اسمحوا لى أن أرتدى ملابس ملائمة، وأحاول تهذيب هذا الشعر المنكوش.

وغاب عنا لدقائق، ليعود وقد واصل السخرية من نفسه، قائلاً إنه عجز عن تهذيب الشعر بالشكل الملائم بسبب طوله، وقبل سؤاله عن السبب الذى جعله يحتفظ بشعره على هذه الهيئة، كشف لنا عن المكون الثانى فى خلطته الإبداعية، وهى «حب العمل»، حيث قال إنه فضل الاحتفاظ بشعره على هذه الهيئة لكونه ملائمًا لدوره فى فيلم «أهل الكهف» الذى يقوم بتصويره حاليًا.

وتكتمل مكونات خلطة الإبداع بإطلاع وثقافة واسعة، وثقة بالذات بدت واضحة فى إجاباته على أسئلة الحوار، ويزين كل ذلك أخلاق عالية لم تمنعه من تقديم اعتذاره لفنانة لم يستمع جيداً للمفردات التى تخرج من فمها، بسبب صعوبات فى حاسة السمع، فانتقد طريقة حديثها بطريقة ربما تكون غير لائقة.

ورغم هذه الخلطة الإبداعية لم يحصل الفنان القدير على ما يستحقه من اهتمام المخرجين، وحاولنا معرفة السر وراء ذلك، فألقى بالكرة فى ملعبنا، مؤكداً أنه رغم جلوسه الآن لفترات طويلة فى منزله بصحبة قطه «مشمش»، لا يشعر بالوحدة، لأنه يشغل وقته بممارسة اليوجا والقراءة.. وإلى نص الحوار.

    الفنان عبد الرحمن أبو زهرة أثناء حواره مع محرر الأخبار

- كرامتى لا تسمح لى بالشكوى من قلة العمل ولم أطلب مساعدة.. غضبت من السادات بسبب «كامب ديفيد».. وأصبحت من أشد محبيه
- أنا «آل باتشينو» مصر.. وأستحق أن تُكتب أعمال من أجلى

- عالجت خجلى بـ «التمثيل».. وأقتل الوقت بـ« القراءة» و«اليوجا»

- لم أحلق ذقنى منذ ثلاثة أشهر.. وأصبحت لا أعرف شكلى

- المسرح أداة للتغيير.. وقنوات الخارج معارضة «غير وطنية»

- جهلى بالنجوم الجدد أوقعنى فى ورطة مع أمينة خليل.. وأعتذر لها

- استعنت على أداء «الحجاج» بعشرات الكتب.. والمعلم «سردينة» الأقرب لشخصيتى

- بداية: لماذا لم يعد لك حضور بارز فى السينما والدراما؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول بنبرة متعجبة: معرفش ايه السبب!!.. هذا السؤال لا يوجه لي،  وعندما يعرض علىّ عمل مناسب، أذهب للتصوير.
- ولماذا لا يعرضون عليك المشاركة فى أعمال؟
بنبرة بدت حادة بعض الشيء قال: لا تسألنى عن أسباب يملكها غيرى.
- ولكنك فنان كبير ومحبوب من الجماهير؟
يرسم الإطراء ابتسامة عريضة على وجهه يعقبها بقوله: انا أعمل منذ 60 عامًا، وكنت من الفنانين المحظوظين بالتكريم من وزراء الثقافة فى كل الحكومات.
- لم تجب على سؤالى؟
يضحك قبل قوله: سأريحك، فى رأيى، فإن السبب هو أن المؤلفين يكتبون للشباب، ولا يهتمون بالكتابة لمن هم فى سنى.
الإجابة المجهولة
- ولماذا لا يكتبون لمن فى سنك، رغم أنك تحظى بحب الجمهور؟
تعود النبرة الحادة لصوته وهو يقول: اذهب أنت للمؤلفين واسألهم، أنا ممثل أجلس فى بيتي، ولا أعرف ماذا يدور فى الساحة الآن، حتى أن عيد ميلادى مر دون أن تتذكرنى القنوات وتعرض أعمالى.
- ولكن أعمالك التى شاركت بها مثل «عمر بن عبد العزيز» و«لن أعيش فى جلباب أبي»، تعرض كثيرا؟
يقول مبتسماً: الحمد لله، رغم تاريخى الفنى العريض، هذان العملان حققا لى شهرة منقطعة النظير، ففئة المثقفين يثنون دوما حتى الآن على دور الحجاج، والجمهور البسيط يطلق على فى أى مكان أذهب إليه اسم «المعلم سردينة».
- ألا يضايقك أن يحصر الجمهور تاريخك الفنى فى عملين فقط؟
أومأ بالرفض قبل أن يقول: مدعاة للفخر والسعادة، أن يتذكر الناس العملين رغم مرور 30 عامًا عليهما.

العلاج بالتمثيل
- فى محاولة لفهم أسباب غيابك عن الساحة الفنية، كان لك تصريح قلت فيه إنك لست اجتماعيًا؟
لم ينتظر إكمال السؤال ورد على الفور ضاحكاً: «ده كان زماااان».. أنا فعلاً كنت شخصاً خجولاً، ولكنى عالجت خجلى بالتمثيل، وأصبحت اجتماعياً جداً.
- أتعجب لأن هذا التصريح كان فى 9 أغسطس 1998 بجريدة «الوفد»، وكان فى إطار شرحك لأسباب قلة مشاركتك فى الأعمال السينمائية؟
يصمت لوهلة قبل أن يقول: ربما كنت أقصد وقتها أنه لا يوجد لى «شلة»، فطيلة حياتى كنت من الشغل للبيت ومن البيت للشغل، ولم يكن لى فى سهرات الوسط الفني.
- ولكن هذه الطبيعة لم تؤثر عليك فى الماضى بدليل سيرتك الذاتية المليئة بالأعمال الفنية؟
يغمض عينيه متذكرًا الماضي، قبل أن يقول بصوت خفيض ونبرة حزينة: كنا مجموعة تخرجت فى المعهد العالى للفنون المسرحية، تضم أسماء عديدة منها الفنان الراحل يوسف شعبان والمخرج الراحل أحمد توفيق والفنان رشوان توفيق، وكنا نعرف بعضنا، فالمخرجون يعرفون جيداً من هم الممثلون الجيدون، ولذلك لم يكن وجودى ضمن شلة هو السبيل للعمل، فطيلة حياتى لا يستهوينى التواجد ضمن «شلة»، ولا يشعرنى ذلك بالملل إلى الآن، فأنا قادر على قتل الوقت بالقراءة وممارسة رياضة اليوجا، التى أحرص عليها وحافظت لى هذه العادة على نشاطى وحيوتي.

الكتابة للكبار
- وكيف تكون فنانًا وغير متشعب فى علاقاتك الاجتماعية، ألا يبدو ذلك غير متسق مع طبيعة المهنة؟
بثقة بدت واضحة على نبرة صوته يقول: المفترض ألا أحتاج لذلك، فكما تكتب أعمال خصيصاً للممثلين الأمريكيين القديرين «آل باتشينو» و«ربوت دى نيرو»، استحق أن تكتب لى أعمال، كما يستحق رشوان توفيق أن تكتب له أعمالاً، فأنا ربوت دنيرو أو آل باتشنو مصر.
- أنا شخصياً أراك لا تقل عنهما، ولكن ألا تخشى أن تتهم بالغرور عندما يأتى التشبيه على لسانك؟
لم ينتظر إكمال السؤال وقاطعنى قائلاً بنبرة أكثر ثقة: أنا أستعير ذلك من كتاب كتبه الكاتب الراحل محمود السعدنى عن الكوميديا فى مصر، وأفرد فى كتابه فصلاً كاملاً عني، وكان يرى أن أدائى يضعنى فى مصاف النجوم الكبار فى أوروبا وأمريكا.
- ولماذا لا تكتب الأعمال خصيصا لفنان صاحب أداء يقترب من هذه المدارس، فضلا عن أن الجمهور يحبه؟
بابتسامة عريضة ملأت وجهه يقول: بيحبنى دى كلمة قليلة، الجمهور بيعشقني، لدرجة أن زميلتى الفنانة مديحة حمدى قالت لى ذات يوم معلقة على ذلك: «وجودك بيشفط الأكسجين من أى مكان».
- ما وصفته بـ «العشق» يزيد من رغبتى فى معرفة الإجابة؟
يصمت لوهلة لتجاوز آثار حشرجة فى الصوت، قبل أن يقول: فى فرق بين المشاركة فى عمل أو عمل يكتب خصيصا من أجل فنان كبير، فمن ناحية المشاركة، أنا أشارك فى أعمال، وهذه فرصة لأقول لك إن شكلى الذى أصبح مدعاة لتخويف الأطفال به، حتى اننى عندما أقف أمام المرآة، أكاد لا أعرف نفسي، سببه أنى قررت اطلاق شعرى ولحيتي، ولم اقترب منهما منذ ثلاثة أشهر، حتى أستطيع الاقتراب بشكل طبيعى من شخصية دورى فى فيلم «أهل الكهف» الذى مازلنا نقوم بتصويره، ومخرج العمل عمرو عرفة سعيد جدا بهذه الهيئة.
- لم تجب أيضا على سؤالي؟
تعود النبرة الحادة لصوته وهو يقول متسائلا: ماذا تريدنى أن أقول لك.. أذهب للمؤلفين واسألهم.. أو ليكن حوارك هذا فرصة لتوجيه أنظارهم كى يهتموا بالكتابة لكبار السن.
- من الآراء التى توقفت أمامها وأنا أعد للحوار معك، هو رأيك القاسى فى الجيل الجديد، حتى أنك وصفته فى تصريحات لصحيفة الوفد فى أغسطس عام 1998، انه بلا رؤية فنية، فكيف ستعمل معهم وهذا رأيك فيهم؟
تعود النبرة الهادئة لصوته على عكس ما توقعت ليقول: طبيعة أى جيل أن البدايات تكون غير كاشفة عن المستوى الذى يرتفع مع تراكم الخبرات، ولذلك قد يكون حكمى فى البداية قاسيا، ولكنى أرى الآن ان لدينا طاقات فنية ممتازة فى الإخراج والتمثيل والتأليف.
ورطة كبيرة
- من هم النجوم الأفضل فى تلك المجالات الثلاثة من وجهة نظرك؟
يرفع كلتا يديه رافضا الإجابة، وهو يقول: اعذرنى انا مش حافظ أسماء، لأنى لست متابعا جيدا لما يعرض فى التلفزيون، وقد أوقعنى ذلك فى ورطة كبيرة، عند تصوير أحد الأعمال، حيث قلت لفنانة من الجيل الجديد لا أعرفها، انه يتعين عليها الاهتمام بعض الشيء بالأداء، لاكتشف لاحقا أنها بطلة العمل، وأنها من نجوم الصف الأول، وهذه فرصة لاعتذر لها من خلالكم، لأنى أخطأت فى حقها، ولم أعد قادرا على تمييز الأصوات عند الأداء بشكل جيد، لأن لدى مشكلة فى السمع، استعين عليها باستخدام «السماعة».
- ولكن بعيدا عن هذا الموقف، اتهمتك فنانات بأنك تتنمر باستمرار على الجيل الجديد؟
يومئ بالرفض قبل أن يقول بصوت لا تخطىء الأذن نبرة الحزن التى تغلفه: بالعكس أنا أحتضن الأجيال الجديدة، وأسعد دوما بنقل خبرتى إليهم، لأنى عملت مع كل مخرجى مصر فى السينما والمسرح والإذاعة والتلفزيون، وأزعم أن لدى خبرة، يمكن أن أنقلها للأجيال الجديدة، ولكن لا أحد يريد الاستفادة، أسوة بما يحدث فى الخارج، حيث يكون هناك تقدير كبير للنجوم الكبار وتكتب أعمال من أجلهم ويسعى الجميع للاستفادة من طاقتهم الفنية، اعترافا بخبرتهم وموهبتهم.
- هناك فرق بين الانتقاد اللاذع والنصيحة، وما يتردد هو أن انتقادك لاذع؟
لم ينتظر اكمال السؤال وقال على الفور: فى بداياتى الفنية، كان يقال لى مثلما أقول لهم، ولكن الفرق أنى كنت أقبل النصيحة، وبنيت تاريخى بنصائح الكبار، ولكن الجيل الجديد لا يتقبل النصيحة.
- الم تفكر فى تغيير طريقتك فى النصيحة، فربما تكون المشكلة فى الطريقة وليس المبدأ؟
يضرب كفا بكف وهو يقول: انا بطبيعتى أحب «الهزار»، وعندما أوجه نصيحة لأى شخص أقدمها بشكل لا يخلو من «الهزار». ويضرب رأسه محاولا التذكر، وهو يضيف بنبرة صوت تعكس ضيقه من فقدان القدرة على تذكر الأسماء: فى كثير من الفنانين يعترفون بفضلى معهم، بس للأسف الذاكرة لم تعد تسعفنى لتذكر الأسماء، فأنا مظلوم فى اتهامى بالتنمرعلى الأجيال الجديدة.
- جميل أنك أوضحت وجهة نظرك ولم تخجل من الاعتذار لأحد نجوم الجيل الجديد، فهل يمكن أن اعتبر ذلك نوعا من التعايش مع الواقع الجديد وتخليا عن القواعد التى وضعتها لنفسك؟
يستغل قفز القط «مشمش» الذى يعيش معه فى المنزل على رجليه أثناء الحديث، ليظهر جانبا من شخصيته الفكاهية وتعليقاته الساخرة، وهو يقول: لم أضع لنفسى أى قواعد، وحياة مشمش اللى مقدرشى أعيش من غيره.. ثم يضع وجهه بجوار وجه القط ليقول وقد واصل وصلته الساخرة: «مش بالذمة بقينا شبه بعض».
وقبل أن استأنف الأسئلة، أضاف: كل سن ولها ظروفها، فعندما تكون شابا، يكون الوضع مختلفا عن مرحلة الشيخوخة التى أعيشها الآن، يعنى مثلا وأنا فى مرحلة الشباب وكنت فى بدايات عملي، سألتنى الصحافة: ما هو إحساسك وأنت تقف أمام العملاق محمود مرسي، فرددت عليهم قائلا: إحساس زميل بزميل، فقد كنت شديد الثقة بنفسي، لإيمانى بقدراتي، واطلاعى الشديد، فأنا قارئ نهم جدا، وامتلك مكتبة تضم ما لا يقل عن 3 آلاف كتاب، وكان بالمناسبة بها ركن يضم عشرات الكتب عن الحجاج بن يوسف الثقفى اشتريتها لأجهز نفسى لشخصية الحجاج فى مسلسل «عمر بن عبد العزيز».
- وما هو وجه الاختلاف بين عبد الرحمن أبو زهرة الشاب والشيخ؟
يرد على الفور قائلا: الخبرة يا ابني، فكل سن لها طباعها واهتماماتها، ومن المؤكد أنى استفدت كثيرا وتغيرت الكثير من طباعى بعد 60 عاما من العمل، ولكن الطبع الوحيد الذى لم يتغير هو انى ما زلت مجتهدا ولا أدخل ستوديو إلا وقد حفظت دورى جيدا، حتى أتوحد مع الشخصية التى أجسدها، فتكون هى التى تتكلم وليس عبد الرحمن.
- كان من طباعك أنك لا تطرق أبواب المخرجين أو المنتجين وتظل قابعا فى منزلك حتى يأتيك الدور، كما قلت فى حوار مع مجلة «الكواكب» فى 13 فبراير 1996، فهل تغيرت هذه الطباع؟
بدهشة بدت واضحة على وجهه يقول: كيف تغيرت، وانت منذ بداية الحوار تسألنى عن أسباب غيابى عن الأعمال الفنية، لو كانت تغيرت، كنت ستجد لى حضورا كثيفا.
- عندما تكتب على حسابك بموقع «فيسبوك» مشتكيا من تجاهل المخرجين، فهذا يعد طرقا للأبواب؟
لم ينتظر اكمال السؤال، وقال بلهجة حاسمة: « أنا ماليش فى الفيسبوك والكلام ده»، أنا بالعافية تعلمت كيف أرد على الهاتف المحمول.
- ولكن ما نسب لك هو أنك تعانى من الاكتئاب وتفكر فى اعتزال العمل، بسبب تجاهل المخرجين لك؟
يرد على الفور بنبرة صوت قوية تحمل ملامح شخصية الحجاج: ما حصلش، كرامتى لا تسمح أن أقول هذا الكلام، كل ما قلته إنى اعانى من الاكتئاب، وتم تفسير ذلك، أنه بسبب قلة العمل، مع ان السبب الحقيقى لاكتئابى كان فقدان زوجتي،  والخطأ خطأي، لأنى لم أوضح سبب اكتئابي، ومن الجيد أنك تحاورنى الآن، وهذه فرصة للتوضيح، والاعتذار أيضا لمن أخطأت فى حقه.
الفنان والسياسة
- كان لصديقك الفنان رشوان توفيق رأى فى عمل الفنان بالسياسة خلال حوار أجريته معه، حيث قال لى ان «الفنان يجب ألا يعمل بالسياسة»، وعلى النقيض من هذا الرأى كان لك رأى قلته قبل سنوات فى حوار مع مجلة «الكواكب»، وهو أن «الفنان يجب أن يكون أول من يعمل بالسياسة».. فهل تغير رأيك، كما تغيرت بعض طباعك بحكم السن؟
 بدون تردد يقول: مازلت أرى أن الفنان يجب أن يعمل بالسياسة، بل وأزيدك أن يجب ان يكون معارضا وطنيا، وهو الرأى الذى قاله الكاتب الكبير ألفريد فرج، «شكسبير العرب»، كما أحب أن أسميه، وأتفق معه تماما فيه.
- معارضا؟! أليس من الممكن أن يؤثر ذلك على عمله؟
أومأ بالرفض قبل أن يقول بنبرة صوت متحمسة: المعارضة الوطنية تعين الحاكم على الوصول لأهدافه، وقد مارست هذه المعارضة من خلال عضويتى فى حزب التجمع، وقيل عنى وقتها أنى شيوعي، مع انى أعلنت انتمائى اليساري، وهناك فرق كبير بين الشيوعى واليساري.
- وهل يمكن ممارسة المعارضة من خلال الفن؟
أومأ بالموافقة قبل أن يقول وقد استمرت نبرته المتحمسة: بالقطع، فأنا لا أحب ان يكون المسرح مثلا ضحكا من أجل الضحك، فالمشاهد إذا لم يخرج من المسرح وقد أنار العمل شيئا فى عقله وتغير فكريا، لا يكون للعمل أى قيمة من وجهة نظرى.
- أفهم أن يحمل العمل رسائل سياسية، ولكن خارج البلاتوهات، لماذا يجب أن يعمل الفنان بالسياسة، كما قلت فى الماضى ومازلت عند رأيك؟
يرد بصوت خفيض قائلا: الاشتغال بالسياسة يجعل له رأى وموقف مما يحدث فى المجتمع.
وقبل أن أساله وهو الفنان ذو الميول اليسارية عن رأيه فيما يحدث الآن فى مصر، بادر هو بالإجابة قائلا، وقد عادت نبرة صوته المتحمسة لتصبح أكثر حماسا من ذى قبل: طب ايه رأيك بقى أن الرئيس السيسى حقق لى كل ما كنت أحلم به فى كل المجالات.. فأنا أرى أمامى رئيسا فاتحا قلبه للشعب، وفعل ما لم يفعله أى رئيس دولة فى مصر، وتشعر بإحساسه الإنساني، والذى يتجلى فى اهتمامه بالعشوائيات وتجاوبه مع الحالات الانسانية ولقاءاته مع أسر الشهداء وأبنائهم، وقد قال لى بعد أصدقائى بالخارج، إن محللا اقتصاديا أميركيا يرى أن مصر ستكون فى مكانة أخرى فى 2030، وتوقع لها هذا المحلل أن تكون من أغنى دول العالم.
- هذا رأى المحلل الاقتصادى الأمريكى، فهل تتفق معه فى الرأى؟
يرد بكل ثقة: قطعا بلا شك، وهناك مؤشرات لذلك، منها أن مصر من الدول القليلة التى لم يتأثر اقتصادها بشكل عنيف بسبب جائحة كورونا.
- رغم ما تقوله، يشتكى البعض من ارتفاع فى الأسعار، فهل يخصم ذلك من رصيد الإنجاز؟
تشعر بعلامات الغضب على وجهه قبل أن يقول بنبرة صوت حادة: عندما تقول الأسعار مرتفعة، فمن الواجب أن تذكر بعدها أسباب الارتفاع، ثم انه ليس من المنطقى تجاهل كل شيء جميل يحدث، ونتصيد للحكومة الأخطاء، وطبعا من يفعل ذلك قنوات بالخارج تمولها دول وحكومات لا تريد أن ترى مصر فى أحسن حالة، وما تفعله هذه القنوات فى رأيى هو المعارضة غير الوطنية.
الموقف من الرؤساء
- بما أنك أخذتنا لمساحة الحديث عن الرؤساء، أستطيع أن أتوقع أنك «ناصريا» بحكم ميلك نحو اليسار؟
أومأ بالموافقة قبل أن يقول: ناصريا حتى النخاع، ولكن الرئيس السيسى ألغى ما كان قبله وزيادة، وعادت نبرة صوته المتحمسة ليقول مستأنفا الحديث عن انجازات الرئيس السيسي: ما كنا نقوله نظريا عن الطرق والأنفاق وتعمير سيناء، تحول مع الرئيس السيسى إلى واقع عملي، يعنى تستطيع أن تقول انى أصبحت الآن «سيساويا».
- إلى هذه الدرجة تحب الرئيس السيسي؟
يقول متعجبا: رجل وطنى ويبنى مصر، يبقى لازم نحبه كلنا، أنا أقول الكلام من قلبي، وأرجو أن يصل هذا الإحساس، فأنا فى هذه السن، لا أريد أى شيء.
-  وماذا عن الرئيس السادات.. هل أنت مثل أغلب الناصريين الذين يتخذون منه موقفا سلبيا؟
أومأ بالرفض قبل أن يقول: كنت من أشد معارضيه، وكتبت قصيدة بعنوان «لا تصالح» رفضا لاتفاقية كامب ديفيد، ولكن الزمن جعلنى اليوم من أشد محبيه، لأنى أدركت ان هذا الرجل كان يرى المستقبل.
- ننتقل بعد ذلك إلى مبارك....
قبل أن أكمل السؤال قال بحدة غير مسبوقة: انا مش جاى أحلل الرؤساء.
- تحدثنا عن الرؤساء الآخرين ولم تغضب هكذا.
لو كان فى الحكم كنت سأقول لك رأيي، لكنه الآن بين يدى الرحمن، ويجب أن نذكر محاسن الموتى.
- السادات وعبد الناصر من الموتى، ومع ذلك قلت رأيك، فلماذا تتجنب الحديث عن مبارك؟
لا تعليق
- كنت أود ان أعرف لماذا تتجنب الحديث عن مبارك، لأن صديقك الفنان رشوان توفيق فعل نفس الشيء فى حوارى معه؟
يرد بحسم قائلا: لا أود الحديث أكثر من ذلك فى السياسة، لأن «الفن يجمعنا والسياسة تفرقنا».
أنا المعلم سردينة
- عذرا، دعنا من مبارك وتهربك من الإجابة، ولكنى أود أن أعرف أيهما الأقرب لشخصيتك الحقيقية، هل هو الحجاج أم المعلم سردينة؟
بدون تردد يقول: المعلم سردينة طبعا، فعبد الرحمن أبو زهرة هو المعلم سردينة فى وقوفه إلى جانب الضعيف ورغبته فى نقل خبرته للناس، وان كانت تفهم خطأ الآن.
- سؤال أخير.. عند الحديث إعلاميا عن اكتئابك بسبب قلة العمل، كتب المستشار تركى آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، أنه سيدعوك للمشاركة فى فيلم يعمل عليه، فهل حدث لك؟
بدهشة بدت واضحة على وجهه قال مستنكرا: لم يحدث ذلك على الإطلاق، ولماذا يفعل ذلك فى الأساس ؟ هو أنا طلبت منه مساعدة.