نحن والعالم

الخطوط الفاصلة

ريهاب عبدالوهاب
ريهاب عبدالوهاب

مع انفراد الكبار بالقدرة على تصنيع لقاحات كورونا، كان هناك توجه غربى لوضع خط فاصل يقسم العالم لمعسكرين: معسكر للدول المتقدمة والثرية وحلفائها، وتستأثر باللقاحات الأمريكية والأوروبية، ومعسكر يضم الدول النامية والمنخفضة الدخل والتى يمكنها تلقى اللقاحات الروسية والصينية. وبناء على هذا التقسيم القائم على «قومنة» اللقاح (مشتقة من القومية)، اعتمدت أمريكا بشكل كامل على اللقاحات التى تنتجها كفايزر ومودرنا ومؤخرا جونسن اند جونسن، ومارست كل الضغوط الممكنة لمنع البرازيل ودوّل اخرى فى امريكا اللاتينية من شراء اللقاح الروسى. فيما اعتمدت أوروبا بشكل رئيسى على لقاح استرازينيكا البريطانى وحاولت حظر تصديره للخارج حتى استيفاء كامل احتياجاتها. وإمعانا فى « القومنة» اقترحت المفوضية الأوروبية عدم الاعتراف إلا باللقاحات الغربية فى جوازات السفر التى تسمح بالسفر والتنقل بين دول الاتحاد.
لكن «تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن» فموجات الإصابات العاتية التى ضربت الغرب كانت اكبر من قدرة اى شركة على انتاج الكميات اللازمة لتكفى قارة ما تسبب فى تخلف دول كبار عن ركب دول اقل منها لكنها متقدمة فى معدلات التطعيم. ثم جاءت أزمة لقاح استرازينيكا الأخيرة والتى أسفرت عن وقف ٢٠ دولة أوروبية على رأسها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا التطعيم باللقاح بعد ظهور بعض حالات تجلط الدم (٣٧ فقط من بين ١٧ مليون تلقوا اللقاح) رغم عدم إثبات مسئولية اللقاح عن تلك الإصابات بشكل مباشر وتوصية منظمة الصحة بمواصلة استخدامه.هذه الأحداث أجبرت الأنظار الأوروبية على الاتجاه للقاحات الصينية والروسية لتخرجها من الشرنقة التى فرضتها على نفسها. فى الوقت نفسه منح الموقف الاوروبى للقاح استرازينيكا الفرصة لدول اخرى تأكدت من فاعلية اللقاح وأمانة من تلقى المزيد من الجرعات من اللقاح الذى كان الحصان الأسود فى السباق منذ أشهر قليلة. بهذا تكون الخطوط الفاصلة التى وضعها الكبار للحفاظ على هيمنتهم قد بدأت فى التماحى ، لتفشل معها محاولات «تسييس» أزمة إنسانيّة بامتياز.