في عيد تحريرها

«طابا».. معركة التحرير والكرامة

أرشيفية
أرشيفية

الحرفية الشديدة للدبلوماسية المصرية أثبتت حقنا التاريخى.. ودماء جنودنا كانت وقود التحركات السياسية

مفاوضات الفريق المصرى كشفت محاولات تل أبيب تزييف التاريخ والجغرافيا بالتضليل الإعلامى

استراتيجيون: ملحمة «طابا» انتصار عالمى للعزيمة المصرية

 

كتبت - سما صالح

 

تمر علينا اليوم ذكرى استرداد مصر أرض سيناء كاملة.. وذلك بعد انسحاب آخر جندى إسرائيلى منها فى 1982، وفقًا لمعاهدة كامب ديفيد، ما عدا مدينة طابا، التى استردت لاحقًا بالتحكيم الدولى فى 15 مارس 1989، ولم تكتمل الفرحة بعيد تحرير سيناء إلا عندما رفع الرئيس المصري الأسبق محمد حسنى مبارك علم مصر على طابا، آخر بقعة تم تحريرها من الأرض المصرية فى عام 1989، التاسع عشر من مارس هو يوم من أيام المجد والانتصار والعزة، ففيه جنينا ثمار نصر معركة دبلوماسية وقانونية لا تقل عن حرب السادس من أكتوبر، لاستعادة طابا آخر شبر من أراضي مصر المحتلة، بعد رفض إسرئيل الانسحاب من سيناء في أبريل عام 1982 دون إثارة أزمة، وادعت بمواقع غير صحيحة للعلامة الحدودية رقم «91» في محاولة لضم طابا إليها، وحينها عرضت مصر موقفها بوضوح بأنه لا تنازل ولا تفريط عن شبر من أراضيها، وأصرت إسرائيل علي موقفها وتمسكت مصر بحقها في السيادة على طابا، وبدأ البحث عن حل يجبر العدو على  الانسحاب من سيناء  وإنهاء الخلاف بشأن طابا.

 

حل النزاع

في أبريل عام 1982 وقعت الدولتان اتفاقًا لتسوية النزاع عن طريق التحكيم الدولي واتفق الجانبان المصرى والإسرائيلى على تأجيل الانسحاب من طابا وحل النزاع بالرجوع لقواعد القانون الدولى وبنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وفقًا للمادة السابعة التى تنص علي أن يتم حل الخلافات بشأن تطبيق هذه المعاهدة عن طريق المفاوضات وفى حالة عدم إمكانية حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضات تحل بالتوافق أو تحال إلى التحكيم وهو الطريق الذي سلكته مصر في النهاية.

ونص الاتفاق المؤقت الذى وقعه الطرفان فى حينه على عدم قيام إسرائيل ببناء أي إنشاءات جديدة فى المنطقة لحين فض النزاع، وبالرغم من ذلك فقد قامت إسرائيل بافتتاح فندق سونستا طابا فى 15 نوفمبر 1982 والإعلان عن بناء قرية سياحية كما قامت أيضًا بإجراء بعض العمليات الرمزية التى تشكل نوعًا من فرض السيادة الإسرائيلية على منطقة طابا.

 

 وشكلت مصر اللجنة القومية العليا لطابا من 24 خبيراً من أقطاب الفكر القانوني وعلماء الجغرافيا والتاريخ والدبلوماسيين والعسكريين، وفي سبتمبر 1986 وقعت مصر وإسرائيل شروط التحكيم الدولي وأحيل النزاع إلى هيئة تحكيم دولية من خمسة محكمين ثلاثة من السويد وفرنسا وسويسرا وآخر من مصر ومحكمة إسرائيلية.

 

الدبلوماسية المصرية

وقامت الدبلوماسية المصرية بمعركة امتزجت بالنفس الطويل والحرفية والدقة الشديدة معتمدة علي حق مصر التاريخي ودماء الجنود التي سالت علي أرض الفيروز، وقدم الفريق القانوني والدبلوماسي جميع الحقائق التي تثبت حق مصر في طابا، مفندًا مزاعم إسرائيل التي حاولت طمس وتزييف التاريخ والجغرافيا لتثبت مصر قدرتها علي التفاوض واستعادة كل شبر من أراضيها سواء بالقوة العسكرية أو العقلية لفريقها القانوني وعلمائها وقوتها الدبلوماسية في بطولة سجلتها هيئة التحكيم الدولية بجنيف.

 

حاول الجانب الإسرائيلى الاعتماد على فكرة التضليل والتزييف للحقائق خلال سيطرتهم على المنطقة من عام 1967 إلى 1982، فحاول تغيير الملامح الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو، وقام بإزالة أنف الجبل الذى كان يصل إلى مياه خليج العقبة وحفر طريق مكانه يربط بين مدينة إيلات الإسرائيلية ومدينة طابا المصرية وكان على المصريين أن يبحثوا عن هذه العلامات التى أزالتها إسرائيل من الوجود والعثور على العلامة الأساسية رقم «91» لكشف محاولات تل أبيب تزييف التاريخ بل والجغرافيا، والتضليل الإعلامى كان من الركائز التى اعتمدت عليها السياسة الإسرائيلية فى إدارة الصراع، وراهنت على عجز المصريين عن إثبات حقهم فى طابا، وكان رهان أبناء مصر على الحقائق التاريخية والجغرافية والسياسية.

 

قررت مصر أن تكون معركتها لتحرير «طابا» قانونية دبلوماسية تستخدم فيها جميع الوثائق والمخطوطات التى تحصل عليها من دور المحفوظات العالمية لكى تثبت أن حق مصر لا شك فيه وغير قابل للتنازل. وفى 13 مايو 1985 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 641 بتشكيل اللجنة القومية لطابا برئاسة عصمت عبد المجيد وعضوية 24 خبيرًا، منهم 9 من خبراء القانون، و2 من علماء الجغرافيا والتاريخ، و5 من كبار الدبلوماسيين بوزارة الخارجية، و8 من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية، وعهدت وزارة الخارجية المصرية بمهمة إعداد المذكرات إلى لجنة مشاركة التحكيم برئاسة نبيل العربى، ممثل الحكومة المصرية أمام هيئة التحكيم فى جنيف وبعضوية كل من: وزارة الخارجية (إبراهيم يسري، بدر همام، حسن عيسى، أحمد أبو الخير، محمود عثمان، عز الدين عبد المنعم، وجيه حنفي، أحمد فتح الله، محمد جمعة، حسين مبارك، محمود سامي، فايزة أبو النجا، أحمد ماهر، مهاب مقبل، ماجد عبد الفتاح)، من وزارة الدفاع (عبد الحميد محسن حمدي، فاروق لبيب، خيري الشماع)، من وزارة العدل (أمين المهدي، فتحي نجيب)، من وزارة البترول (أحمد عبد الحليم، صلاح حافظ)، مفيد شهاب، يونان لبيب رزق، أحمد صادق القشيري، يوسف أبو الحجاج، سميح صادق، صلاح عامر، وحيد رأفت، محمد الشناوي، جورج أبو صعب، طلعت الغنيمي، محمد بسيوني، حسين حسونة، محمد عبدالفتاح محسن. واستعانت لجنة الدفاع المصرية بالدكتور دريك باوت في مقابل استعانت إسرائيل بالدكتور لوتر باخت وكلاهما أستاذ في القانون الدولي وذي خبرة دولية في هذا النوع من المنازعات.

 

هيئة التحكيم الدولية

وضمت هيئة التحكيم الدولية 5 أعضاء تمثلوا فى كل من: الدكتور حامد سلطان عن الجانب المصري، وعن إسرائيل روث لابيدوت، والثلاثة الآخرون هم: بيليه رئيس محكمة النقض الفرنسية السابق، وشندلر أستاذ القانون الدولي بسويسرا، ولاجرجرين رئيس محكمة ستوكهولم. وعقدت الجلسات مع هيئة التحكيم وبدأت بتقديم مذكرة افتتاحية مايو 1987، وكانت أول جلسة في ديسمبر 1986، ثم تلقت المحكمة المذكرات المضادة والردود من الطرفين في أكتوبر 1987، واتفقوا على تقديم مذكرة ختامية في يناير 1988، إضافة إلى جولتين من المرافعات الشفهية في مارس وأبريل من نفس العام، واستمرت المرافعات 3 أسابيع حتى صدور الحكم لصالح مصر في 29 سبتمبر 1988 داخل قاعة المجلس الكبير بالمقر الرسمي لحكومة مقاطعة جنيف، في حضور وكيلي الحكومتين، وأعضاء هيئة الدفاع لكلا الجانبين، بأغلبية 4 أصوات والاعتراض الوحيد من الجانب الإسرائيلي، ووقع الحكم فى 230 صفحة.

 

وحول الأهمية الاستراتيجية لانتصار الإرادة  المصرية فى الحرب الدبلوماسية الدولية، والتى أثبتت كفاءة المفاوض المصري وشراسته فى الدفاع عن الأرض والوطن.. قال اللواء دكتور سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق والخبير الاستراتيجي، إن تحرير سيناء تطلب خوض 4 معارك عسكرية وسياسية وقانونية، وهى: حربا الاستنزاف وأكتوبر 1973، وعبور نحو نصف مليون جندي لخط بارليف المنيع من أجل تحرير سيناء.

 

الانسحاب الإسرائيلي

وتابع أن المعركة الثالثة هي تلك التي خاضها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، هي السلام من خلال معاهدة «كامب ديفيد»، مضيفا أنه قبل إتمام عملية الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، فوجئنا بتل أبيب ترفض تسليم جزء من «طابا»، وهنا كانت المعركة الرابعة من خلال الاحتكام للقانون الدولي، حتى استرداد سيناء كاملة، موضحًا أنه تم استعادة سيناء بفضل إرادة أبنائها والتفافهم حول قيادتهم وعدم الانسياق وراء الشائعات، مشيرا إلى أنه يجب علينا أن نعترف بأن سيناء كجزء من مصر كانت ومازالت مطمعًا للغزاة بفضل موقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية، خاصة أن مساحة سيناء تمثل 3 أضعاف مساحة إسرائيل.. ويجب علينا جميعًا عدم نسيان تاريخ مصر الذي مرت به في إحدى مراحلها الحرجة، ويجب علينا أن نعرف عدونا الحقيقي.

 

وأضاف أن كل مصري يجب أن يكون فخورًا بجنوده وجيشه وشعبه والرئيس السادات، والمجموعة الرائعة التي أعادت طابا لمصر بعد تحكيم دولي.

 

فيما أكد اللواء ناجى شهود الخبير الاستراتيجى والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، أن الاحتفال بذكرى عودة طابا إلى أحضان الوطن يوم تاريخي خاصة بعد أن ظلت طابا محتلة طيلة عدة سنوات وحاول المعتدى الإسرائيلي أن يسلبها من أرض مصر فيغير من التاريخ ويستفيد من بقعة مهمة سياحياً واستراتيجياً وتاريخياً.

 

وأضاف أن طابا من قبل أن توجد إسرائيل فى المنطقة، وهى تمثل شوكة ظهر بالنسبة لكل المعتدين، حيث تعود مشكلة طابا الأولى، إلى مطلع القرن العشرين، بين مصر وسلطة الاحتلال البريطانى، كطرف أول مع الدولة العثمانية كطرف ثانٍ فى يناير 1906، حيث أرسلت تركيا قوة لاحتلالها، مخالفة بذلك ما جاء بفرمان 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها، والممتدة من رفح شمالاً على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوباً، شاملة قلاع العقبة وطابا والمويلح.

 

الجهود السياسية

وتدخّلت بريطانيا سياسياً لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود، وذلك حفاظاً على مصالحها فى مصر، أو لمجرد احتمال تهديد قناة السويس، ذلك الشريان الحيوى الذى يصلها، ومستعمراتها فى جنوب شرقى آسيا والهند، وازدادت المشكلة تعقيداً، فتعدّدت أزمة طابا وامتدت إلى منطقة رفح فى أقصى الشمال، حيث قامت الدولة العثمانية أيضاً بقوة من جنودها، باحتلال مدينة رفح، وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها.

 

 وأكد أنه أمام فشل الجهود السياسية فى ذلك الوقت، قدمت بريطانيا إنذاراً نهائياً إلى الباب العالى فى تركيا، أوضحت فيه أنها ستضطر للجوء إلى القوة المسلحة، ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود، الأمر الذى دفع بالسلطة العثمانية بها إلى الرضوخ لهذه المطالب الشرعية، وعيّنت لجنة مشتركة مع الجانبين المصرى والبريطانى، لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه، مع تدقيقها، طبقاً لمقتضى القواعد الطبوغرافية، لتحديد نقاط الحدود الطبيعية، بدءاً من رفح ثم تتّجه اللجان جنوباً بشرق على خط مستقيم تقريباً إلى نقطة حدود على خليج العقبة تبعد ثلاثة أميال من العقبة.

 

وأوضح اللواء عادل العمدة، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، أنه رغم صغر مساحة مدينة طابا فإنها تعتبر درة محافظة جنوب سيناء، لما لها من استراتيجية، وأهمية كبرى فى تاريخ النضال المصرى، لأنها تعتبر محدودة المساحة، وتقع على الساحل الغربى لخليج العقبة، وعلى مسافة 5 أميال من رأس الخليج «بحراً» وداخل الحدود المصرية بثلاثة أميال، وبالقرب من مصادر آبار المياه العذبة، وتتحكم طابا فى الممرات المتّجهة إلى وسط سيناء، وكذا فى الطريق المتّجه إلى غزة شمالاً، وتعتبر طابا بذلك مفتاح الدخول إلى جنوب إسرائيل عبر سيناء وبالعكس».

 

وأضاف العمدة أنه  فى الوقت نفسه تطل على ميناء إيلات، الأمر الذى يسمح لمن يتواجدون فيها بالسيطرة على هذه المنطقة الحيوية، التى تمثل شرياناً مهماً إلى قارة آسيا وأفريقيا، وكذلك فإن المنطقة من خليج العقبة وإلى مسافة 20كم شمالاً عبارة عن هضبة جبلية يمتد بها وادى طابا، الذى يخترقه ممران جبليان يتّجهان إلى إيلات، ويكون أحدهما جزءاً من طريق الحج البرى القديم بسيناء»، موضحاً أن المثلث «طابا - العقبة - رأس النقب»، يعتبر مثلثاً استراتيجياً بفكر العمليات الحربية، حيث ترتكز قاعدة «طابا - رأس النقب» على الحرف الشرقى لوادى طابا، حيث يتحكم الرأس المطل على الخليج بالطريق الساحلى، ومخرج الممر، كما أن هذا المثلث يمكن أن يمتد ليكون مثلثاً آخر هو «العقبة - شرم الشيخ - السويس»، كما أن أهمية الأرض التى يمتد خلالها خط الحدود الدولية الشرقية حتى رفح شمالاً، ترتبط بالتوفير النسبى لموارد المياه العذبة وطرق التحرّكات الرئيسية «الجنوبى - والأوسط - الشمالى»، كما أن بعضها يصلح للزراعة والتنمية السكانية وأعمال السياحة على النحو الذى حدث فى منطقة طابا.

 

وانتهت قضية طابا برفع الرئيس المصري الأسبق محمد حسنى مبارك العلم فوق أراضيها عام 1989 بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من سبع سنوات.