من قصص المغامرات الخارقة| حكاية الأمير«ستنا» و«الغانية تابوبو»

من قصص المغامرات الخارقة| حكاية الأمير« ستنا »و «الغانية تابوبو»
من قصص المغامرات الخارقة| حكاية الأمير« ستنا »و «الغانية تابوبو»

 
 
قصة اليوم هي قصة من قصص المغامرات الخارقة، والتي قام بها الأمير «ستنا خع إم واس»، كبير كهنة الإله بتاح في منف، والكاتب القدير، والساحر العظيم والقادر على فك طلاسم كتب السحر، وكان الأمير يقضي وقته في دارسة الآثار والكتب القديمة، ويدور موضوع قصته الأولى حول البحث عن كتاب سحري كتبه، الإله تحوت نفسه، الكاتب الإلهي ورب العلم والسحر والحكمة، كما أكده الدكتور حسين عبد البصير، عالم المصريات ومدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية.

اقرأ أيضا" حكايات| موط.. «واحة الملائكة» التي حمت المسيحيين من بطش الرومان

وأوضح الدكتور حسين عبد البصير أن هناك كتابًا سحريًا يضم مجموعة من الرقى السحرية القوية الفعالية والممتدة المفعول، وقد تم حفظ هذا الكتاب في مقبرة أمير يدعى «نانفركابتاح»، الذي عاش في الماضي البعيد ودُفن في مكان ما في جبانة منف الفسيحة، وبعد بحث طويل، عثر الأمير "خع إم واس" على المقبرة ودخلها، ورأى الكتاب السحري الذي خرج منه ضوء قوي، وحاول الاستيلاء على الكتاب، غير أن روحيّ "نانفركابتاح" وزوجته "إيحورت" قامتا للدفاع عن ملكيتهما العزيزة للكتاب. 

ويذكر الكتاب وردين؛ فإذا تلوت الورد الأول، فتنت السماء والأرض وعالم الليل والجبال والمياه، وستفهم ذلك الذي تقوله الطيور والزواحف، وترى الأسماك حيث ستدفعها قوة إلهية إلى الظهور على صفحة ماء النهر، وإذا تلوت الورد الثاني، وإذا كنت في مقبرتك، فستستعيد هيئتك السابقة، كما كانت على الأرض.
 

وذات يوم، قابل ستنا، أثناء تجواله في جبانة منف رجلاً يحمل أسم "نانفركابتاح"، وأخذ يروي له مغامراته، وكان هذا الرجل يعرف بوجود هذا الكتاب السحري من قبل.

وتستمر القصة واصفة مكان وجود الكتاب كما يلي "وسط بحر مدينة قفط في صندوق من حديد، والصندوق الحديدي داخل صندوق من البرونز، والصندوق البرونزي داخل صندوق من خشب السرو، والصندوق المصنوع من خشب السرو داخل صندوق من العاج، والصندوق العاجي داخل صندوق من الأبنوس. 

والصندوق المصنوع من الأبنوس داخل صندوق من فضة، والصندوق الفضي داخل صندوق من ذهب، والكتاب داخل هذا الصندوق الذهبي، وهناك بطول مائة وعشرين ألف ذراع ثعابين وعقارب وجميع أنواع الزواحف حول الصندوق الذي به الكتاب، ويلتف حول هذا الصندوق ثعبان خالد لا يموت، ثم رحل "نانفركابتاح" على متن مركب صنعها بنفسه من الشمع، وبث فيها الحياة بواسطة أوراد سحرية، واصطحب معه في رحلته زوجته وابنه. 

واستطاع أن يستولي على الكتاب، بعد أن فتك بالمخلوقات التي اعترضت طريقه بما في ذلك الثعبان الذي لا يموت، ونسخ الكتاب على ورقة من البردي ثم أذابها في ماء وشربه، وهكذا أصبح ملمًا بالعلم المقدس، غير أن الإله تحوت أراد الانتقام؛ فقتل ابن نانفركابتاح وزوجته اللذين دُفنا في قفط، أما نانفركابتاح نفسه فقد مات ودُفن في منف حيث تم نقل الكتاب المقدس، ومع ذلك كان في استطاعة نانفركابتاح أن يغادر مقبرته ليتحدث للمارة. 
كما أن روحيّ  زوجته وابنه كانتا موجودتين في مقبرته على الرغم من أنهما دُفنا في قفط، فكانت حياتهما معه حياة سحرية تخترق حدود المكان ولا تتقيد بحدود الجسد المحدودة، وقد لاحظ ستنا ذلك عندما هبط إلى داخل مقبرة نانفركابتاح الذي عرض على ستنا صفقة يعطيه بمقتضاها الكتاب المقدس بشرط أن يقوم ستنا بنقل مومياء زوجة نانفركابتاح ومومياء ابنه من قفط إلى منف. 
وحاول ستنا الاستيلاء على الكتاب المقدس عنوة؛ لذا قرر نانفركابتاح الانتقام منه، وذات يوم بينما كان ستنا أمام معبد الإله بتاح في منف فإذا به يلمح امرأة رائعة الجمال، ليس لحسنها مثيل، وكانت تزدان بحلي ذهبية كثيرة، وكان بعض الفتيات يسرعن خلفها واثنان وخمسون من أهل بيتها يحيطون بها كمرافقين، وفي تلك اللحظة كاد ستنا أن يفقد عقله ولم يعرف موضعًا لقدمه، فنادى خادمه، وطلب منه أن يذهب في الحال إلى المكان الذي توجد فيه هذه المرأة ليسأل عن أسمها وأصلها.
 وفي الحال فعل، وسأل جارية كانت تمشي خلفها: 
- من تكون هذه المرأة؟
فقالت له: 
-إنها تابوبو، ابنة كاهن باستت، ربة عنخ-تاوي، أحد أحياء مدينة منف، وقد أتت هنا لتعبد الإله بتاح العظيم.
فعاد وأخبر ستنا بما سمع، فقال لخادمه: 
- اذهب وقل للمرأة الجميلة تابوبو إن ستنا هو الذي أرسلني ويقول لك: "سوف أعطيك عشر قطع من الذهب إن قضيت ساعة معي، وان كنت تخشين نتيجة ذلك، فاترك لي تسوية الأمر، فسوف أذهب بك إلى مكان آمن حيث لا يستطيع أي إنسان العثور عليك." 
فعاد الغلام وقال له ما طلبه منه ستنا. فقالت له تابوبو: 
-اذهب وقل لستنا التالي: "إني فاضلة، ولست امرأة وضيعة، فإن كنت ترغب حقًا أن تفعل معي ما تشاء، فيجب عليك أن تأتي إلى بيتي في بوباستت، فهو مجهز تمامًا بكل شيء وتستطيع أن تفعل معي ما تشاء دون أن يستطيع أي إنسان على وجه الأرض العثور عليَّ ودون أن آتي ما تؤتيه امرأة وضيعة من الشارع." 
فعاد الخادم وأخبر ستنا بما سمع، فاستدعى ستنا سفينة وصعد إليها ورحل في الحال إلى بوباستت، ووصل إلى دار تابوبو، فنزلت وأمسكت بيد ستنا، وقالت له: 
- اصعد معي الآن.
فصعد معها، وقال ستنا لتابوبو:  
- دعينا نفعل ما أتينا من أجله ها هنا.
فقالت له: 
- اكتب لي وثيقة نفقة وتعويض بقيمة كل ما تملك من مقتنيات وأملاك.
  فقال لها: 
-استدعي الكاتب.
فجاء في الحال، فأمر بكتابة وثيقة بذلك، وجاء من يخبره بأن أبناءه تحت، فأمر بأن يصعدوا إليه.
 وهنا نهضت «تابوبو» ، وارتدت قميصًا شفافًا من نسيج ملكي، فرأى «ستنا» كل أعضائها، فاشتعلت الرغبة بقوة داخله.
 وقال «ستنا ل«تابوبو»: 
- دعيني أفعل ما جئت من أجله ها هنا.
فقالت له: 
- إن شئت أن تفعل معي ما تبغي هنا، فاجعل أبناءك يوقعون على وثيقتي.
فاستدعى أبناءه وجعلهم يوقعون على الوثيقة، ثم قال لها: 
- دعيني أفعل ما جئت من أجله ها هنا.
فقالت له: 
- إن شئت أن تفعل معي ما تبغي حقًا، فاقتل أبناءك.
فأمر بقتل أبنائه وإلقائهم من النافذة للكلاب والقطط، فالتهمت أجسادهم، بينما كان «ستنا » يسمع ذلك ويشرب مع «تابوبو»
ثم قال «ستنا» : 
-تابوبو، دعيني أفعل ما جئت من أجله ها هنا، فكل ما قلته لي، لبيته لك. 
فقالت له: 
- فلتصعد من هنا إلى ذلك المخدع.
فمضى ستنا إلى ذلك المخدع، ورقد على سرير من العاج والأبنوس حتى يقضى منها وطره، ورقدت تابوبو بجوار ستنا، فمد يده يلمسها، وهنا فتحت فمها، وصرخت صرخة مدوية تجاه الأرض. 
وعندها انتبه ستنا وكان الذي أصابته الحمى، وكانت رغبته قد سكنت، وقد كان عاريًا تمامًا، وبعد ذلك بقليل رأى رجلاً مهيبًا في محفة، بينما أناس كثيرون يجرون ناحية قدميه. 
وكان يبدو كأنه الفرعون، فأراد ستنا النهوض، فلم يستطع القيام من الخجل؛ لأنه كان عاريًا تمامًا. 
فتحدث إليه الفرعون: 
-ستنا، كيف وصلت إلى هذه الحال التي أنت فيها؟
فأجاب ستنا: 
-نانفركابتاح هو الذي فعل بي ذلك انتقامًا مني بسبب الكتاب السحري.
فقال الفرعون: 
- اذهب إلى منف؛ فأبناؤك يبحثون عنك.
فمضى ستنا إلى منف، بعد أن أمر الفرعون بإحضار ثوب له. وحين وجد أبناءه أحياءً، احتضنهم بقوة، وقال له الفرعون: 
- ما هذه السكرة التي كنت فيها؟!
فروى له ستنا بكل دقة كل ما حدث مع تابوبو ونانفركابتاح. وهنا قال له الفرعون: 
- ستنا، حينذاك فعلت كل ما كان بوسعي من أجلك عندما قلت لك سوف تُقتل إن لم ترجع هذا الكتاب إلى مكانه، ولكنك لم تطعني، والآن أعد هذا الكتاب إلى نانفركابتاح، مع عصا متشعبة في يدك ومجمرة مشتعلة فوق رأسك.
وطلب «نانفركابتاح» نقل مومياء زوجته إيحورت ومومياء ابنه ميرإيب، وقام ستنا بذلك ونقلهما على السفينة الملكية والتي كان الملك في استقبالها، وسمح جلالته بدفنهما في مقبرة «نانفركابتاح» وأغلق المقبرة التي أصبحوا يرقدون فيها معًا، وهذا هو النص الكامل، قصة ستنا خع إم واس ونانفركابتاح، وزوجته إيحورت وابنها ميرإيب، وهذه النسخة كتبها باشر في العام 15، الشهر الأول من فصل الشتاء.