إنها مصر

يوم الشهيد

كرم جبر
كرم جبر

أتذكر أن وزير الحربية الأسبق الفريق محمد فوزى حكى لى عن كيفية استشهاد رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الفريق عبد المنعم رياض، والقصة تصلح أن يكون عنوانها "وطن يحيا بالشهداء".

كان اليوم هو 9 مارس 1969، عندما ذهب القائدان الكبيران إلى الجبهة للوقوف على استعداد القوات المسلحة للحدث العظيم الذى تنتظره مصر كلها، يوم تحرير سيناء من دنس الاحتلال.

لم يعبآ بالتحذيرات واندفعا على حافة القناة، وفجأة حدثت غارة إسرائيلية أدت إلى تفريغ الهواء، ولم يكن فى جسد الشهيد جرح واحد، وإنما تحول إلى اللون الأزرق، بسبب انفجار الشعيرات الدموية تحت الجلد، بسبب ضغط الهواء.

قال الأطباء وقتها إن النزيف ينتج انفجار الأوعية الدموية القريبة من الجلد، ثم تظهر بقع تحت الجلد، تتحول إلى اللون الأزرق بمرور الوقت بسبب نقص الأكسجين.

استشهد الفريق عبد المنعم رياض وسط ضباطه وجنوده دفاعاً عن سيناء الغالية التى ارتوى كل شبر فيها بالدماء والتضحيات وأرواح الشهداء، وكانت هى صرخة الإلهام للعبور العظيم.

ولم تنقطع تضحيات الشهداء واستمرت تحمى الحياة من أعداء الحياة، وبعد تحرير سيناء الغالية ابتليت سيناء بمن هم أخطر من الاحتلال الإسرائيلى.

الإرهاب الغادر.

تصور أهل الشر أن أرض الفيروز يمكن أن تكون وطناً لهم، يجتمع فيها كل الإرهابيين من مستنقعات الدم والنار فى مختلف مناطق العالم.. ولكن مصر لم تحرر سيناء من إسرائيل لتتركها للإرهابيين.

واستمرت التضحيات يوماً بعد يوم، وشبابنا الذى سطر بدمائه ملحمة العبور العظيم، أقسم بالله ألا يترك شبراً فيها تحت دنس الاحتلال، وفتش عن الإرهابيين فوق الأرض وتحتها، وتمكن من هدم بنيتهم التحتية، وتقويض وجودهم.

الإرهاب لم يكن فى سيناء وحدها، بل حاولوا مد رقعة النار إلى مزيد من المدن المصرية، فتصدى لهم رجال الجيش والشرطة فى معارك طويلة النفس، ولم يفقدوا الثقة أبداً فى أن الإرهاب سيندحر يوماً ما.

الحمد لله، أننا ننعم الآن بالأمن والاستقرار، وعاد الهدوء إلى ربوع البلاد، والفضل فى ذلك لشهدائنا الأبرار الذين لم يبخلوا بأرواحهم.

إذا سألت إرهابياً: ما هى قضيتك غير أن تكون عدواً للحياة وتزرع الموت والدماء؟ أما شهداؤنا الأبرار فلهم وطن يدافعون عنه، ولهم أهل وأقارب وأصدقاء، وأرض لا يقبلون أن تعيش تحت التهديد لحظة واحدة.

ألم تروا آباء وأمهات وأقارب الشهداء، وهم يودعونهم فى جنازات مهيبة تفتت الصخر فى القلوب، وفى وجوههم علامة الصلاة والتقوى والخشوع، وأحزان أثقل من الجبال، لفقدان زهرات عمرهم وثمرة تضحياتهم.

هم أحياء عند ربهم يرزقون، فلم يكونوا يوماً إلا مدافعين عن أوطانهم، وشتان بين من يضحى من أجل بلده، وبين من يهدد حياة أبناء بلده.

فى يوم الشهيد، لا تنقطع التضحيات يوماً، ومع كل شهيد تزدهر الحياة، ويستمر العطاء.