«لتدمير تراث الدول».. كاتب بريطاني يفجر قضية «إحراق الكتب»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

على مر العصور تعرضت المعرفة الإنسانية لهجمات عديدة استهدفت محوها، وأتت نيران الجهل على العديد من المكتبات والسجلات والمخطوطات منذ الأزمنة القديمة وحتى العصر الراهن.

اقرأ ايضا|البيت الفني للمسرح يكرم الفنانين من ذوي الاحتياجات الخاصة الشهر الجاري

وفي كتابه "إحراق الكتب: تاريخ الهجوم على المعرفة"، يروي الكاتب البريطاني ريتشارد أوفندن مدير مكتبات البودليان الشهيرة في أكسفورد والمسؤول الـ25 الذي يشغل المنصب التنفيذي الأول في مكتبة جامعة أكسفورد منذ عام 1987م، تاريخ إحراق الكتب والمكتبات والمخطوطات والهجوم على المعرفة، متنقلا في أزمنة ومدن مختلفة بينها الأندلس وبغداد وواشنطن وغيرها.

 

وعمل «أوفندن» في عدد من الأرشيفات والمكتبات المهمة، بما في ذلك مكتبة مجلس اللوردات، والمكتبة الوطنية في إسكتلندا (بصفته أمينا للمكتبة)، وفي جامعة إدنبرة حيث كان مديرا لمجموعات تؤرشف تاريخ تدمير المعرفة المسجلة على مدار 3 آلاف سنة الماضية.


 
يقول المؤلف إن الحفاظ على شعلة المعرفة كان أمرا معقدا، ويشير إلى أن سجلات بلاد ما بين النهرين اُحتفظ بها في المعابد، وبحلول عام 1254م خزّنت السجلات في عهد ملك فرنسا فيليب أغسطس في مجموعة غرف مبنية لهذا الغرض في موقع مصلى سان شابيل بباريس، وفي المقابل استخدمت الوسائط الرقمية لحفظ التراث في العصر الحديث.

وتحدث ريتشارد أوفندن في كتابه عن المكتبات الأسطورية ويذكر نموذج مكتبة الإسكندرية، التي يقول إنها لا يزال يُنظر إليها بالمُخيلة الغربية على أنها أعظم مكتبة في الحضارات القديمة.

 

ويقول الكاتب لقد خزنت بها معرفة العالم كاملة لتضم 500 ألف مخطوطة، موضحا كيف قام الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر بإشعال حريق بأسطول بحري في البحر المتوسط إلى أن وصلت النيران إلى مكتبة الإسكندرية الكبرى عام 48 م.

 

ويقول «أوفندن» في الكتاب، إن الحرائق كانت من الحوادث الكبرى التي فقدت فيها العديد من الكتب، ومنها حريق المكتبة الإمبراطورية في روما عام 192 ميلادي، إذ "دمرت النيران المخطوطات الأصلية التي حوت نسخة العلماء الشهيرة من أعمال هوميروس، وهو أحد المؤلفين المؤثرين في العصر الكلاسيكي (وربما في كل العصور)".

 

ويوضح ريتشارد أوفندن أنه كان هناك أكثر من 70 مكتبة في إسبانيا الإسلامية، ولم يعرف العالم أمة أحرقت كتب غيرها من الأمم أكثر من إسبانيا.

 

ويستعرض ريتشارد أوفندن، نماذج من عمليات إحراق الكتب، حيث يقول إن بيت المعرفة الذي بناه في عام 991م الفارسي صبور بن أردشير، كان يحتوي على أكثر من 10 آلاف مجلد عن مواضيع علمية، لكنه دُمر في منتصف القرن العاشر.

 
ويرد في الكتاب قسوة الغزوات والتدمير المغولي في العراق، خصوصا أيام غزو تيمورلنك (1239-1400م)، حيث هدمها وأحرق مكتباتها، ولا سيما مكتبة بيت الحكمة في بغداد عام 656هـ، وهي أكبر مكتبة في العالم، حيث رمى أطنان الكتب والمراجع في النهر حتى اصطبغ باللون الأحمر.

 
ويتتبع المؤلف الحديث عن عمليات إبادة الكتب والمخطوطات، فيقول إنه في أثناء الحرب البريطانية الأمريكية 1812-1814م، هاجم البريطانيون واشنطن، وأضرموا النار بالبيت الأبيض ومبنى البرلمان الذي كان يحوي مكتبة الكونجرس المملوءة بالكتب القيمة، حيث احتُقر البريطانيون جدا بسبب فعلهم الهمجي، وحين "سطعت" وجوه الجنود باللهب قال أحد أولئك الجنود "لا أتذكر أنني شهدت في أي فترة من حياتي مشهدا أشد أسرا أو مهابة".

 

ويبيّن الكاتب أن الولايات المتحدة كانت قد شنت هي الأخرى هجوما على المدينة البريطانية يورك (حديثا تورنتو) في أبريل 1813م، أدى إلى إحراق المكتبة في مباني السلطة التشريعية.

ويتابع «أوفندن» أنه تم حريق الكتب النازي لأكثر من 20 ألف كتاب أمام عيون الجميع، لمجموعة من أعمال كتّاب ألمان شهيرين في ساحة أوبرا برلين، ويؤكد الكاتب أن صعود هتلر للسلطة في 10 مايو 1933م كان مجرد تمهيد لما يمكن أن يُعد أكثر عمليات إزالة الكتب من الوجود تهيئة وتجهيزا عبر التاريخ.

 

ويقول المؤلف "بالعراق أثناء الغزو الأمريكي في أبريل 2003 لم يتم تدمير معظم السجلات المهمة، بل نُقلت إلى الولايات المتحدة". 

 

أًمَّا المعلومات الأكثر إثارة التي ذكرها ريتشارد أوفندن في كتابه، فإنها تلك التي تتعلق بالهجوم بواسطة القنابل والقذائف الحارقة على المكتبة الوطنية والجامعية في البوسنة والهرسك، والتي تأسست عام 1945، حيث كانت توجد في مبنى يطلق عليه اسم فياشنيكا (دار المدينة) على يد المليشيا الصربية أثناء حصار سراييفو في مساء 25 أغسطس 1992، يقول أوفندن -دون مواربة- "كانت المكتبة هي الهدف الوحيد للهجوم".

 
ويتابع "تم إحراق هذه المجموعة المؤلفة من مليون ونصف المليون كتاب ومخطوطة وخريطة وصورة وغيرها من المقتنيات"، ويوضح استغرق احتراق المكتبة بالكامل 3 أيام (من 25 وحتى 27 أغسطس). 


ويؤكد الكاتب أنها كانت جزءا من عملية إبادة منظمة بدقة متناهية، هدفها الأقصى محو الآثار المادية للوجود الإسلامي في البلقان والذي يعود بجذوره إلى عدة قرون.