«المجهول أمامه» و«المحاكمة خلفه».. هل يدفع نتنياهو ثمنًا باهظًا لإنقاذ مستقبله؟

بنيامين نتنياهو
بنيامين نتنياهو

وجد رئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في ورطةٍ كبرى، تُضاف إلى رصيد الأزمات التي تواجهه في الآونة الأخيرة، وتجعل مستقبله السياسي على المحك.

نتنياهو أُقحم في مأزقٍ كبيرٍ على ضوء النتائج النهائية للانتخابات التشريعية للكنيست، التي جرت يوم الثلاثاء الماضي 23 مارس، وذلك على الرغم من تحقيقه الأكثرية البرلمانية بـ30 مقعدًا، ما يمثل ربع عدد مقاعد الكنيست، إلا أنه معسكر نتنياهو، الذي ينضوي تحته حزبا "شاس" و"يهودية التوارة"، إضافةً إلى الحركة الصهيونية الدينية، قد حاز فقط 52 مقعدًا داخل الكنيست، مقابل 57 مقعدًا لكتلة المعارضة بمختلف توجهاتها.

وبات نتنياهو بحاجةٍ ماسةٍ إلى تسعة مقاعد أخرى كي يتمكن من الوصول إلى 61 مقعدًا، كي ينجح في تشكيل الحكومة الجديدة، التي ستولد من رحم معاناة الاستحقاقات الانتخابية المتلاحقة في إسرائيل.

اقرأ أيضًا: زعيم المعارضة الإسرائيلية: لن يتم تشكيل حكومة بأصوات «أتباع العنصريين»

وبإجراء انتخابات الكنيست الرابع والعشرين يوم الثلاثاء الماضي تكون إسرائيل قد شهدت أربعة استحقاقات تشريعية في ظرف سنتين، بدايةً من 9 أبريل 2019، ثم 17 سبتمبر من نفس العام، أعقبهما استحقاقٌ ثالث في 2 مارس 2020.

ولكي يفلت نتنياهو من مأزقه، فإن عليه تسلق جبلٍ شاهقٍ من المباحثات، والاستماع إلى الابتزازات السياسية، التي سيطلب منه تنفيذها، وعليه الإماءة بعد ذلك بـ"الموافقة".

مشوارٌ شاقٌ ومعادلةٌ صعبة تلك التي سيبدأ نتنياهو المحاولة في إيجاد التوافق حولها، حينما يكلفه الرئيس الإسرائيلي رؤوفلين ريفلين بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة باعتبار حزبه "الليكود" هو الفائز "شكليًا" في الانتخابات، وسيكون أمامه أسبوعان كي يتمكن من تشكيل حكومةٍ تصل إلى الرقم الذهبي في الكنيست "61 من 120".

وأعين نتنياهو الآن ستُصب نحو ثلاث جبهات عليه أن يوفق بين اثنتين منهما على الأقل، ليس هذا فحسب بل إقناع حلفائه السياسيين المتطرفين بالقبول بمن يرفضون التعامل معهم، وتلك معضلة أخرى.

الثمن الباهظ والابتزاز

وبالنظر إلى نتائج الانتخابات، لا يوجد من الأحزاب الفائزة بمقاعد في الكنيست من يمكن أن ينخرط في ائتلاف حاكمٍ مع نتنياهو، بعيدًا عن معسكره، سوى تحالف يمينا، بزعامة وزير الدفاع السابق نفتالي بينيت، وهو أحد أضلاع اليمين المتطرف في إسرائيل.

وحاز تحالف "يمينا" على سبعة مقاعد في انتخابات الكنيست، يُمكن أن تقرب نتنياهو من الرقم الذهبي، حيث سيبلغ حال اتفاقه مع بينيت 59 مقعدًا، ويُصبح على بعد مقعدين فقط من تشكيل الحكومة.


وفي تحليلٍ نشره موقع "آي 24 نيوز" الإسرائيلي، قال إنه "قبل احتساب هذه المقاعد (مقاعد يمينا) في جعبة نتنياهو، علينا الانتباه إلى أن بينيت لن ينضم إلى حكومة نتنياهو مجانًا، لاسيما وأنه يعلم أنه لا حكومة بدونه، ولهذا من المتوقع أن يكون سقف مطالبه عاليًا جدًا قد يصل إلى حد المطالبة بكرسي رئاسة الحكومة ولو بالتناوب مع نتنياهو، وهذا ما يجعل المهمة في غاية الصعوبة".

ومن جهته، أشار أيمن الرقب، الباحث في الشؤون الإسرائيلية، لـ"بوابة أخبار اليوم، في وقتٍ سابقٍ، إلى أن بينيت قد يؤيد نتنياهو مقابل ابتزاز في عدد المقاعد والحالة السياسية.

خيار معقد للغاية

وبأي حالٍ من الأحوال، لن يكون الاتفاق مع بينيت كافيًا لنتنياهو كي يشكل الحكومة الجديدة، فلا بد من استمالة طرف آخر والحديث سيكون هنا على القائمة العربية الموحدة، بزعامة منصور عباس، وهنا "أم المعضلات".

فعلى الرغم من أنها تمتلك أقل حصة في مقاعد الكنيست من بين جميع الأحزاب، إلا أن مقاعد القائمة العربية الموحدة الأربعة ستكون كافية لكي يلعب منصور عباس دور "صانع الملوك" أيضًا رفقة نفتالي بينيت.

لكن التوجه للقائمة الموحدة يبدو غير وارد نظرًا للتشكيلات اليمينة التي تتآلف مع نتنياهو مثل حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف وكذلك تحالف "يمينا" نفسه، الذي تعهد بعدم دخول حكومة تعتمد على دعم نواب عرب، بحسب موقع "آي 24 نيوز".

وقال بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الحركة الصهيونية الدينية إنه "لن تكون هناك حكومة يمينية على أساس قائمة منصور عباس، ليس من الداخل أو من الخارج.. ولا من خلال الامتناع ولا من أي مخطط آخر"، بحسب موقع "واي نت" الإسرائيلي.

الخيار الثالث

إذًا تبدو مسألة دعم منصور عباس وإشراكه في الحكومة بعيدة المنال لنتنياهو، لأنها قد تفقده جزءًا من حلفائه، ليبقى الخيار الثالث لرئيس الوزراء وهو محاولة استمالة عضوين من حزب "أمل جديد" بزعامة جدعون ساعر.

هذا الحزب أسسه ساعر، بعد انشقاقه عن حزب "الليكود" في ديسمبر الماضي، وتبعه عددًا من أعضاء حزب نتنياهو، الذين انضموا للحزب الوليد، لكن خيبة الأمل أصابت الكثر من هؤلاء، الذين تركوا حزب الليكود، وانضموا لحزب "أمل جديد"، بعد النتائج المخيبة، التي حصل عليها الحزب في الانتخابات.

هذا الأمر قد يدفع بعض من أعضاء الحزب الانسلال منه والعودة مرةً أخرى إلى حزب نتنياهو، لكن هذا الأمر ليس بالأمر الهين على نتنياهو، فلا شيء بدون مقابل، كما إن استمالة اثنين على الأقل من ستة فقط نجحوا من قائمة "أمل جديد" ليس بالأمر السهل مطلقًا. 

شبح المحاكمة

وفي خضم رحلته الشاقة للبحث عن مستقر لحكومةٍ يصعب الالتفاف حولها، سيكون في أذهان نتنياهو محاكمته في تهم فساد، والتي بدأت بالفعل في إسرائيل يوم 8 فبراير الماضي، بعقد أولى جلسات محاكمة رئيسة الوزراء الإسرائيلي، بعد تأجيل دام لأكثر من عدة أشهر.

ويدرك نتنياهو جيدًا أن سبيل أفلاته من هذه المحاكمة، هو الاستمرار في سدة الحكم بإسرائيل، كي يمنح نفسه الحصانة من المحاكمة.

ويواجه نتنياهو، لوائح اتهامات بالفساد وغش الأمانة، بعد أن قدمت النيابة العامة الإسرائيلية في شهر فبراير 2020، ثلاث لوائح اتهام بالرشوة والغش وخيانة الأمانة ضد نتنياهو، والمعروفة إعلاميا بالملف "1000" والملف "2000" والملف "4000".

ويتعلق الملف "1000"، بقضية الهدايا، وملابساتها أن نتنياهو حصل من رجال الأعمال ارنون ميلتشين وجيمس باكر على هدايا بقيمة مئات آلاف الشواكل (العملة الإسرائيلية).

أما الملف "2000" فيتعلق بقضية نتنياهو-موزيس، وملابساتها أن رئيس الحكومة قام بتنسيق عمليات مع صاحب صحيفة "يديعوت احرونوت" نوني موزيس، لإضعاف "يسرائيل هيوم" في مقابل تقديم تغطية متعاطفة معه.

ويتعلق الملف الأخير "4000"، بقضية (بيزك-والا)، الملابسات أن رئيس الحكومة قدم فوائد لمالك موقع "والا"، شاؤول الوفتش، مقابل تغطية متعاطفة. نتنياهو وزوجته سارة مشتبه بهما بتلقي الرشوة، والوفتش مشتبه به بتقديم رشوة.