العراق وبابا الفاتيكان.. من هنا يشرق الإعمار

د. خالد قنديل
د. خالد قنديل

بقلم: د. خالد قنديل

ما من شك فى أن زيارة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان للعراق يوم الجمعة أمس الأول والممتدة حتى غد، سيكون لها من الآثار الإيجابية والدلالات الموحية الكثير والكثير، وسوف تنعكس بالإيجاب على الشأن العراقى الراهن الذى يسعى فيه أبناء بلاد الرافدين لاستعادة بلادهم من رماد الحروب والدمار، وفى ظل مساعى الإعمار الحثيثة تكون هذه الخطوة المهمة بمثابة وثبة فى طريق إعمار الروح العراقية، وقفزة دافعة لإعمار الحياة المجتمعية ومن ثم المدنية.

وتعد هذه الرحلة هى الأولى فى التاريخ لحبر أعظم إلى العراق، كما أنها الأولى للبابا فرنسيس خارج الفاتيكان منذ تفشى وباء كورونا، لذا فإنها تحمل فى طياتها رسالة تسامح ومحبة وسلام، كما تأتى دعمًا فاعلا وقويا لشعب العراق الذى عانى ويلات الحروب والإرهاب سنوات طويلة، وبالتالى فهى زيارة تمثل حجر أساس كبير فى أول بناء بحياة الإعمار الجديد للعراق بعد الحرب وويلاتها، لأنها تمثل فى مقام آخر تحفيزًا للمهتمين على تقديم المساندة اللوجستية والمادية، خاصة أنها تأتى بالتزامن مع انطلاق عجلة إعمار ما دمر من كنائس أثرية وتاريخية فى الموصل وبغداد.

وكما أن هذه الزيارة للبابا إلى العراق تعد رسالة احتضان للشعوب الجريحة تحت وطأة الحروب والانقسامات، فهى أيضا تعد امتدادا لـ"وثيقة الأخوة الإنسانية" التى وقعها وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بأبوظبى فى فبراير من العام الماضي.

إنها زيارة يشهدها التاريخ الحديث لدلالاتها الرائعة نحو بلد وشعب كبيرين وتاريخيين، فبابا الفاتيكان ليس شخصية اعتبارية وحسب، بل هو رئيس دولة، مما يؤكد الأبعاد السياسية التى تشتمل على ترسيخ مسيحيى العراقيين بأراضيهم فى ظل تجديد العهد لدى الشعب العراقى بنبذ التعصب والتطرف والاقتتال الطائفى وغيرها مما يهدد مستقبل البلدان، وهذا المعنى هو ما تضمنته كلمة الرئيس العراقى برهم صالح فى كلمته بعد استقبال البابا، حيث أكد أن العراقيين يفخرون بتاريخ طويل من التعايش الديني، وهم الذين عاشوا أكبر حرب ضد الإرهاب فى العقدين الأخيرين، ومسيحيو العراق وقفوا بجانب إخوانهم من كل الطوائف وإسهاماتهم الحضارية كانت بالغة الأثر، كما أكد بابا الفاتيكان فى كلمته أنه جاء لتشجيع المجتمع العراقى فى حركة إيمان وسلام وتسامح، وحث الجميع إلى التطلع نحو ما يجمع لا إلى ما يفرق، كما أوصى المجتمع الدولى على هذا الوطن الذى لم تهدأ جراحه بعد، قائلا على المجتمع الدولى أن يقوم بدور حاسم فى تعزيز السلام بالعراق، ولم يفت على البابا يؤكد رسالة العدل فى التعامل مع الجائحة، مؤكدا أن تلك الأزمة تتطلب تعاونًا مشتركًا من الجميع للقضاء عليها، وضمان التوزيع العادل والمنصف للقاح كورونا والذى يشمل الجميع ولكن هذا لن يكفي، مشيرا إلى أن تلك الأزمة تدعو الجميع لتغيير التفكير فى أنماط حياتنا وبمعنى وجودنا.

زيارة بابا الفاتيكان فى العراق الممتدة إلى 4 أيام، تضمنت فى جدول زيارته أربع مدن منها الموصل التى كانت معقلا لتنظيم "داعش" الإرهابي، والتى مازالت كنائسها ومبانيها تحمل آثار الصراع، وكذلك مدينة أور مسقط رأس النبى إبراهيم، وسيجتمع مع المرجع الدينى على السيستاني.

أرض العراق تحظى بمكانة كبيرة فى معتقدات أتباع الديانات السماوية كافة، من خلال الاعتقاد بأنّها كانت مهداً فى الأساس لخلق آدم وحواء، ولأن صورة العراق لوقت ليس قصيرا ارتبطت بالحروب والمجازر والدمار، فإن هذه الزيارة التاريخية للبابا تؤكد تلك القيمة التاريخية الأكبر والقيمة الحضارية والثقافية والإنسانية لبلاد الرافدين التى هى منشأ كثير من العلوم والإبداعات الإنسانية ومهد تشكل الفكرة الدينية لدى الحضارات القديمة.