فى الصميم

التشريع الصحيح.. لا يخلق الأزمات!

جلال عارف
جلال عارف

قرار تأجيل تطبيق قانون الشهر العقارى ـ الذى أثار جدلاً واسعاً ـ لمدة عامين، ارتبط بأمرين مهمين: الأول هو إتاحة الفرصة والوقت لإجراء حوار مجتمعى «لم يتحقق قبل صدور هذا القانون».. والثانى: هو تسهيل عملية التسجيل وأعبائها المالية بفرض قيمة ثابتة مقطوعة ومخفضة حسب نوع ومساحة الملكية بدلاً من الأعباء المالية والتعقيدات الإدارية فى القانون الذى تم تأجيل تطبيقه.
الأمران معاً يعنيان أن القانون المعروض والموقوف تطبيقه لم يحقق الهدف المفترض منه وهو تسهيل عملية التسجيل وتخفيف أعبائها المالية والإدارية لكى ننهى وضعاً تظل فيه ٩٠٪ من العقارات خارج التسجيل، ولكى نؤمن ملكية المواطنين ونعظم استفادتهم منها بلا مشاكل، وأيضا لكى نساعد الدولة فى ضبط السوق العقارى بعيداً عن الاحتيال أو العشوائية. وهو ما يجعل الحوار المجتمعى الجاد والمسئول طريقاً لقانون جديد يحقق المصلحة العامة ويخفف الأعباء عن المواطن وعن الأجهزة الحكومية المختصة، وينهى التعقيدات التى تبقى معظم الثروة العقارية خارج القواعد التنظيمية التى تؤمن الحقوق وتضمن سلامة العقارات وتمنع الاحتيال والعشوائية.
ولعل دروس أزمة قانون الشهر العقارى أن تصل للجميع، خاصة مع تكرار الأزمات التى أثارتها قوانين أخرى مثل قوانين البناء والتصالح، والتى اضطرت أجهزة الدولة لإعادة النظر فيها مع المشاكل التى ثارت فى التطبيق نتيجة لأن الحوار المجتمعى غاب قبل إصدار القانون، أو لأن «المُشرع» لم يستوف ما ينبغى من شروط تضمن أن يكون القانون محققاً للمصلحة العامة، وأن يكون مستوعباً لحاجات المجتمع ولظروف المواطنين وللواقع الذى نعيشه والمستقبل الذى نرجوه.
ما حدث مع قانون الشهر العقارى الأخير يؤكد أن عملية «التشريع» بمجملها تحتاج إلى مراجعة.. فالقوانين تصدر لكى تحقق مصلحة المجتمع والدولة لا لتزيد المشاكل أمام الجميع. والقوانين تصدر لكى يستمر العمل بها وليس لكى نبدأ رحلة تعديلها أو تعطيلها(!!).. ومن هنا فإن درس قانون الشهر العقارى ينبغى أن يكون ماثلاً أمام الجميع، وأن يكون دافعاً لضبط عملية التشريع حتى لا تتكرر ظاهرة القوانين التى تثير الأزمات للمجتمع وللدولة. نقول ذلك وقد بدأ البرلمان فى التعامل مع مشروع قانون الأحوال الشخصية، ومع ضغوط تتزايد لاستصدار قانون جديد للمساكن القديمة المؤجرة يمس أوضاع ملايين الأسر، بل يمس استقرار المجتمع بأسره.
فقط نأمل أن يستوعب الجميع درس قانون الشهر العقارى، وأن يتفهموا جيداً أسباب الأزمة ورسائل الحل، وأن يبدأوا الحوار مع المجتمع قبل أن يصطدموا به!