المعلومات المضللة.. وبــــاء يهدد اللقاحات

بايدن يطلب من «وادى السيليكون» خوض الحرب معه

بايدن يتلقى التطعيم ضد فيروس كورونا
بايدن يتلقى التطعيم ضد فيروس كورونا

دينا توفيق

ضرورة يفرضها الواقع المرير.. مخاطرة لا أحد يعلم نتائجها، لكن لا مفر ولا مهرب.. العالم يتألم والبشرية مهددة، تتساقط أرواح وأخرى تأن ألماً.. ظهور اللقاحات يمكن أن يقلل من مضاعفات هذا الوباء وتحد من انتشاره، ما جعل عملية التطعيم أمراً حتمياً. عادةً، تستغرق عملية التوصل إلى لقاح آمن وفعال عدة سنوات، لكن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA ووكالة الأدوية الأوروبية EMA أصدرتا «تصاريح استخدام الطوارئ»، لاختبارها على نطاق واسع بوصفها لقاحات تجريبية ولم يتم الموافقة على استخدامهما بشكل نهائى، مثل تلك التى حصل عليها لقاح "جونسون آند جونسون" مؤخراً، ليصبح الثالث المضاد لفيروس كوفيد-19 وأعطى له الضوء الأخضر لبدء عمليات التطعيم.

تعتبر هذه اللقاحات التجريبية تطورًا تاريخيًا، إلا أن هناك اتجاها عالميا أوسع من التردد والتشكيك عندما يتعلق الأمر بالدفع الكبير الحالى "للتطعيم الجميع"، وقيود الإمداد للجرعات فى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، وإصابة بعض من تلقوا جرعة أو اثنتين من لقاح كوفيد-19، ووفاة آخرين، فى العديد من الدول مثل الولايات المتحدة والنمسا والنرويج وبريطانيا وغيرها. وما زاد الأمر ارتباكا، إعلان وزارة الصحة اليابانية إنها ستمنح نحو 408 آلاف دولار إلى عائلة أى شخص يتوفى نتيجة لقاح كورونا، أو 47 ألف دولار فى حالات الإعاقة طويلة الأمد من أخذ اللقاح، وفقاً لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية. وعرضت الوزارة التعويضات عن أى نوع من التطعيم، ليس فقط للقاحات كورونا ولكن تم تسليط الضوء عليه مؤخرًا فى اجتماع الميزانية من قبل وزير الصحة الياباني، "نوريهيسا تامورا"، حسب ما ذكرته وكالة "كيودو" اليابانية للأنباء.
ولم ينتهِ التخبط فى القرارات المتعلقة باللقاحات عند هذا الحد، لكن المفاجأة كانت تصريح "بيل جيتس" مؤسس شركة "مايكروسوفت"، حيث أعلن حاجة الأشخاص الذين حصلوا بالفعل على جرعتين من اللقاح الحصول على جرعة ثالثة، وأرجع ذلك بسبب الطفرة الجديدة من فيروس كورونا، فى مقابلة مع شبكة «CBS» نيوز الأمريكية، وأكد أن جميع الشركات الأمريكية الخمس التى تنتج لقاحات تبحث فى إجراء هذا التعديل." وأعلنت شركة "فايزر" أنه تتم دراسة جرعة معزَّزة بين الأشخاص الذين تلقوا جرعاتهم الأولى من اللقاح منذ أكثر من ستة أشهر. وفى مقابلة مع شبكة «NBC» نيوز الأمريكية، قال الرئيس التنفيذى للشركة "ألبرت بورلا"، إن الأمل فى مواجهة الوباء يستلزم التطعيم السنوى بلقاح كورونا، مثل تطعيم الإنفلونزا.
ووجدت استطلاعات الرأى الأخيرة فى الفترة من 16 إلى 21 فبراير 2021، أن 30% ممن شملهم الاستطلاع، قالوا إنهم لا يخططون للحصول على للقاح مع تقديم أسباب مختلفة لرفضهم. حيث أعرب نحو 89% عن قلقهم بشأن الآثار الجانبية، وقال 85% إنهم يعتقدون أن اللقاحات تم تطويرها واختبارها بسرعة كبيرة. فيما أعرب 80% عن حاجاتهم لمزيد من المعلومات حول مدى جودة عمل اللقاحات، وقال 74% إنهم يشعرون بالقلق بعد رؤية الكثير من الأخطاء التى ارتكبها نظام الرعاية الطبية فى الماضي، بينما أعلن 68% عدم حاجاتهم إلى اللقاح، وفقا لما نشرته مجلة "نيوزويك" الأمريكية. إذا تم تطبيق هذه الإحصائيات، فهذا يعنى أن 76.5 مليون بالغ لا يخططون للتطعيم، وتم إجراء الاستطلاع من قبل مركز "بيو" للأبحاث مع الإعلان عن هامش خطأ يزيد أو ينقص 1.6%.
وفى الولايات المتحدة، بعد أكثر من شهرين من بدء عملية توزيع اللقاحات ضد "كوفيد-19"، أصبح واضحاً للكثيرين أن خبراء الصحة- وعلى رأسهم كبير خبراء الأمراض المعدية أنتونى فاوتشي- والمسئولين عن نقل اللقاحات والسلطات، كانوا على خلاف مع بعضهم بعضاً بسبب الأخطاء وسوء التواصل والتنسيق وانعدام الثقة التى أرجعوها إلى سوء إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، بينما يحاولون الآن التغلب على مجموعة متشابكة من التحديات اللوجستية من أجل تدشين حملة صحية غير مسبوقة بدءا من الصفر. ورغم ذلك أتت تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن مغايرة تماما عن المعلومات المنشورة فى تقرير الوقائع للمتلقين ومقدمى الرعاية فيما يتعلق بلقاحات "فايزر"-"بيونتيك" و"مودرنا" التجريبية لفيروس كورونا، المتوفرة على الموقع الإلكترونى الخاص بمركز مكافحة الأمراض والوقاية منها التابعة للحكومة الأمريكية «CDC»، ما يزيد حالة الارتباك وعدم الثقة.
وكان الرئيس الأمريكى أوضح فى تغريدته يوم 22 فبراير الماضى عبر موقع التواصل الاجتماعى "تويتر"، أن اللقاحات التجريبية لفيروس كورونا جميعها آمنة. ووفقًا للتقرير الخاص بلقاح فايزر ومودرنا، فإن اللقاح قد يمنع الإصابة بالفيروس، لكن لا يوجد لقاح معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للوقاية من المرض. وقد تحدث آثار جانبية خطيرة وغير متوقعة، نظرا لأن اللقاحات لا تزال قيد الدراسة والتجارب السريرية. وتعترف الإدارة الأمريكية بوجود عواقب صحية سلبية محتملة لأخذ اللقاحات التجريبية. وعلى عكس بايدن الذى يطلب من الجميع سرعة أخذ اللقاحات، فإن التقارير المتعلقة بالشركات حول اللقاحات توضح صراحةً أن بعض الأشخاص لا ينبغى أن يتلقوا اللقاح؛ مثل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما، وكذلك الأشخاص الذين لديهم "رد فعل تحسسى شديد بعد جرعة سابقة من هذا اللقاح" (كلا اللقاحين لهما نظام حقنتين) أو "لديهم رد فعل تحسسى شديد تجاه أى مكون"، وغيرهم.
ووسط كل هذه المخاوف بسبب انتشار المعلومات وتضاربها، ووفقا لمقال نُشر فى صحيفة "نيويورك بوست"، تتحد إدارة بايدن مع "Big Tech" لقمع "المعلومات المضللة" للقاح، وإطلاق حملة لإسكات منتقديه بدلًا من المواجهة بحملات توعية. ويطالب البيت الأبيض شركات وسائل التواصل الاجتماعى بتضييق الخناق على المناقشات التى تنحرف عن معلومات حول الفيروس واللقاحات كجزء من "جهود الحرب" التى يبذلها الرئيس الأمريكى للتغلب على فيروس كورونا. وقال كبير موظفى البيت الأبيض رون كلاين، فى تصريحاته لـ"رويترز"، إن إدارة بايدن تطلب من فيسبوك وتويتر وجوجل المساعدة فى منع انتشار المعلومات المضللة والمخاوف من اللقاحات، حيث يظهر عدم الثقة فيها والتردد بشأنها كعائق رئيسى فى مكافحة الفيروس القاتل، وعقبة كبيرة أمام تلقيح الجميع.
وبالفعل بدأ تويتر فى تطهير موقعه من المعلومات الخاطئة واستهدافها باستخدامه لعلامات التحذير على التغريدات التى تحتوى على تفاصيل مضللة حول لقاحات فيروس كورونا. كما فعل "فيسبوك" فى أوائل فبراير باللجوء إلى إطلاق برنامج "تقصى الحقيقة" بحجة التحقق من صحة المعلومة وتنقية الأخبار. وأزال تويتر أكثر من 8400 تغريدة ويتعقب أكثر من 11 مليون حساب آخر منذ بدء الحملة. وقد يؤدى التحذير مرتين إلى إغلاق الحساب لمدة 12 ساعة، و12 ساعة أخرى للمخالفة الثالثة، وعقب أربع مخالفات سيتم غلق الحساب لمدة أسبوع، يليها تعليق دائم لخمس تحذيرات أو أكثر.
وانضمت إلى الحملة أيضًا منصات مثل انستجرام وتيك توك فى إضافة روابط وتسميات إلى أى معلومات حول الجائحة، فإن ذكر مصطلح "كوفيد-19" سيحصل على منشور مصحوب بعلامة تحذير ورابط لمعلومات دقيقة من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وفى وقت سابق من الشهر الماضي، تم إلغاء حساب المحامى والناشط الأمريكى روبرت كنيدى جونيور، نجل شقيق الرئيس الأمريكى الراحل جون كنيدي، عندما أعرب عن شكوكه بشأن الفوائد الصحية للقاحات، وتقنية التعديل الوراثى للأغذية «GMO» وقلل من مخاطر الفيروس، دون إشعار مسبق بسبب ما زعمت وسائل الإعلام أنها "ادعاءات كاذبة حول الجائحة" أو "معلومات مضللة عن اللقاح" ووصفت بعض تقارير كنيدى بأنها "مناهضة للتطعيم".
ووفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن انتشار المعلومات الخاطئة وكيفية التعامل معها على هذه المنصات يؤكد التأثير الهائل لعمالقة التكنولوجيا على قضايا الصحة العامة والديمقراطية والقرارات المتعلقة بحرية التعبير؛ لذا يجب أن يكون هناك بعض المخاوف الديمقراطية حول كيفية تمتع هذه الشركات بقدر كبير من السيطرة للسماح بالمناقشة حول قضية بعينها أو لا بدون أى نوع من المساءلة الديمقراطية الحقيقية.
فيما أشار الصحفى الأمريكى جيسى أونيل، إلى أن الأخبار الصادرة من واشنطن تعد أول علامة على أن المسئولين يتعاملون بشكل مباشر مع وادى السيليكون فى فرض الرقابة على مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعي. وتعهد قادة وسائل التواصل الاجتماعى بسحق "المعلومات المضللة" المضادة للقاحات على منصاتهم، لكن انتشار مثل هذا المحتوى استمر. وانتقد سيناتور كونيتيكت ريتشارد بلومنتال هذه المنصات على البطء فى التحرك تجاه المعلومات التى يمكن أن تمثل انتكاسة فى الجهود للقضاء على هذا الوباء القاتل. ولم يعلق جوجل التابع لشركة Alphabet Inc على مشاركته السياسية ولكنه يعمل على التصدى للأخبار المزيفة.