احموهم: «أطفال التحرش» حكايات مؤسفة وأرقام مفزعة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

- الخوف والفضيحة والعائلة أهدروا حق «علا» و«مروان»

- الخبراء: العقوبات الحالية «طبطبة»

- خط النجدة: ١٠٥ حالات تحرش بالصغار خلال شهرين

لحظات قليلة من الإرهاب النفسى والألم الجسدى.. أو كما نطلق عليه «التحرش الجنسى» كفيلة بأن تعقب وراءها سنوات طويلة كارثية تحيطها الكوابيس وعدم الثقة بالنفس، بل من الممكن أن يصل الأمر للمرض النفسى الحقيقى وتدمير حياة طفل لم يتعد عمره أصابع اليد.. رحلة طويلة غالبا ما يقطعها الطفل بمفرده ليداوى ذكريات تلك اللحظات، فالعيب والخوف من الفضيحة المبرر الأول للأسرة للصمت، وضعف القوانين والعقوبات تدمر أمل أى أسرة فى الحصول على حقوق طفلها.

جاءت حادثة المعادى الأخيرة، والتى تداول رواد السوشيال ميديا فيديو لها حتى تم القبض على مرتكب الواقعة، لتكون بمثابة جرس الانذار الذى حرك ساكنًا، لتنفجر بعدها موجة من المطالبات لتعديل القوانين لتصبح العقوبات رادعة، حفاظا على حياة طفل جنى عليه مضطرب نفسى، ولهذا فتح ملحق «ألف عيلة وعيلة» تلك الأزمة الشائكة، ناقلين عددا من القصص الواقعية التى تحفظنا على أسماء أصحابها طبقا لطلبهم، وناقشنا الأمر مع المتخصصين لنضع أيدينا على الخلل الذى ساهم فى تفاقم الأمر لسنوات.
بدأنا أولا بخط نجدة الطفل لنرى نسبة من كسر صمته وأبلغ عن الأمر، وهنا وصلنا لتصريح صبرى عثمان مدير خط نجدة الطفل الذى أكد أن هناك أكثر من 105 بلاغات خلال شهرى يناير وفبراير الماضيين فقط، ذلك بالاضافة إلى الوقائع الأخرى التى لا تصل إلى نجدة الطفل بسبب تخوف بعض الأسر من الابلاغ عنها.

أما الدراسات غير الرسمية فأوضحت أن الاعتداء الجنسى على الأطفال يمثل 18% من إجمالى الحوادث المتعلقة بالطفل، وفيما يتعلق بصلة مرتكب الحادث بالطفل الضحية أشارت الدراسات إلى أن النسبة هى 35% من الحوادث يكون الجانى له صلة قرابة بالطفل الضحية.

كما تقدمت لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، بتعديل تشريعى لتشديد عقوبة التحرش بالأطفال، على ان ينص مقترح التعديل إضافة فقرة جديدة لنص المادة 306 مقرر (ب) من قانون العقوبات وتنص على: وتكون العقوبة السجن مدة لا تجاوز 7 سنين إذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة لا يزيد على 12 سنة ميلادية كاملة «الطفل»، بحسب ما أكده د.أيمن ابو العلا وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب.. ولكن مازال المجتمع يطالب بوضع عقوبات أكثر شدة.

قصص واقعية
قصص كثيرة ومواقف متعددة عاشتها بعض الأسر بعدما تعرض أطفالهم لحوادث اعتداء وتحرش أثرت على حياتهم وعلى أسرهم.
بدأت رحلة مروان - اسم مستعار - ذو الست سنوات، عندما لاحظ أبويه تغير سلوكه بشكل غير مفهوم، فهو دائمًا يريد تقبيل غيره من الأطفال وحتى الكبار بشكل مبالغ فيه وكذلك التقرب منهم وأسئلته التى تدور حول الاختلافات الجسدية بين الرجل والمرأة، وظل والده ووالدته يتابعونه باستمرار.
فى البداية ظنوا أن ذلك الأمر طبيعى مثله كغيره من الأطفال وفضولهم الذى يراودهم للتعرف على الكون حولهم، لكن عندما وصل لسن الثمانى سنوات اعترف لوالده أن خاله هو من يتحرش به منذ صغره ووصف لوالده طريقة فعله لذلك وأوضح أن الأمر تكرر أكثر من مرة وهو الأمر الذى كان بمثابة صدمة وقعت على رأس الأب والأم، وهنا فضلا ابعاد الابن عن الخال وعدم مواجهته بالأمر، وكذلك المتابعة مع طبيب نفسى لحالة الطفل حتى تحسن كثيرًا بعدما ابتعد عنه، وبرروا ذلك الأمر بأنه الحل الوحيد حتى لا يتم إثارة مشاكل عائلية كبيرة لن تؤدى فى نهاية الأمر إلى أى حلول.

ذئب بشرى
مروان ليس الوحيد، بل كانت هناك واقعة أخرى لـ «علا» ابنة محافظة البحيرة، التى تبلغ 7 سنوات، حينما كانت تلعب مع صديقاتها أمام المنزل فاقترب منها رجل أربعينى وبدأ يقترب من جسدها الصغير حتى لمحه أحد الجيران الذى بدوره قام بإبعاد الفتاة عنه، بعدما التف أهالى المنطقة التى تسكن بها وأبلغوا والديها الذين أوسعوه ضربًا، إلا أن والديها فضلا عدم الإبلاغ عنه حتى لا تكون بمثابة «فضيحة» بحسب رواية جارها الذى أنقذها من هذا الذئب.

تشديد العقوبة
«الكثيرون يفضلون عدم الإبلاغ عن حالات التحرش، خاصة مع فقدان الأدلة لإثبات تلك الوقائع فى معظم الحالات بالإضافة للعقوبات التى تحتاج للتشديد».. هذا ما أكده إيهاب الأطرش، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة والخبير القانونى، والذى قال إن القوانين الحالية الخاصة بالتحرش خاصة بالأطفال تحتاج إلى تغليظ للعقوبات حتى يتم ردع وتقليل مثل هذه الوقائع المؤسفة التى تحدث، معتبرًا أن القوانين بمثابة «طبطبة» على المتحرش وتحتاج إلى تغليظ العقوبة، سواء كانت مدة الحبس أو الغرامة.. وأضاف الأطرش أنه يجب إطلاق مبادرات لتوعية الأطفال عن كيفية التصرف إذا تعرض أحدهم لأى اعتداء من اى نوع، وكذلك توعية الأسر بالطرق الصحيحة للتعامل مع وقائع التحرش وكيفية حماية أبنائهم وعدم تركهم فى الشارع طوال اليوم بما يعرضهم لأخطار ولغرباء عنهم فى هذه السن الصغيرة.

تغير السلوك

                                   د.هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى


وأكدت د.هبة عيسوى أستاذ الطب النفسى، أنه لابد أولًا أن تعرف الأسر ما هى علامات تعرض أطفالهم للتحرش الجنسى خاصة وأنه من الأمور التى لا يستطيع الأطفال التعبير عن تعرُّضهم لها، فالتغير الطارئ والمفاجئ فى سلوك الطفل هو أولى علامات تعرض الطفل للاعتداء، فعلى سبيل المثال يتحول طبع الطفل إلى الحدة فى تصرفاته ويميل إلى العزلة والانطوائية، أو قد يحدث العكس تماما ويتحول إلى شخص عدوانى بشدة.. وأوضحت أن أكثر العلامات المصاحبة لتعرض الطفل للتحرش هى التبول اللاإرادى مع مشاكل فى النطق بسبب الخوف مما تعرض له ويصاحب ذلك إصابته بذعر شديد من بعض الأشخاص او الأماكن التى ترتبط فى ذاكرته بهذا الحادث الأليم، بالاضافة إلى وجود بعض الخدوش أو الكدمات بسبب عملية الاعتداء.. وأضافت أن الأذى النفسى بسبب هذه الجريمة لا يقل عن الضرر الجسدى، فيجب على الأسر علاج أبنائهم نفسيًا حال تعرضهم لتلك الأزمة، والعمل على انتشالهم من الخوف والقلق وعدم الرغبة فى الانخراط فى المجتمع مرة أخرى، لأن تلك الأعراض قد تصل فى بعض الحالات إلى مرحلة الاكتئاب التى تظهر فى صورة التأخر الدراسى والميل إلى العزلة، أو تعاطى المواد المخدرة والاضطرابات الشخصية.
وقالت إنه فى حالة التأكد من تعرض الطفل إلى التحرش لابد من الإنصات الجيد له وتركه يعبر عما بداخله وعدم لومه أو الهجوم عليه لسوء تصرفه، لأن الطفل فى هذا التوقيت يرى فى أسرته المنقذ الذى سيخلصه من الطاقة السلبية جراء الاعتداء، كما يجب أن يشعر الطفل بالتعاطف معه من خلال الحصول على حقه والتعرف على الشخص ومعاقبته قانونا لان ذلك يساهم بشكل كبير فى استعادة الطفل لثقته مرة أخرى.
واختتمت د.هبة عيسوى كلامها قائلة : إنه لابد من تعريف الأطفال من سن صغيرة أن لديه مساحته الخاصة والتى لا يسمح لأى شخص بالاقتراب الزائد منها بدون أسباب، مع ضرورة تواجد روتين يومى يجعل الطفل يروى تفاصيل يومه لأن ذلك يسهل عملية متابعة الطفل والتعرف على الدائرة الخارجية المحيطة به.

جسور الثقة

                                    د.رفعت عبدالباسط أستاذ علم الاجتماع


ومن جانبه قال د.رفعت عبدالباسط أستاذ علم الاجتماع إن ظاهرة التحرش بالأطفال جرس إنذار للعديد من الأسر التى أصبحت تبنى جزرا منعزلة مع أبنائها إما من خلال الانشغال بالعمل أو تجنب الاستماع للأبناء أو مشاركتهم لحظات الفرح أو الغضب، مضيفًا أن كل ذلك يخلق نوعا من الفتور ويهدم جسور الثقة بين الطرفين.
وأضاف أن تهيئة مناخ أسرى صحى يخلق نشئا يخرج للمجتمع سويا ولا يعانى من اى اضطرابات أو تصرفات وسلوكيات خاطئة وهذا دور الأسرة فى المقام الاول، لان من يقوم بجرائم الاعتداء أوالتحرش لديه اضطراب نفسى.
وأكد أن الطفل يمر بالعديد من المراحل وعلى الأسرة ان تختار الطريقة المناسبة لكل مرحلة وعلى رأسٍها خلق حوار ونقاش مفتوح فى كل اهتمامات الطفل لأن المشاركة تبعث له برسائل امان تجعله يلجأ للأسرة حال تعرضه لأى موقف أو اعتداء.
وأشار د.رفعت عبد الباسط إلي أن مسئولية حماية الطفل من تعرضه لأى ضرر هى مجتمعية فى المقام الاول ما بين الأسرة والمدرسة والإعلام، فالتوعية سواء داخل الأسرة أو فى المدارس ضرورة خاصة للسن الصغيرة، فالام والأب عليهما عبء كبير فى توعية الأبناء ولابد من التأكد من تصرفهم بالشكل السليم حال تعرض الطفل للاعتداء حتى لا يتسبب ذلك فى حدوث مضاعفات نفسية له.
واختتم حديثه قائلًا: إن الإفصاح عن هذه الجريمة وملاحقة الجانى هى أحد طرق العلاج خاصة وان قيام بعض الأسر بعدم الإبلاغ أو اتخاذ الإجراءات القانونية يسبب الخوف أو كأن الأمر وصمة عار ويجعل الطفل يشعر بعدم الأمان ويجعله منطويا إثر ما تعرض له.