حكاية شارع |«كلوت بك» محارب الكوليرا والطاعون وصاحب أول مدرسة طب بمصر

أنطوان كلوت بك
أنطوان كلوت بك

"أنطوان كلوت بك".. محارب لم يرتدي الزي العسكري وحارب عدوين كانا الأشرس في تاريخ العالم، وهما "الكوليرا والطاعون"، وفي الوقت الذي خاف فيه الأطباء من احتمالية عدواهم بالطاعون أثناء محاولاتهم علاج المرضى، لم يخف أنطوان كلوت بك وواجه الطاعون هووثلاثة من زملائه.

محارب الكوليرا والطاعون

فعند انتشار وباء الكوليرا في عام 1830، واجه "أنطوان كلوت بك"، خوفه وعمل على الأبحاث وابتكار سُبل علاج جديدة، وأحدث نشاطًا كبيرًا في مواجهة وباء الكوليرا ومعالجة المصابين، وفي سنة 1835 ظهر الطاعون بالقاهرة، فخاف الأطباء واعتزلوا في بيوتهم خوفًا من العدوى، إلا كلوت بك وثلاثة من زملائه، فإنهم ثابروا على خدمة المرضى ومعالجتهم.

لم تكن مواقف "أنطوان كلوت بك" وشجاعته في مواجهة أشرس الأوبئة التي واجهت العالم، هي فقط ما حُفر في ذاكرة التاريخ، ولكن إصراره على تحدي الصعاب منذ طفولته إلى أن أصبح من أشهر وأبرع الأطباء في ذلك الوقت، ودوره البارز في تعليم الطب في مصر، كانت له علامات بارزة أيضًا ستظل تذكر كلما خطت قدم مستشفى القصر العيني، أو كلما عالج أحد الأطباء مريض، وكلما أُنقذت أم في ولادتها المتعثرة...

الصدفة أرسلت "أنطوان كلوت بك إلى مصر"

في عام 1825، قابل التاجر الفرنسي "تورنو" الذي كان يعمل بمصر، الطبيب "أنطوان كلوت"، بالصدفة وأخبره حين ذاك أن والي مصر "محمد علي باشا"، أرسله لاختيار طبيب للجيش، فرحب "أنطوان" بالفكرة، فقد كان يعلم أن مصر بحاجة إلى إصلاح طبي، وأراد أن يكون رائدًا في ذلك الإصلاح، وبالفعل قابل الوالي، وأصبح طبيب الجيش.

"أنطوان كلوت بك" .. طبيب الجيش المصري

عهد والي مصر "محمد علي باشا"، إلى أنطوان كلوت، بتنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري، وصار رئيس أطباء الجيش منحه محمد علي باشا لقب “بك” تقديرًا لجهوده في النهضة الطبية التي أحدثها في مصر.

كلوت بك المدرس الوحيد للطب

واقترج أنطوان كلوت بك ببناء مستشفى أبي زعبل، وكانت مقر جنود الجيش المصري، وأنشأ في المستشفى بستانًا للبنات، وفي حوالي سنة 1827 أسّس كلوت المدرسة الطبية في أبي زعبل أيضًا، وكانت أول مدرسة طبية حديثة في الدول العربية، وكانت تضم 720 سريرا، وقد أراد بذلك أن لا يقتصر الطب على الجيش، بل يتعلمه أبناء البلاد؛ حتى يفيدوا أبناء جلدتهم بتطبيبهم وتعليمهم، وكان في السنين الأولى من تأسيس هذه المدرسة هو وحده الذي يلقى الدروس بواسطة المترجمين؛ تسهيلًا لفهمهما، فتُرجمت حينها عدة كتب في الطب والجراحة والعلوم الطبيعية.

"التشريح" عرض "كلوت بك" لمحاولة اغتيال

كان أنطوان كلوت بك حريصُا على تطوير علومه وتعليم طلابه، ولكن كانت هناك عقبة في طريقه لأن تشريح جثث الموتى كان أمرًا منكرًا في عيون دول الشرق، فبذل كلوت جهده حتى أُبيح له التشريح سرًّا، على أن ذلك لم ينجِه من غضب الأهالي عليه، حتى إن أحدهم جاءه يريد قتله خلسة بخنجر، ولكنه لم ينجح.

كلوت بك صاحب أول مدرسة للولادة في مصر

وفي سنة 1838 نُقلت المدرسة الطبية من أبي زعبل إلى القاهرة، وهي المعروفة بمدرسة قصر العيني، ثم أنشأ فيها فرعًا لدرس فن القِبالة (الولادة)، يتعلمها النساء؛ لعلمه أَنَّ عوائد المشارقة لا تسمح بولادة النساء على يد أطباء من الرجال، وأنشأ لهن مستشفًى خاصًّا بهن، وكان لهذه الخدمة فائدةٌ عظمى؛ خصوصًا لأن النساء لا يؤذن للطبيب بمساعدتهن في الولادة، ولا الكشف عليهن في تشخيص بعض الأمراض.

صاحب فكرة إنشاء الوحدات الصحية والاستشارية

قام بإنشاء أماكن للاستشارة الطبية بالقاهرة والإسكندرية، وجعل في كل استشارة أجزاخانة، وأنشأ أماكن كثيرة لمعالجة المرضى؛ كالمستشفيات وغيرها في المدن الكبيرة، وأدخل تطعيم الجدري للأطفال، ولم يكن متداولًا قبل ذلك بمصر، فأوقف انتشار ذلك الوباء، وكان يموت بسببه قبل ذلك ألوف كل سنة، وقد ظهرت نتائج إجراءات الدكتور كلوت بك الصحية في ازدياد عدد سكان القطر إلى أضعاف ما كانوا عليه.

وعند تولى “عباس باشا الأول” حكم مصر سنة 1849، استأذنه كلوت بك بالذهاب إلى مرسيليا، نظرًا لحالة الإهمال التي سادت البلاد، وبقى هناك حتى تولى “سعيد باشا” سنة 1856، فعاد كلوت بك إلى مصر وعمره ٦٣ سنة.

وقد قرر سعيد إعادة افتتاح مدرسة الطب في احتفال ضخم، واستشار كلوت بك في من يصلح لتولي إدارة المدرسة الطبية، فاختار له خمسةً من نوابغ الأطباء؛ وهم: كلوتشي بك، وفيجري بك، وبرجير بك، وشافعي بك، ومحمد علي بك، فتبادَلوا رئاسةَ المدرسة الطبية والمستشفيات زمنًا.

عاد كلوت بك إلى باريس في سنة 1851، فمنحته فرنسا رتبة "كومندور دي لاليجيون دونور"، ثم منحه بابا روما أيضًا لقب "كونت روماني"، وفي سنة 1860 سافر إلى مرسيليا، وتوفي بها في 28 أغسطس 1868، وتكريمًا لما قدمه انطوان كلوت بك للشعب المصري، أطلق اسمه على أشهر شوارع القاهرة، المتفرع من شارع محمد علي بمنطقة القاهرة الخيديوية، بوسط القاهرة.

ويذكر أن جهاز التنسيق الحضاري، أطلق مشروع توثيقي لإحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصري، تحت عنوان "حكاية شارع"، والذي يهدف إلى التعريف بالشخصيات الهامة التي أُطلقت أسماؤها على بعض شوارع مصر.

وقرر رئيس جهاز التنسيق الحضاري المهندس محمد ابو سعدة، التصديق على قرار اللجنة العلمية لمشروع "حكاية شارع"، بوضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسمائهم على الشوارع، وذلك في إطار محدد من خلال 25 كلمة فقط تحدد تاريخ ميلاد ووفاة الشخص وان تكون النصوص مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية.

جدير بالذكر أن مشروع حكاية شارع قد تم تنفيذه بعدد ١١٠ شارع بشوارع القاهرة الخديوية والزمالك وجاردن سيتي ومصر الجديدة، واستهدفت المرحلة الثالثة للمشروع تنفيذ ٥٠ لوحة لحكاية شارع بمدينة الإسكندرية.

وتنشر بوابة أخبار اليوم حلقات متتالية كل يوم خميس عن شارع باسم علم من الأعلام الخالدة أسمائهم، في تاريخ مصر، وتم وضع لافتة حكاية شارع الاسترشادية عليه من قبل جهاز التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة المصرية