تحقيق| توحيد الحصص الغذائية.. أزمة تواجه لاجئي غزة في ظل عجز «الأونروا»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

-770 ألف لاجئ فلسطيني بغزة ينتظرهم تقليص الحصص الغذائية

-منسق لجنة اللاجئين: لم يتم إضافة المواليد والأزواج الجدد منذ 15 شهرًا

-خبير بشئون اللاجئين: لا مبرر للتقليص خاصة مع تلويح بايدن بإعادة المساعدات

-باحثة من غزة: اللاجئ الفلسطيني يعيش واقعًا مأساويًا.. وتوجه الأونروا «خطير»

 

تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين من أكثر القضايا المهمة المتعلقة بمسار القضية الفلسطينية، والتي من أجلها أسست الأمم المتحدة قبل أكثر من سبعة عقود وكالة الأونروا، الموكل لها أمور ملايين اللاجئين الفلسطينيين، الذين يتوقون لحقهم في العودة إلى ديارهم وأرضهم المحتلة.

ومن بين نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في مختلف أنحاء الوطن العربي تُشرف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" على تقديم المساعدات لهم، يتواجد نحو مليون و400 ألف لاجئ فلسطيني في قطاع غزة.

ويستند قطاع كبير من هؤلاء اللاجئين على الحصص الغذائية الممنوحة لهم من قبل الأونروا، وذلك لمواصلة العيش في ظروف معيشية صعبة.

وفي المقابل، تواجه وكالة الأونروا عجزًا ماليًا كبيرًا، بدأ مع وقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمساعدات الأمريكية للأونروا في أغسطس 2018، في إجراءٍ عقابيٍ على استبعاد السلطة الفلسطينية لواشنطن من لعب أي دور في عملية السلام في الشرق الأوسط، بعد اعترافها بالقدس عاصمةً لإسرائيل.

ومع تقليص المساعدات المقدمة للأونروا إلى غاية الآن، كان المجني عليهم في ذلك هم اللاجئون الفلسطينيون، الذين وجدوا أنفسهم تحت تهديد تقليص الحصص الغذائية المقدمة لها، وهو ما شرع مكتب الأونروا في قطاع غزة في تطبيقه، ليدخل حيز النفاذ خلال الفترة المقبلة.

70% لاجئون في غزة

ويقول محمود خلف، منسق اللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين، "إن قطاع غزة يسكن فيه مليونان و100 ألف فلسطيني، من بينهم 70% كلاجئين، أي نحو مليون و400 ألف لاجئ فلسطيني في القطاع، يعيشون في ثماني مخيمات للاجئين، وهذه المخيمات هي المناطق الأكثر فقرًا واحتياجًا".

ويضيف خلف، في تصريحاتٍ لـ"بوابة أخبار اليوم"، "إدارة الأونروا يجب أن تكون مسؤولة بشكل كامل عن الخدمات المقدمة لهؤلاء اللاجئين.. الأونروا أُسست من أجل إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي يُقدم لها الأموال من قبل عدد من دول العالم، التي تعهدت بتقديم هذه الأموال من أجل ذلك".

ويتابع قائلًا: "موازنة هذا العام للأونروا تبلغ 850 مليون دولار أمريكي، وعندما يكون هناك تقصير من قبل الدول المتعهدة بتقديم الأموال للأونروا تلجأ إدارة الوكالة  لتقليص خدماتها المقدمة للاجئين بما يتساوى مع الأموال التي تُقدم لها".

ويشير خلف قائلًا: "ومؤخرًا في قطاع غزة كان هناك محاولة لتقليص الخدمات وخاصةً السلة الغذائية، والتي تقدم لمليون و400 ألف لاجئ، وهم مقسمون إلى قسمين، منهم من يتلقى المساعدة الغذائية، ما تًسمى بـ«الكابونة البيضاء»، وهذه يتلقاها اللاجئ الفلسطيني 4 دورات في العام، بمعنى كل ثلاثة أشهر يتلقى معونة، قيمتها لا تتجاوز 20 دولارًا، في كل دورة توزيع، وبالتأكيد هي كمية لا تكفي حاجة اللاجئين، لكن الأونروا تعتبرها مجرد إغاثة، ونحن نطالب بألا تقل المعونة الغذائية عن 30 دولارًا".

ويكمل قائلًا: "هناك 440 ألف لاجئ فلسطيني يتلقون «الكابونة البيضاء»، و770 ألف لاجئ يتلقون «الكابونة الصفراء»، وهي مضاعفة عن «الكابونة البيضاء»، وهذه المضاعفة نتيجة بحث اجتماعي قامت به الأونروا لتقنين الفقر المدقع عن الفقر المطلق، لبيان الفقير من الأشد فقرًا، وتكون «الكابونة الصفراء» مضاعفة في المواد الغذائية عن «الكابونة البيضاء»".

غياب المواليد والأزواج الجدد

ويوضح خلف قائلًا: "الأونروا تقدم لمليون و400 ألف لاجئ فلسطيني، ونتيجة ما تتحدث عنه بأن هناك أزمة مالية، لم يتم إضافة المواليد الجدد والأزواج الجدد منذ أكثر من 15 شهرًا، لأن هؤلاء حقهم الطبيعي أن يتم إضافتهم، وأن يتلقوا هذه الخدمات، وتراكم هذا العدد لمائة ألف لاجئ فلسطيني".

ويبين أنه "مع وجود العجز جاءت الفكرة التي ابتدعتها إدارة الأونروا بأن يتم إلغاء «الكابونة الصفراء» وإضافة المواليد والأزواج الجدد، وبالتالي يصبح الجميع متساويًا في الكابونة، وبهذه الطريقة يتجاهلون كل تصنيفات الفقر، التي تم اعتمادها من قبل الأونروا، وهذا يعني أن هناك 770 ألف لاجئ فلسطيني لن تقدم لهم الخدمة المعتادة لهم، والتي هي بحدها الأدنى لا تكفي ".،

ويسهب قائلًا: "وبالتالي ستُخلق أزمة غير عادية بسبب هذه الطريقة من التوزيع، وسألناهم (مدراء الأونروا) كيف يتم الأخذ من الفقير لإعطاء فقير آخر فيصبح الجميع أشد فقرًا. لا أحد يمنع الأونروا من أن تقوم بالتدقيق في من يتم منحهم الكابونات، باعتبار أن هناك عددًا من اللاجئين ليسوا بحاجة لهذه الكابونة".

وينوه منسق لجنة اللاجئين قائلًا: "أبلغناهم بدلًا من أن يتم توجيه الجهود نحو تقليص الكابونات، يجب أن يتم تحويل الجهد والعمل للدولة المتعهدة والأمم المتحدة من اجل الطلب منها توفير المزيد من الأموال لسد العجز".

ويتحدث خلف عن أنهم في اللجنة المشتركة للاجئين قاموا بتحذير الأونروا من الاستمرار في هذا المسار.

سياسة خطيرة

وتقليص الحصص الغذائية لأكثر من مليون إلا ربع المليون لاجئ فلسطيني يسبب حالة من الغضب في أوساط اللاجئين داخل قطاع غزة، دفع الأمر إلى الخروج في وقفات احتجاجية سابقة أكثر من مرة أمام مقر الأونروا في قطاع غزة.

ومن جهتها، تصف حكمت المصري، الباحثة الفلسطينية المقيمة في قطاع غزة، ما تقوم به الأونروا من سياسة تقليصها للحصص الغذائية التي تقدم لأكثر من 1.4 مليون لاجئ بـ"الأمر الخطير جدًا"، مشيرةً إلى أن ذلك يأتي في ظل الفقر المدقع الذي يعانى منه قطاع غزة المحاصر جوًا وبحرًا وبرًا منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، والذي تشكل فيه نسبة البطالة بين الخريجين النسبة الأعلى، حيث تقدر بأكثر من 50% بالتزامن مع تفاقم الأزمة الإنسانية.

وتقول المصري لـ"بوابة أخبار اليوم"، "أري أن هذا القرار جاء كأحد إرهاصات صفقة القرن التي تنص بشكل واضح على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وإنهائها خصوصًا بعدما أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب عنها كأحد بنود صفقة القرن أثناء توليه الحكم".

وتضيف الباحثة الفلسطينية: "تنفيذ هذا الأمر في هذا الوقت العصيب الذي تمر به القضية الفلسطينية يعتبر بمثابة تجنٍ واضحٍ على الواقع المأساوي الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني وسيترك انعكاسات سلبية وخطيرة جدًّا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين في قطاع غزة، ويمكن أن يؤدي هذا التراجع إلى إنهاء خدمات الأونروا بشكل كامل كهيئة أممية أقيمت بقرار دولي كشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني منذ عام 1949".

وتمضي قائلةً: "لذلك يجب الضغط والاحتجاج من قبل الهيئات المحلية والعربية والدولية والاستناد إلى القرارات الدولية والأممية للضغط على وكالة اللاجئين من أجل استعادة حق اللاجئ الفلسطيني للعيش بحياة كريمه كحق طبيعي له".

وبدوره، يعتبر فوزي عوض، خبير متخصص في شئون اللاجئين الفلسطينيين ومحاضر جامعي في التاريخ والعلوم السياسية، القرار بمثابة مجزرة اجتماعية ينتج عنها المزيد من الفقر والأمراض الاجتماعية خاصة أن عملية التقليص استهدفت أكثر فئات اللاجئين فقرًا، وفق معايير وكالة الأونروا نفسها.

ويلفت عوض، لـ"بوابة أخبار اليوم" إلى أن تصنيف هذه الحالات البالغة 770 ألف لاجئ كحالات فقر شديد جاءت بناءً علي تقارير وزيارات ميدانية نفذها المسح الاجتماعي للأونروا، وصُنفت تلك الحالات على أنها أكثر فئات اللاجئين عوزًا وفقرًا، فصُرف لهم ما تعرف بالكابونة الصفراء بمعدل 25 دولارًا للفرد كل ثلاثة أشهر يتسلم بقدرهم رب الأسرة قمحًا وزيتًا وحليبًا، مشيرًا إلى أنها كمية أساسًا لا تلبي احتياجات اللاجئين لشهر واحد أي أنها "خدمة إغاثية منقوصة"، حسب رأيه.

ويتابع قائلًا: "ورغم ذلك الضعف والتراجع في نوعية الخدمات المقدمة للاجئين، قررت الأونروا من خلال المفوض العام لقطاع غزة وبإصرار تنفيذ خطة توحيد الكابونة الإغاثية، والتي يترتب عليها تقليص كمية المعونة المقدمة للاجئين المسجلين حالات فقر شديد، وهو قرار غير قانوني ولا منطقي لأنه يفتقد إلي الأساس الذي تم اتخاذ القرار عليه وهو المسح الاجتماعي".

ويتحدث عوض عن أن الزيارات الميدانية التي ينفذها باحثو الأونروا، لتصنيف اللاجئين اجتماعيًا، متوقفة دون دراسة لحالة أصحاب الكابونات الصفراء اجتماعيًا، معتبرًا ذلك لا أساس قانوني ولا منطقي لما تنفذه الأونروا تجاه اللاجئين.

مسألة المساعدات الأمريكية للأونروا

وفي خضم الأزمة المالية التي تعيشها الأونروا، تشير التكهنات إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ستستأنف المساعدات المقدمة للأونروا، والتي كانت إدارة ترامب السابقة قد أوقفتها، وهو ما قد يمثل انفراجة بعض الشيء للوكالة، إن تمت هذه الخطوة، خاصةً أن الولايات المتحدة كانت تقدم نحو 350 ألف دولار سنويًا للوكالة الأممية.

وفي غضون ذلك، يعتبر فوزي عوض أن ما قامت به الأونروا  من توحيد المعونة الإغاثية بمنطق التقليص لا مبرر له علي الإطلاق خاصة وأن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس بايدن لوحت إلي نيتها بتقديم المساعدة لموازنة الأونروا.

ويذكر عوض أن الموازنة المقررة منذ بداية العام تم مراعاة القيمة المالية لبرنامج الإغاثة الاجتماعية باعتبار أن برنامج الإغاثة من البرامج الأساسية للأونروا.

ومن جانبها، ترى حكمت المصري، من وجهة نظرها، أنه لا علاقة بالمطلق ما بين الأزمة المالية التي تواجهها الأونروا وبين تقليص الخدمات، معللةً ذلك بأن الأموال التي تحصل عليها الأونروا تأتى من الدول المانحة ويفترض في حالة نقصان الميزانية أن تغطي الأمم المتحدة هذا النقص، وهذا يعتبر واجب عليها.

وتجد المصري في إعادة بايدن المساعدات الأمريكية، إن حدثت، بابًا سيساهم في التخفيف من حدة الأوضاع الإنسانية الصعبة لدى حوالي 100 ألف لاجئ فلسطيني في قطاع غزة، مستطردةً بالقول: "لكنني لا أتوقع ذلك ما لم يكن هناك ضغط أممي لذلك، خصوصًا في ظل انحياز الإدارة الأمريكية الكامل لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى لفرض صفقة القرن وإنهاء قضية اللاجئ الفلسطيني".

خطوات محتملة ضد الأونروا

وتدور المناقشات المستمرة بين وكالة الأونروا في قطاع غزة واللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين، لبحث مسألة السلات الغذائية الجديدة، سواء من خلال اجتماعات أو رسائل متبادلة بين الطرفين.

ويقول محمود خلف، منسق اللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين، إنهم في اللجنة في انتظار رسالة جوابية من ماتياس شمالي، مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في قطاع غزة على إثر اجتماع جرى معه قبل أيام، تم التأكيد خلاله على رفض مسألة "الكابونة الموحدة" فيما يتعلق بحصص اللاجئين، ومطالبته بالعودة إلى النظام القديم مع تطويرات عليه.

ويردف خلف: "إذا كان هناك موقفٌ سلبيٌ من قبل الأونروا فسيكون هناك مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، وسيكون هناك عدد من الفعاليات التصعيدية، من بينها إغلاق مقر توزيع المواد الغذائية والتموين لأيام معدودة، وسيكون هناك إغلاق لمراكز عمليات مدراء الوكالة في محافظات قطاع غزة لأيام محدودة".

ويتابع منسق لجنة اللاجئين: "سيكون هناك مسيرات أيضًا وفعل جماهيري من جموع اللاجئين رفضًا لهذه السياسة".

وينوه منسق لجنة اللاجئين إلى أنه لم يتم إصدار أي قرارٍ من قبلهم حول امتناع اللاجئين عن استلام الحصص الغذائية، معتبرًا أن ذلك حق طبيعي لهم.

ويستدرك قائلًا: "لكننا سنعلي الصوت للتحركات الجماهيرية للضغط على الأونروا من جانب ولإسماع صوتنا لدول العالم من جانب آخر بأن أي تهديدٍ للأمن الغذائي وف ينعكس بشكل واضح على حالة الأمن والاستقرار وأنه لن يسكت جموع اللاجئين الغاضبين من هذه السياسات".

اقرأ أيضًا: الجامعة العربية تدعو لتحرك سريع في تقديم الالتزامات المالية للأونروا