جمال الشناوي يكتب: .. وأن أرعى مصالح الشعب

جمال الشناوي
جمال الشناوي

- نحن في أمس الحاجة لصناعة نخبة جديدة ترافق الانطلاق وتحميه وتصون ثورات الوطن

- قائمة الإنجازات التي تحققت يطول سردها.. ولكن كيف نحميها ونواصل البناء دون مجهود مضاعف؟

- علينا إشراك الأجيال الجديدة فيما يحدث من ثورة تنموية على أرض بلادنا

يقول الحكماء ليس هناك جيش أقوى من فكرة حان وقتها.. وانطلقت الثورة الصناعية والتقدم العلمى الهائل، الذى شهده العالم فى القرنين الماضيين على أفكار جديدة تم تنفيذها فى الوقت المناسب.

عندما شرعت مصر فى بناء السد العالى راهن الأمريكان على فشل المشروع، لسبب غريب لم تكن الإدارة فى مصر تعرفه وقتها.. سبب الفشل كما توقعه روبرت ميرفى مساعد وزير الخارجية الأمريكى فى الخمسينيات أن المصريين كما درسناهم لن يتحملوا الإنفاق الكبير دون عائد سريع.. فهى أشبه بعملية اختناق «المصريون لم يتعودوا على مشروع ضخم مثل السد العالى.. مشروع ينفقون عليه الكثير من أجل عائد يتحقق بعد 20 عاما ..لا لن يتحملوا ذلك» ، الاقتباس من مقال للأستاذ هيكل .

الآن ومصر تبنى نهضتها الجديدة، هل هناك من يراهن على عدم صبر الشعب، الذى تحمل الكثير وبات فى مرحلة النقاهة؟ الإجابة  باختصار شديد نعم.. هناك من هاله ما يحدث ويستغل أى نقطة يراها ضعفا ليعاود الهجوم من جديد.

 يرى الرئيس ذو الخلفية العسكرية للولايات المتحدة.. وقائد الجيوش الأمريكية المنتصرة «ايزنهاور» الذى وضع بلاده على قمة العالم.. «أن الشعب الذي يضع امتيازاته فوق مبادئه سرعان ما يفقد كليهما».. ربما كان أيزنهاور الذى حكم لدورتين بنجاح ساحق، يرى أن تأسيس الدولة الحديثة، يسبق بعض المكاسب القصيرة التى قد تكالب بها فئات أو حتى الشعب كله.

ولكن هل حققت مصر مكاسب لشعبها فى السنوات القليلة الماضية..؟

ولأن آفة حارتنا النسيان فلا ضير من التذكير ببعضها.. هل شاهدت فى بلادنا من قبل وزير سقط فى براثن الفساد.. ويتم استدعاؤه إلى مقر الحكومة يتقدم لإجباره على الاستقالة، بينما ينتظره رجال إنفاذ القانون على أمتار قليلة من مقر الحكومة ليتم القبض عليه.. هل قام أى نظام سابق فى بلادنا بإطلاق أيدى رجال المحاسبة والرقابة ومنحهم أوامر مستديمة بالقبض على محافظين ورؤساء مصالح ووو فى مكاتبهم، جراء تورط فى الفساد .؟ الإجابة عندك أنت.

ألم نكن نبكى كل عام الآلاف ممن يموتون على الأسفلت ونتباكى فى وسائل الإعلام، وننسب الجانب الأكبر منها لسوء حالة الطرق.؟ 

نعم كانت الطرق السيئة سبباً مباشراً حسب الخبراء فى 40% من أسباب حوادث الطرق، ألم يتم تطوير وإنشاء أكثر من ثمانية آلاف كيلومتر فى طول البلاد وعرضها بتكلفة بلغت أكثر من 175 مليار جنيه ..الإجابة عندك أنت.

هل عشنا سنوات كثيرة نعانى من انقطاعات للتيار خاصة فى المناطق الفقيرة أو القرى، تحت مسمى تخفيف الأحمال، حتى تفاقمت الأزمة فى سنة حكم العصابة..وزادت ساعات الانقطاع، وخرج رئيس وزراء الإخوان علينا بتصريح قطونيل الشهير ..؟.

ألم يتم تنفيذ ثورة تكنولوجية فى قطاع الكهرباء ، وتمت مضاعفة الإنتاج من محطات تعمل بالوقود ومن الشمس والرياح وحتى الطاقة النووية.. فنسينا ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة، واختفى لفظ تخفيف الأحمال.. نعم الأسعار زادت، لكن مع الترشيد يمكن التحكم فى الفاتورة لسلعة موجودة بشكل دائم..الإجابة عندك أنت.

هل تذكرون صخرة المقطم التى انهارت على بسطاء هربوا من أزمة إسكان فى حضن الجبل ضمن عشرات من مناطق عشوائية كثيرة.. ألم يتم محوها من الخريطة ونقل سكانها إلى مناطق تليق ببشر ..؟ الإجابة عندك أنت. 

هل تذكرون طوابير الخبز التى كان يسقط فيها قتلى وجرحى جراء فعل الزحام.. ألم يتم القضاء عليها بمشروع الخبز ونقاطه..الإجابة عندك أنت. 

هل نسينا أزمات الوقود مع بداية كل شتاء، وتبدأ دولة لا يدرك حكامها قدرها، ويتسولون من الأشقاء والأصدقاء لضخ شحنات البترول والبوتاجاز.. هل انتهت إلى غير رجعة بفعل إنتاجنا الذى بات كافيا أو أقرب إلى الكفاية ؟ الإجابة عندك أنت.

هل نسينا مشروع إنقاذ قناة السويس من المشروعات البديلة فى المنطقة، والتى جاءت أفكارها بسبب طول فترة العبور من القناة.. ألم يتم تنفيذ الازدواج فى زمن قياسي، وانزعج العدو من التمويل الفورى للشعب للمشروع والذى تم تطويره بإضافة أنفاق تربط سيناء بالوادى ؟ 

 ألا تشهد سكك حديد كانت مثار تندر وسخرية من الشعب على تهالكها فى السنوات الأخيرة ثورة تحديث تتكلف أموالا طائلة وبدأ الشعب يشعر ببشائرها  ..وخلال عامين ستكون كتلك الموجودة فى بلاد العالم المتقدم ؟ .

 ألم نكن نتباكى سنوياً على وصول الدعم للقادرين مثل محدودى الدخل على حد سواء ..أغلبنا كتب عن السيارات الفارهة التى تستخدم الوقود المدعوم ..ألم يتم ترشيد ذلك الدعم.. وإعادة إنفاقه على حصص تموينية ومشروعات إصلاح اجتماعى لغير القادرين ..؟ .

هل تذكرون ما كنا نكتبه عن تقارير منظمة الصحة العالمية عن إصابة 12% من الشعب بفيروس سى القاتل..ألا تشهد بعينيك مئات الآلاف بل الملايين الذين وفرت لهم الدولة الدواء بالمجان لغير القادرين، وبأسعار رخيصة للجميع.. حتى بات بعض الأشقاء يأتون إلى مصر للعلاج.. وأعلنت منظمة الصحة العالمية نجاح التجربة وتعتبرها نموذجاً تطالب دول شرق آسيا بإتباعها.

ألم تسمع بقرار ثورى لا يقدر عليه إلا المخلصون للشعب والقسم الذى ما زال يتردد صداه في أذنى، «أن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة»  إطلاق مشروع القرن بتنمية الريف المصرى بالكامل خلال 3 سنوات.. عمل جبار انطلق في كل بقعة على أرض مصر.. ورئيس يرى أن المصريين هم كل الشعب وليس طائفة أو فئة منه فقط.

ألم تسمع بآذان رأسك توسلات دول مارست البلطجة السياسية علينا لسنوات، تطلب الصفح والسماح علانية وعبر الشاشات.. مصر بدأت في النهوض من ثباتها، وهذا النهوض يحتاج إلى عقول واعية ورجال مخلصين، حتى لا يجرنا أحد إلى معارك جانبية صنعوها بدقة لنتعثر من جديد .
                                     
قائمة الإنجازات التى تحققت يطول سردها ويصعب حصرها، ولكن يبرز السؤال كيف نحمى إنجازاتنا ونواصل البناء دون بذل مجهود مضاعف للصد والرد للهجمات ..؟

مرة أخرى أعود إلى روايات سمعناها عن التفكير بطريقة جديدة أطلقها داهية الغرب  هنرى كيسنجر، فبعد جولاته المكوكية فى الشرق الأوسط لتنفيذ وقف إطلاق النار عقب نصر أكتوبر.. وفى رحلة العودة على الطائرة من تل أبيب إلى واشنطن.. سأل كيسنجر مساعديه.. أظنها ليست نهاية الحروب بين مصر وإسرائيل.. فماذا يحدث لو كانت الجولة القادمة نووية ؟، رد مساعدوه .. سيتم محو إسرائيل.. ومصر ستضرر بشكل كبير.. قال يعنى ستزول إسرائيل وستبقى مصر ولو نصفها ..». 

هذا النقاش كان البداية لفرض نوع جديد من أدوات الصراع، بأسلوب الاحتراق الذاتى.. وتقاطر إلى بلدان المنطقة عشرات ومئات الباحثين فى كل العلوم .. يجمعون التناقضات والاختلافات العرقية والطائفية وتلك كانت نواة ما عرف فيما بعد القوة الذكية..فلم يعد كافيا أن تمتلك القوة الخشنة أو الناعمة.. يجب علينا التسلح أكثر بسلاح العصر وهو  القوة الذكية.

القوة الذكية باختصار هى تحقيق الانتصار على العدو، عن طريق ابتكار أدوات قتال من المجتمع الذى تستهدفه، واستحداث أوراق ضغط من لاشيء تقريباً فى مفهمومنا.

انتصرت أمريكا على الاتحاد السوفيتى ودول حلف وارسو دون إطلاق صاروخ واحد، سقط الحلف الأقوى.. بفعل خليط من القوة الناعمة والقوة الذكية الجديدة التى لم يكن الشرق قد فطن إليها.. ثورات من نوع جديد اجتاحت كل دول حلف وارسو المعادى للغرب..سقط  كقطع الدمينو .

ولفهم ما يدور في بلاد شقيقة ذهبت ولن تعود كما في لبنان والعراق مثلاً رغم ديمقراطيتها الظاهرة.. يلخصها كتاب تشريح الثورة.. للمؤرخ الأمريكى يرى أن مراحل التمهيد للثورات تبدأ بإيجاد تنافر طبقى ويتحول إلى صراع يشتعل بين الطبقات.. فتحدث الثورة ويقفز المتطرفون عليها.. ويبدأ حكم الإرهاب..وكأنه كان معنا فى ميدان التحرير.. أتذكرون ال70 مليار دولار ثروة مبارك..وانطلاق الكذبة على لسان المرحوم هيكل..لتنشرها صحف عالمية ويروج لها الإخوان لتشعل الغضب وتذهب عقول الفقراء.. وبعضهم كان يصدق أن الثروة سيتم استردادها وتوزيعها فى الميدان.

وكأنه  المؤرخ الأمريكى «برينتن» كان معنا فى مصر.. ركب الإخوان الثورة.. سرعان ما فقدت الثورة بريقها، ولا يساندها الشعب وتتفاقم الأزمات ثم يعود الهدوء ببطء وتتم محاسبة المتطرفين وتدخل البلاد فترة الانتعاش ويتولى السلطة حاكم مركزي قوي، ويخلص المؤرخ الأمريكى أن معظم الثورات تعود من حيث بدأت وتنشأ بعض الأفكار الجديدة وتطبق بعض الإصلاحات ويمحى أسوأ ما في النظام القديم.

هذا تقريبا ما نعيشه الآن.. لكن ما أخشاه أن نكون دخلنا مرحلة استرخاء مبكر، وطمأنينة من البعض، الذى ظن أن عدوا تم سحقه سيترك بلداً قوياً يعود ليهمين على الغاز والطاقة فى الشرق..بلدا أعاد بناء جيشها بشكل بات رادعا للإقليم ..وهو الأقوى فى المنطقة.. وأذكر فى أحد أيام شهر يوليو قبل عامين، وفى بيت السفير الروسى الراحل.. وأنا أقول له.. الروس صديق وفى لكنه يرهق أصدقاءه، عكس الأمريكان.. فكان رده فى وجود كثير من الصحفيين المصريين والروس.. ليه مابتعلنوش عن السلاح اللى بيقدمه الصديق الروسى «المجهد» قالها رحمه الله وعلى وجهه ابتسامة ذات مغزى. 

ولحماية الإنجاز.. ليس فقط علينا صد الهجمات فهوغير مضمون النجاح على الدوام.. علينا فورا تنفيذ «وقفه تعبوية» بلغة الجيوش، نعيد تقييم الواقع الذى يصوره بعضنا على أنه مؤلم.. ويتاجر الكثيرون بمعاناة الفقراء لإحداث التنافر الطبقى الممهد لموجة ثورة يتوهمها العدو.

فى الميديا والسياسة كما هو منطق فتوات زمان، الكف السابق سابق.. تحملنا الكثير من الأخطاء، بعضنا توارى إما غضبا عن مكسب لم ينله، أو حفاظا على كرامة مستها تراهات البعض.

نظرة إلى الواقع من خلال الوقفه التعبوية، نجد أن لدينا أناس اجتهدوا، لكن سرعاتهم كانت أقل.. وكفاءتهم لم تساعدهم على سباق التنمية، فى كثير من المجالات. 

علينا أن نحدد أولويات المرحلة، فالحلول باتت ممكنة وتباع على قارعة الطريق.. وتعقبها قرارات الإصلاح  لحماية الإنجاز الهائل الذى تحقق، وضخ دماء جديدة ومنح الفرص للشباب المفعم بالطاقة العقل الجديد.

كتبت أكثر من مرة أطلب من وزير التعليم العالى إنشاء فرق من طلبة الجامعات كل فى تخصصه.. الأطباء يسهمون ويتابعون كل المشروعات الطبية.. وقوافل المسح الطبى ومبادرات الرئيس التى لا تتوقف ..ولكن لا حياة لمن تنادى.

كتبت بتكوين مجموعات من طلبة كليات الهندسة وهيئات تدرسيها ..تتولى متابعة كل المشروعات  حتى يشعر الشباب  بما يدور حوله ..ونكرر تأسيس هذه المجموعات من كل الجامعات وفى جميع التخصصات.

لماذا لا تؤسس الدولة مثلا شركات مقاولات صغيرة لخريجي الهندسة وتلقى الدعم وتحصل على المشروعات بالأمر المباشر.. كل عشرة من خريجى الهندسة تطلق لهم الدولة مشروعا..سيكون لدينا آلاف الشركات.. ولو نجح منها النصف سيكون لدينا نخبة جديدة في قطاع المال والأعمال، نخبة مؤمنة ببلادها ...لماذا لا نصنع قطاعا خاصا وطنيا.. عموده الفقرى من الشباب، والخريجين الجدد.. مزارع مستشفيات مصانع.

علينا تنظيم رحلات لتلاميذ المدارس إلى أرض معارك التنمية و كل المشروعات الكبرى والمصانع ومحطات الكهرباء.

باختصار علينا إشراك الأجيال الجديدة فيما يحدث من ثورة تنموية على أرض بلادنا، وليس من رأى كمن سمع، حتى يستطيعوا الرد على هجمات ستزداد في الأيام والسنوات المقبلة .

أخيرا .. نحن الآن في أمس الحاجة لصناعة نخبة جديدة ترافق الانطلاق ، تحميه وتدافع عنه، صونا لثروات وطن ومستقبل أجيال.

علينا جميعاً أن نضم الصفوف خلف رجل عظيم بارا بقسمه تولى المسؤولية.. جسورا في القرارات المصيرية.. مخلصا في صون كرامة الوطن والمواطن.
الحلول كثيرة.. الأهم فى تنفيذ الأفكار فى وقتها.. البطء كثيراً ما يكون سبباً فى خسارة معارك الأمم.