إنها مصر

«ترامب» أم «بايدن»؟

كرم جبر
كرم جبر

نريد من أمريكا أن تتفهم ظروفنا، وتعى التوازن الدقيق الذى تسير مصر على هديه، وهى تصنع تزاوجاً هادئاً بين الاستقرار والتنمية، فالفوضى لن تملأ البطون ولن تشبع الجوعى، والاستقرار يحتاج دولة قوية تدافع عن مصالحها.

لا نريد لأمريكا أن تختار من الشعوب أسوأ عناصرها وتجعل منهم أصدقاء وشركاء، وتغدق عليهم الدعم والتمويل، وترفع فى وجه حكومات المنطقة أوراق ضغط تحت شعار حقوق الإنسان.

حقوق الإنسان ليست التقارير المزيفة أو المبالغ فيها. ولكنها هدف سام ونبيل.

نعلم جيداً أن حكم الرئيس بايدن لا يختلف كثيراً عن سابقه ترامب، فالسياسة الأمريكية لا يضعها الرئيس فقط، لكنها نتاج أجهزة ومؤسسات ومراكز أبحاث ودراسات، ويكون دور الرئيس هو المنفذ مع إضفاء قناعاته وخبراته وتوجهاته.

ما يعنينا فى الشأن المصرى أن إدارة بايدن ستولى اهتماماً أكبر بقضايا حقوق الإنسان فى جانبها السياسى، ولا يجب أن ننزعج، فإذا كانت الإدارة الأمريكية تطلب مزيداً من الحريات واحترام حقوق الإنسان، فهذا أيضاً ما تسعى إليه مصر، فلا أحد يختلف مع تلك المبادئ الإنسانية،وهى قضية تعنى مصر بالدرجة الأولى وتسعى إلى تحقيق كل الإصلاحات الممكنة فى هذا الملف.

لكن لا يجب أبداً أن تكون قضية حقوق الإنسان ورقة ضغط ولا أن ترتبط بمشروطيات معينة، لأن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين عمرها 40 عاماً، وتقف على أرضية صلبة ومصالح مشتركة، وكما تتحقق المصلحة لواشنطن، فهى كذلك للقاهرة، وجاء نتاجاً لجهود زعماء من الدولتين، ورعاية أمريكا للسلام بين مصر وإسرائيل.

حقوق

لا نريد أمريكا التى تصدر أسلحة الموت والدمار، فتستنزف ثروات دول وشعوب المنطقة، ولا أمريكا التى أرسلت جنود المارينز لغزو العراق والشام، بل أمريكا التى تبحث عن أصدقاء على قاعدة المساواة.

لا نريد من أمريكا أن تكرر تجارب صناعة الإرهاب، بإطلاق القاعدة وداعش وغيرهما من حلفاء الإرهاب، وأن تستوعب درس 11 سبتمبر جيداً، حين انطلقت الذئاب التى قامت بتربيتهم فى أفغانستان لتدميرها فى أسوأ حادث إرهابى يشهده تاريخها.

مصر كانت أول دولة فى العالم تحذر من مخاطر احتضان الإرهاب، وأكدت مراراً وتكراراً أن من يحضِّر العفريت ليس بالضرورة يستطيع أن يصرفه، وأثبتت الأحداث والتجارب صدق رؤيتها.

نريد من أمريكا إحياء حلم إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، لإنقاذ السلام القابع فى مشرحة الموت منذ سنوات طويلة، ولن تهدأ المنطقة وتستقر أحوالها إلا إذا تم إحلال السلام.

نريد من الإدارة الأمريكية الجديدة أن تفتح الجسور المغلقة أو تعلى شأن الرغبة فى إنقاذ شعوب المنطقة من ويلات الحروب الدينية والأهلية، وأن تساعدها فى استرداد الأمن والاستقرار.

أمريكا التى ترفع شعارات الحرية والعدالة، وتقدم للعالم نموذجاً للديمقراطية النظيفة، التى تحمى الشعوب ولا تهدمها.

فى علاقة مصر بأمريكا، يجب التركيز على الإيجابيات والابتعاد عن السلبيات، فهى الدولة المؤثرة فى الاستثمارات ومؤسسات التمويل الدولية وصاحبة الصوت المسموع فى العالم، وما يعنينا فقط أن تكون الخطوط واضحة ولا يتم تجاوزها.

مصر تبنى علاقاتها مع سائر الدول على الاحترام المتبادل، وتحافظ على استقلال قرارها مع مختلف القوى الكبرى فى العالم.

ليس صحيحاً إذن أن ترامب أفضل من بايدن أو العكس، ولكن الصحيح هو أن مصر تعرف ماذا تريد وتتحرك وفق الرؤية التى تحقق مصالحها وأهدافها، فى ظل علاقات متوازنة دون ضغوط أو إملاءات.