«الأخبار المسائى» تُحاور أصغر مصرية وعربية تتسلَّق أعلى قمة في العالم لرفع علم مصر

أول عربية تتسلَّق أعلى قمة فى العالم
أول عربية تتسلَّق أعلى قمة فى العالم

 

«بنت سبعتاشر»: شعرى شاب فوق «إيفرست» وبين السحاب

«طلوع السلالم» لمدة عام.. سبب نجاتي من مغامرة الموت

«روث الأغنام» أنقذني من بتر قدمي.. ووجهى احترق من الجليد!

عشت 14 يوماً من الرعب والمخاطر.. ولا أنصح غيرى بتكرار «رحلة الأهوال»

«الهليكوبتر» نقلت 5 متسابقات بين الحياة والموت.. وطريق الجثث أفزعنى!

 

كتب/على فتحى

في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام والسوشيال ميديا تجري وراء أخبار فتيات «التيك توك»، ونجوم أغانى «المهرجانات»، وغيرها من «التريندات» التي تفضح أكثر مما تستر وتسيء أكثر مما تُضيف، كانت هناك فتاة لم تتعدَ السابعة عشر عاماً تُغرد خارج سرب بنات جيلها، وتبحث لنفسها عن موطن قدم فوق أعلي جبال العالم؛ كي ترفع علم مصر، وللأسف لم تجد لها سطراً يُوثق مغامراتها من أجل وطنها.. «فريدة الشرقاوى» لفتت أنظار شركة «فيسبوك» بتميزها الدراسي والرياضي، فمنحتها رحلة إلى «الهيمالايا»، وتجربة تسلق قاعدة أخطر جبال العالم وأكثرها ارتفاعاً، فكانت أصغر فتاة مصرية وعربية وربما «الأشجع» كي تخوض تجربةً «فريدة».. «الأخبار المسائي» حاورت «بنت سبعتاشر» بعد عامين من التجاهل الإعلامى لفتاة جلست يوماً خلف الرئيس فى منتدى شباب العالم فألهمها الحماس كى ترفع اسم بلدها فى حدث عالمى.
البنت المصرية فتحت لنا خزانة ذكرياتها وتروى لنا كواليس 14 يوماً من الرعب والمخاطر والمواقف التى يتوقف معها القلب ويشيب معها الشعر.. فإلى نص الحوار..


>قبل الإبحار في ذاكرة المغامرة.. مَنْ صاحبتها؟
>>تبتسم بخجل.. بنت عادية جواها ألف حلم بتحب مصر، ومستعدة أكرر التجربة، وأصعب منها، لو هرفع اسمها في العالم.. اسمى فريدة الشرقاوى.. وعمرى حالياً 19 عاماً، طالبة بدرس الإعلام في جامعة بريطانية، لها فرع بماليزيا، ولكن حالياً رجعت إلى مصر وبنكمل أونلاين بسبب «كورونا».. عائلتى «الرياضة في دمها، فوالدتي هى د. داليا عرابى، لاعبة كرة سلة سابقة بالنادي الأهلي ومنتخب مصر، ووالدي أيضاً كان يمارس «التنس» ولدي أخ تؤام يلعب كرة السلة، و«أختان آخر العنقود يلعبان باليه وباسكت».


>إذًا إقناعهم لم يكن صعباً رغم المخاطرة وسنك المبكرة؟
>>تضحك.. بالعكس تماماً «كانوا رافضين خالص بسبب سنى ده، وقتها كنت 17 سنة ومسافرتش بره مصر ولوحدى كمان»، وفى وقت دراسة فى الثانوى «فضلت ثلاثة شهور بحاول أقنعهم، وأخيراً وافقوا، خصوصاً حين وجدوا حماساً من المدرسة والمدرسين الذين دعموني ووافقوا على تأجيل الامتحانات.. وأمام إصراري «سلموا أمرهم لله» فرحت جداً.


>كيف جاءتك الفكرة؟ هل كانت على نفقتك الخاصة؟
>>«بالتأكيد مصر وفي لن يسمح».. تُكمل ضاحكةً: القصة أننى مشتركة في جروب على الفيسبوك يضم حوالى مليون عضوة من كل العالم، ويدعم كل من ترتدى حجابًا وتتعرض للاضطهاد فى أوروبا مثلاً أو للعنصرية وأيضاً يضم غير المحجبات، ولفت نظر القائمين على شركة فيسبوك، فقامت برعايته وتقديم منح للتفوق للعضوات الأبرز، والحمد لله كنت منهم بسبب تفوقي الدراسي والرياضي في سن مبكرة، وكنت ألعب السلة بالنادي الأهلي.. قبل أن تشدني رياضة تسلق الجبال.


>والمنحة كانت رحلة إلى جبل إيفرست؟
>>بالضبط .. تم اختيارى ضمن مجموعة تضم 14 فتاة وامرأة من 11 دولة حول العالم ومن ديانات مختلفة بالطبع، وكنت أصغر المشتركات وتكفلت «فيسبوك» بكل المصروفات و«الطيران» و«التأمين علي الحياة» و«كمان حملة تعريفية على السوشيال ميديا، وتصوير فيلم وثائقى يرصد المغامرة لحظة بلحظة.. بينما قامت شركة عالمية للملابس الرياضية بإهدائنا «اليونيفورم» وحتى «طرحة الحجاب».
>رحلة كهذه وتسلق واحد من أطول جبال العالم وأخطرها مؤكد يحتاج لتدريبات وتجهيزات.. أم ماذا؟


 >»يااااه، دا أنا شوفت العذاب ألوان»، تضحك وتُكمل: عام كامل من التدريب الشاق جداً فى النادى الأهلى.. تدريبات لياقة وتحمُّل ست أيام أسبوعياً لمدة 4 ساعات يومياً ومعظمها «طلوع سلالم»، ممنوع تماماً أركب أسانسير» فى أي وقت وتحت أى ظرف، ومعظم الوقت لابد من الصعود مع حمل أثقال على الكتفين والظهر وارتداء ماسكات «تقليل أكسجين»، علشان أتأقلم علي نقصه فى رحلة الصعود إلى إيفرست.


>لهذه الدرجة كانت تدريباتك مرهقة؟ لم يسبق لكِ تسلق الجبال فعلياً؟
>> كان من الضرورى التدريب بهذا الشكل حتى أتعوَّد على المشقة البدنية فى «رحلة الهيمالايا» وأكملها لنهايتها، وهى مهمة ليست سهلة بالمرة.. ولحُسن الحظ سبق لى صعود «جبل موسى» فى سيناء مرتين، وهو ما خلق لدى شغف ممارسة هذه الرياضة.. وحين جاءتنى الفرصة كأصغر متسلقة لأخطر جبال العالم، كانت فرحتى لا تُوصف «مش علشان هسافر وأدخل مغامرة، لكن بصراحة فى أسباب تانية».


>وما هى؟
>>بصراحة منتدى شباب العالم الذى حضرته فى «2018» غيَّر لى كل حسابات وتفكيرى. 


>وكيف حدث هذا ؟
> تم اختيارى وقتها لحضور المنتدى، وكانت المرة الأولى التى أحضر فيها فعاليات حدث عالمى «وفيه ضيوف من كل أنحاء العالم، والتنظيم مبهر، والنقاشات والحوارات جادة»، حسيت إنى كبرت فجأة ونضجت وكنت فخورة جداً ببلدى، وأنا شايفة انبهار شباب العالم باللى بيحصل.. والمفاجأة التى لم أتخيلها هى جلوسى خلف الرئيس السيسى فى إحدى الفعاليات، وكنت أصغر من شارك بالمنتدى.


>وكيف كان شعورك وأنت تجلسين بالقرب من رئيس بلدك؟
>> إحساس لا يوصف بصراحة.. كنت منبهرة ومبسوطة وفخورة ومتحمسة وحسيت قد إيه بلدى كبيرة وزعيمها له هيبة وحضور، فى اللحظة دى أتمنيت أعمل حاجة تخلينى أرفع علم مصر عالمياً، وهو ما حدث بالفعل فيما بعد، ولكن لم يلتفت إليه أحدٌ، ربما لأننى لم أكن على علاقة بوسائل بالإعلام ولم أبلغهم بالمغامرة.


>دعينا نعود إلى أجواء رحلة المخاطر.. كيف بدأت؟
>>كما سبق وقلت كنا 14 فتاة من مصر وأمريكا وإنجلترا وكندا وتونس والإمارات وأستراليا وجنوب أفريقيا ولبنان والنمسا والسودان.. ذهبنا إلى دولة «نيبال»، حيث سلسلة جبال الهيمالايا، ومن ضمنها «إيفرست»، وهناك ركبنا طائرة أخرى للعاصمة كاتمندو، حيث أخطر مطارات العالم «لوكا»، وفوجئت بأنها رحلة للرعب فوق السحاب، فالطائرة قديمة إلى حد كبير، وقائدها مثل سائقى «التوك توك».. وتعرضت لعطل فى أحد المحركات فجأة، «وحسيت قلبى هيقف من الخوف ونسيت كل حاجة ما عدا أمى وإخواتى وعملت «رسالة فيديو» لهم تحسباً لسقوط الطائرة لا قدر الله، لكن ربنا سلم «بعد ما شعرى شاب بالفعل فوق السحاب»، وهبطنا بصعوبة فى مطار صغير محاط بالبيوت والأشجار، وكأنه «شارع مش مهبط طائرات» وعرفت ليه بيوصفوه بأخطر مطارات العالم.


>بداية مرعبة بالفعل.. فماذا عن رحلة العودة؟
>>ما حدث بالطائرة لا يُقارن بمحاولة تسلق قاعدة إيفرست، وللعلم حتى لا يلتبس الأمر على أحد لم تكن رحلتنا لتسلق قمة الجبل الذى يصل طوله إلى 9 كيلو مترات فوق سطح البحر ويُعتبر رحلة الموت، فعدد الناجين أقل كثيراً من عدد المغامرين الذين حاولوا ولقوا حتفهم.. «وبصراحة أخاف أعمل كده».


>إذًا كم يبلغ طول القاعدة؟
>>يكفى أن تعرف أن قاعدة إيفرست أعلى من كل جبال أوروبا، وتبلغ حوالى 5 كيلو مترات وتستغرق رحلة الصعود 9 أيام، والهبوط 4 أيام، وللعلم بقى النزول أصعب بكثير من الصعود، لأننا بننزل 500 متر مثلاً، ونطلع 1000 متر، ومينفعش ننزل على طول علشان تأثير الضغط زى الغوص بالضبط.. وعلشان تعرف مدى الصعوبة فكفاية أقولك إن هليكوبتر التأمين الصحى حملت خمس متسابقات منا بإصابات مختلفة بين الحياة والموت.


>أفهم من ذلك أن مغامرتك كانت آمنة دون إصابات؟
>تضحك كثيراً قبل أن تُجيب: «أنا اتكتبلى عمرى جديد بالمعنى الحرفى للكلمة شوفت الأهوال واتشاهدت على روحى أكثر من مرة».


>ضعينا معكِ فى المشهد.. ماذا حدث لكِ؟
>>حسناً فلتستعدوا بملابس تُناسب درجة حرارة أقل من 13 تحت الصفر، تضحك ثم تكمل: أول يومين الأمور كانت على ما يُرام لكن مع استمرار الصعود فى اليوم الثالث حدثت أمور لم أتوقعها.. آلام رهيبة فى البطن.. نقص حاد في الأكسجين، فقدان الاتزان والهلوسة، وكأنى تحت تأثير مخدر، فقدت تماماً حاسة التذوق لدرجة لم أعرف الفرق بين طعم الليمون والشيكولاتة.. «وكملت بوشى اللى اتنفخ واتحرق بسبب انعكاس الشمس على الجليد»..


>ماذا فعل الفريق الطبى المرافق؟
>>نصحونى بالانسحاب وعدم تكملة الرحلة، وقاموا بإسعافى بأدوية لرفع مستوى الأكسجين وجينات البنت المصرية «نقحت عليا»، وصممت على تكملة المغامرة مهما حصل..  وبالفعل  استرديت عافيتى سريعاً.
وكملت التسلق مع المجموعة فى ظل نسبة أكسجين في الجو أقل من 40? ولكن ما حدث لى فى اليوم السادس كان كارثة.


>هل يوجد أقسى مما حدث؟ وما هو؟
>>من المفترض أن هناك مواعيد محددة للنوم طبقاً لتوصيات الأطباء لمتسلقى الجبال، خصوصاً الجليدية، وفى اليوم السادس خالفتها للأسف، وفجأة لم أشعر بأصابع قدمى و«مقدرتش حتى أحركها»، حاولت كثيراً وفشلت  وأصابنى الذعر، وفقدت النطق، واستغثت بزميلتى فى الخيمة «أخدت منبه بجوارى وحدفته  جنبها، صحيت وشاورتلها على رجلى ففهمت»، وبدأت قدمى فى التحوُّل للون الأرزق بسبب انخفاض درجة الحرارة قبل الفجر، وحاول الطبيب المرافق إسعافى، ولكن دون جدوى وأخبرونى بأنها من الممكن أن تتعرض للبتر.. فأصابنى الذهول.


>وكيف أنقدوها؟
>>لجأنا إلى الحلول البدائية.. كان لابد من تدفئتها جيداً وقاموا بجمع روث الأغنام والأبقار الجبلية واستخدموها كوقودٍ فى برميل مفتوح وأشعلوا النار فيه ووضعوا قدمى بجواره حتى الصباح وعاد الدم للسريان بمعجزة.


>لماذا كل هذا الإصرار على مواصلة رحلة المخاطر؟
>كان لدى تصميمٌ أن أرفع علم مصر على قاعدة جبل إيفرست مهما كلفنى الأمر، وفى النهاية فعلتها، وكنت سعيدة جداً ونسيت كل التعب والمشقة.. كى أثبت للعالم أن الفتاة المصرية قادرة على تحدى المستحيل، كى تثبت قدراتها.
>بعيداً عن ذكريات الألم والإصابات.. ما أطرف المشاهد؟
>>تفاجأت بوجود قرية كاملة على الجبل بها كل مظاهر الحياة من مطاعم وبارات وكافيهات ومدارس ومكتب تمويل أموال.. ولكنها شبه معزولة عن العالم الخارجى.. وموقف آخر، حيث كان هناك متسلقٌ ألمانى الجنسية احتفلنا معه بعيد ميلاده السبعين، وكان سعيداً جداً بوجودنا، وأصعب موقف رؤيتى لجثث متجمدة طوال الرحلة وهي لمغامرين حاولوا التسلق ولم يتم دفنهم بسبب عدم قيامهم بالاشتراك في «التأمين».


>هل تنوين تكرار التجربة والصعود للقمة؟
>> تهز رأسها وتُجيب: «معنديش الشجاعة الكافية لقرار زى ده»، فالوصول لقمة إيفرست هو تحدى الموت بعينه، وأنا لا أنوى الانتحار ولا أنصح غيرى بتكرار المغامرة، فهي مرعبة وشاقة جداً وغير مضمونة ولكن عندى شغف لتسلق جبل كلمنجاروا في أفريقيا قريباً.


>بماذا استفدتِ من مغامرة الأهوال؟
>>تعلمت الإصرار والتحدى واكتسبت القوة وكيف أتخطى الصعاب دون يأس، وعرفت نقاط ضعفى وسأعالجها وقوتى أيضاً، وتأكدت أن المصرى إذا أراد فعل شيء سينجح، ولذلك زادت ثقتى بنفسى فيما يخص المستقبل ودراستى وشغلى وأحلامى.


>وماذا أحزنكِ؟
>>بمنتهى الصراحة تجاهل المسؤولين والإعلام، فزميلتى اللبنانية استقبلها وزير الشباب هناك عند عودتها، وكذلك بقية زميلاتى ثم الاحتفاء بهن فى بلدانهن على المستويين الرسمى والشعبى.. كذلك حزنت عندما رفض مهرجان الجونة عرض الفيلم الوقائقى الذى يرصد الرحلة خطوة بخطوة ودون أسباب، رغم أنه كان من المقرر عرضه فى مهرجان عالمى بإيطاليا فيلم «فيستفالى»، ولكن منها لله «كورونا» أجلت كل شيء.

اقرأ أيضا: بحيرات مصر | الوصول للاكتفاء الذاتي من الأسماك بنسبة ٨٥٪