إنها مصر

تأملات!

كرم جبر
كرم جبر

أتأمل جيداً شكل الحضور وهم يرتدون الكمامات، وكأنهم فى حفلة تنكرية، وزراء ومسئولين وشخصيات عامة ونساء ورجالا.. ومن كان يتصور أن يجىء يوم يختبئ فيه الناس وراء نصف قناع.

كنت أشاهد فيلم "الطيور"، ولا أصدق أبداً أن ضاحية ساحلية فى مدينة سان فرانسيسكو يمكن أن تقع فى براثن أسراب من الطيور التى تهاجمها وتقتل البشر وتثير فى نفوسهم الذعر.. ولكن كورونا فعلت ذلك.

وفيلم "النمل القاتل" الذى يستولى على جزيرة، فى هجوم مخيف لم يسبق له مثيل، ليؤكد أن النمل يمكن أن يسيطر على العالم، وهذا ما تفعله كورونا.

وأفلام أخرى كثيرة تتنبأ بحشرات وكائنات غامضة تهاجم البشر وتنكل بهم وتقتحم مدنهم وقراهم، وتنزل بهم أشد العقاب، وظل خيال السينما يبدع فى البحث عن عدو جديد أكثر عنفاً وشراسة.

حتى جاءت كورونا، ففاقت خيال السينما، ولم تترك صغيراً أو كبيراً ولا أغنياء وفقراء، وساوت بين أكبر دولة فى العالم ودول المجاعة فى إفريقيا، كورونا تجعل الجميع سواسية.

منذ سنوات قالت لى أستاذة علم الفيروسات الدكتورة مديحة خطاب إننا لا نعيش وحدنا فى هذا العالم، بل محاطون بأنواع عديدة من الفيروسات الهادئة، التى تعقد معاهدة تعايش مع البشر، فلا يستفزونها ولا تهاجمهم، ولكن إذا خرق البشر هذه المعاهدة تحولت الفيروسات إلى كائنات شرسة لا يقوى عليها أحد.

لم أصدق أستاذة الفيروسات كما لم نصدق أفلام كائنات الرعب الخفية، ولم نكن نتخيل أن النمل يمكن أن يصبح وحشاً، ولا النحل يمكن أن يتحول صقرا، ولا الذباب يمكن أن يصبح ذئاباً.

حتى جاءت كورونا، فجعلت كل شىء ممكن الحدوث، وساوت بين البشر جميعاً، من الصين حتى أمريكا، ومن الهند حتى زائير، ومن ثرى يسكن قصراً حتى فقير يعيش فى كوخ، ولا أحد يعرف من أين تجىء ولا متى ترحل.

ولا تعترف كورونا بالمستشفيات ولا الأطباء والأدوية، وكل واحد وحظه، فأحياناً تترك من هو فوق الثمانين، وتودى بحياة شاب فى العشرين، وقد تترك مريضاً وتغتال سليماً، فليس لها كتالوج.

أحياناً تجىء فى المعدة أو الجهاز العصبى أو الجلد، ولكن سيئ الحظ هو من تذهب إلى صدره وتصيب الرئتين، فتنتشر بسرعة رهيبة وتتلف كل ما يقابلها، حتى تكون النهاية على جهاز التنفس الصناعى، وحفظنا الله وحفظكم من الموت الرهيب بسبب انسداد الرئتين.

وحصدت كورونا فى العام الأخير مجموعة كبيرة من المشاهير والشخصيات العامة.. فنانين وسياسيين واطباء وإعلاميين وشخصيات عامة، حتى أصبح الموت قريباً جداً من البشر، ولم تعد مفاجأة أن نستيقظ صباحاً أو ننام مساءً على خبر حزين لموت غير متوقع.

حتى الأمصال التى يتصور العالم أنها الإنقاذ يختلفون حولها، ما بين الصينى والروسى والأمريكى والسويدى والإنجليزى.. وعندما تسأل طبيباً متخصصاً لا تجد إجابة شافية، وإن كانوا يقولون أن الصينى هو الأفضل، لأنها الدولة التى ظهر فيها الوباء أولاً.

وعندما سألت هل يمنع اللقاح كورونا الحالية أم المتحورة؟ كانت الإجابة: الله أعلم، فكل يوم تظهر فى شكل جديد وأعراض مختلفة، ويبدو أنها تجىء على مقاس كل شخص تصيبه.

عدت أتأمل شكل الحضور وهم يرتدون الكمامات وكأنهم فى حفلة تنكرية، وقلت لنفسى: كورونا علمت البشرية الأدب.