مصر المستقبل

الاحتواء واجب

رشا الشايب
رشا الشايب

رشا الشايب

الاحتواء، كلمة السر فى نجاح كل العلاقات الإنسانية، هو عماد الحماية اللازم لأى علاقة ضد الفشل أو الانتهاء، هو ذاك الشعور الناتج عن تكامل الوعى الإدراكى مع العاطفة فى سبيل تحقيق الأمان العاطفى لأطراف العلاقة.
فيجب أن يقتنع العقل والعاطفة معا قناعة تامة بضرورته ووجوبه حتى يُتم كامل أركانه ويحقق أهدافه التى وجد من أجلها.
فلا يستطيع أحد أن ينكر حاجته الملحة له، حتى لو ادّعى أن راحته تكمن فى الاستغناء عن الآخرين والعيش فى عزلة عنهم، فهو مطلب هام من حاجاتنا الأساسية فى هذه الحياة وَجَب أن يضيفه ماسلو إلى هرم الحاجات الإنسانية المتدرجة، فبسببه نحب الحياة، وبدونه نفقد الشغف فى الحياة من الأساس.
فالاحتواء اصطلاحا هو القدرة على الاستيعاب، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، أن تستوعب الطرف الآخر بكل تفاصيله وعيوبه وإيجابياته، فيشمل كل معانى العطاء والإيجابية والاحترام والحنان وسعة البال والثقة وكل أوجه المشاركة (سواء فى الحزن، المرض، الضيق، الفرح والسرور).. ولابد أن يكون متبادلا بين طرفى العلاقة فلا يُقدمه أحدهم ويبخل به الآخر وذلك لضمان استمراريته وتدفقه بلا نهاية.
ويحكى لنا ستيفن جروس أحد أشهر المحللين النفسيين أنه أثناء إحدى جلساته النفسية مع واحد من مرضى الإيدز والذى كان يشعر بالوحدة والأرق الشديدين والخوف المرضى من الموت خاصة وهو نائم، فبعد أن لجأ إلى جروس وبدأ فى سرد وقائع وتفاصيل حياته كان يستطيع الاسترخاء على الأريكة وأن يغط فى نوم عميق على عكس ما كان يشكو، وأكد جروس أنه غط فى نوم عميق لأنه يعلم أن هناك شخصا يفكر فيه، فاستطاع أن يتحمل فكرة موته ويتقبل الدخول فى حالة من الصمت بسهولة أكثر لأنه شعر بأنه حى فى عقل شخص آخر.
وأكد جروس أنه وبعد مرور 22 عاما منذ أن بدأ هذا المريض فى ارتياد عيادته وزيارته وأصبح يعيش حياة صحية، ومرضه الفيروسى أصبح غير ملحوظ وبدا أكثر حيوية ونشاطا، ففى أحلك الأوقات التى مرت عليه كل ما احتاج له هذا المريض هو أن يُسمع فقط حتى ولو لم يقل شيئا، لقد احتاج أن يحيا فى ذهن شخص آخر فقط، احتاج للاحتواء فى أبسط معانيه.
حياتنا مليئة بالأوقات الصعبة والحرجة ولولا وقوف أحدهم بجوارنا وتخفيفه لمُصابنا لماتت أرواحنا حزنا وكمدا وما خرجنا من تلك الدائرة اللعينة من الضيق والألم.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي