فى الصميم

حتى لا تخطئ أثيوبيا الحساب

جـلال عـارف
جـلال عـارف

رغم كل الاستفزازات الإثيوبية، مازالت مصر بهدوء وثقة وبمسئولية كاملة فى الدفاع عن حقوقها وفى إعطاء كل الفرص للحل الذى يحقق مصالح كل الاطراف ويمنع إثيوبيا من تفجير الموقف إذا استمرت فى تعنتها، وإذا تصورت أنها قادرة على فرض الامر الواقع الذى تعلم جيداً أنه تهديد لحياة الملايين فى مصر والسودان.
فى آخر تصريحاته.. يقول أبى أحمد رئىس حكومة إثيوبيا إنه لا يرغب فى الإضرار بمصالح مصر والسودان المائية. وفى نفس الوقت يعلن أن الملء الثانى لخزانات سد النهضة سيتم فى موعده مع موسم الفيضان فى يوليو!! وهو يعلم جيداً أن القيام بذلك دون اتفاق قانونى ملزم لتنظيم عملية الملء  والتشغيل للسد هو تجاوز لكل الخطوط الحمراء فى هذه الأزمة، وهو عدوان لا يمكن لمصر والسودان قبوله أو السكوت عليه!!
تصريحات «أبى أحمد» لا تعنى إلا أن اللعبة الإثيوبية فى المراوغة والتسويف مستمرة، والموقف الإثيوبى الثابت حتى الآن هو تحويل سد النهضة من مشروع للكهرباء كما قيل أولاً.. إلى مخطط للتحكم فى مياه النيل الأزرق وتحويله من نهر مشترك للدول الثلاث «مصر والسودان وإثيوبيا» إلى بحيرة إثيوبية كما يتوهم من بيدهم الأمر فى إثيوبيا، وبالمخالفة لكل القوانين والاتفاقيات، وفى تهديد واضح لحياة الملايين فى مصر والسودان!!
لقد وافقت مصر على إقامة السد الإثيوبى كما وافقت من قبل على عشرات السدود فى دول حوض النيل، بل وعرضت المساعدة كما فعلت مع هذه الدول على أساس أنه سد لتوليد الكهرباء وأن كل القواعد الدولية سيتم تطبيقها بحيث تضمن دولتا المصب «مصر والسودان» سلامة السد وعدم إضراره بمصالح الدولتين. لكن ما فعلته إثيوبيا كان سعياً فى طريق آخر تريد منه الهيمنة على مياه النيل والتحكم فى مصدر الحياة الوحيد بالنسبة لمصر وجعل ٢٠ مليون من أبناء السودان تحت رحمة القرار الإثيوبي!!
ومن هنا كانت المراوغة  والتسويف طوال عشر سنوات. ومن هنا أيضا تأتى التصريحات الاستفزازية حول السيادة الإثيوبية على مياه النيل الأزرق، وعن حق إثيوبيا فى حصة من مياه النيل الأزرق الذى تأتى ٨٥٪ من موارده منها، متجاهلة أنها تحصل بالفعل على ٥٠ مليار متر مكعب من مياه الأنهار التى تصب فى النيل الأزرق، وأنها تحصل من أنهار أخرى على أكثر من ١٢٠ مليار متر مكعب من المياه وأنها تستقبل من مياه الأمطار ما يقرب من ٢٠ مثل ما تحصل عليه مصر من مياه النيل!!
بوضوح.. لا تحتاج إثيوبيا إلى المزيد من المياه لكى تحاول المساس بحقوق مصر والسودان فى مياه النيل ولا تحتاج لهذه السعة التخزينية لسد النهضة «٧٤ مليار متر مكعب» لكى تحصل على كهرباء يمكن أن تحصل عليها بأقل من نصف هذه الكميات من الأمطار.
لكن الهدف هو الاضرار بمصر والسودان، وفرض أمر واقع جديد تتحكم فيه إثيوبيا فى مياه النيل.. وأى عاقل يدرك أن هذا هو المستحيل بعينه، ولعل السيد «آبى أحمد» يدرك ذلك قبل فوات الأوان!!
لا تريد مصر الإضرار بأحد، وعلى مدى سنوات التفاوض العقيم قدمت كل ما يمكن من مرونة لإقناع الطرف الإثيوبى بخطأ الطريق الذى يسير فيه، وبأن مصالح الأطراف الثلاث لا تتعارض بل تتكامل إذا احسنت النوايا. ومع ذلك كان التعنت والتسويف ومحاولة فرض الأمر الواقع المخالف للقوانين والاتفاقيات الدولية هو رد إثيوبيا حتى اليوم.
ومع ذلك فنحن نتمنى بالفعل ألا تستمر إثيوبيا فى حساباتها الخاطئة.
لقد تم تجاوز الملء الأول لخزانات السد الإثيوبى   رغم مخالفته للقوانين الدولية والاتفاقات الملزمة، لكن الملء الثانى «أربعة أمثال حجم المياه فى الملء الأول» لا يمكن التجاوز عن مخاطره ولا عن محاولته وضع مياه النيل تحت السيطرة الإثيوبية فى انتهاك واضح للمواثيق والقوانين التى تحكم الأنهار المشتركة.
الوقت ضيق قبل موعد الفيضان فى يوليو.. ومع ذلك فما زالت هناك فرصة للاتفاق كما قال وزير الخارجية سامح شكري، وبعدها قد لا يكون هناك مجال للتفاوض.. وبالتأكيد لن يكون هناك مجال للقبول بأن تكون حياة ملايين المصريين رهنا بقرار فى أديس أبابا!!