من وراء النافذة

قانون «وقف الحال»

هالة العيسوى
هالة العيسوى

كالصاعقة نزلت تعديلات المادة 35 مكرر من قانون الشهر العقارى على ملايين المواطنين، بما تحويه من مهلة زمنية ضيقة ومتطلبات التوثيق وتوفير المستندات المطلوبة، ناهيك عن تكاليف تطبيقها .. أصحاب التجربة لا يصدقون ما جاء ببيان وزارة العدل التوضيحى من أن الهدف من التعديل هو تبسيط إجراءات الشهر العقارى ولا يبتلعون حكاية الفائدة المرجوة منه برفع القيمة السوقية للوحدات العقارية، فهذه المغريات الشفوية تنفيها أرض الواقع.


حقيقة الأمر أن نتيجة هذا التطبيق للقانون ستكون وقف حال ملايين المواطنين و»تصفير» قيمة عقاراتهم حرفيًا لأنهم لن يتمكنوا من التصرف فى هذه الممتلكات لا بالبيع ولا التوريث ولا حتى بالصيانة المطلوبة وستصبح ممتلكاتهم لا تساوى شيئًا عند الرغبة فى البيع، كل ما سيتمتعون به حال فشلهم فى التسجيل بالشهر العقارى هو حق الانتفاع، أى أن يقيموا فيها وحسب، وأن يحمدوا ربهم على الجدران التى تؤويهم وأن يحتسبوا عند الله ثمرة شقاء عمرهم التى دفعوها عند شراء هذه الوحدات. ربما على أكثر تقدير قد يكون بإمكانهم تأجيرها.. حتى الورثة لن يعتد معهم بإعلام الوراثة فقط وعليهم إحضار ما يسمى بإشهار الوراثة.
أما مسألة رفع قيمتها السوقية فهى حقيقة فعلًا لكنها لن تنطبق إلا على حوالى 5% من عقارات مصر هى التى تنجح فى التسجيل بالشهر العقارى، أما الغالبية العظمى من الأصول العقارية المملوكة للأهالى فلن تساوى إلا صفرًا كبيرًا، الأمر الذى يؤدى فى نهاية المطاف إلى تجميد سوق العقارات وإصابته بالشلل وتجميد حركة رءوس الأموال، وإفقار الناس بغير جريرة.


ماذا يفعل ورثة لعقار قديم أو وحدة لا تتوفر لديهم المستندات المطلوبة، أو حتى أصحاب عقارات قديمة مات بائعوها ولا يستطيع المشترون «القدامى» الحصول على المستندات والتراخيص؟. ماذا يفعل مشترو وحدات بدون حصة فى الأرض، ولا يرغب بناة العقارات فى تزويدهم بمستندات رخصة الأرض؟

معروف منذ البداية أن دعوى صحة التوقيع لا تعد مستند ملكية، لكنها على الأقل تثبت أن توقيع البائع صحيح، كما تثبت إقراره بالبيع.. وهناك حالات لا تعد ولا تحصى من أحكام صحة التوقيع على بيع عقارات وأراض تم البناء عليها والتصرف فيها من مالك لآخر أو من يد ليد على مدى السنين، وأصبح أول بائع فى رحاب الله.. قد نفهم أن ينطبق هذا التعديل الأخير على التصرفات الحديثة، لكى ينتبه المشترون الجدد إلى ضرورة الحصول على كافة المستندات المطلوبة لتأمين ملكية أصولهم العقارية، لكن أن يتم التطبيق بأثر رجعى فهذا هو طلب المستحيل بعينه.


بنظرة واحدة إلى الأوراق المطلوبة للتسجيل حسب ما جاء فى نص المادة المضافة ستجدها تسعة مستندات أو موافقات من ثلاث نسخ ما بين بيانات حكم الصحة والنفاذ، لبيانات مساحية، وشهادات تصرفات عقارية من الضرائب والمحليات أو المحافظة، بخلاف إلزام طالب التسجيل بنشر إعلان فى إحدى الصحف!.. وبنظرة أخرى إلى مسألة التكاليف فغير خافٍ أن كلمة رسوم تختلف تمامًا عن معنى التكلفة فالرسوم المحددة بالقانون الذى نتحدث عنه، وإن كانت معقولة نسبيًا إلا أنها لا تعنى التكلفة الكلية التى تشمل - حسب أحد المحامين الخبراء فى التسجيل العقارى - ضريبة التصرفات العقارية بنسبة 2٫5% من قيمة العقد، ونسبة 1% من قيمته نظير تصديق نقابة المحامين على العقد بخلاف رسوم المساحة والرسم الهندسى، هذا غير رسوم رفع دعوى الصحة والنفاذ وهى بنسبة من قيمة العقد، ورسوم الأمانة القضائية فى الشهر العقارى وبدورها تحدد بنسبة من قيمة العقد.
لو صحت هذه الدائرة الجهنمية التى تستنزف وقت وأعصاب وجهد، وأموال المواطن، فلابد لها من حل عاجل، وعلى الحكومة والمشرعين العمل فعلا على تيسير الإجراءات على الناس، وإلا فإن هذا التعديل الجديد لن يترجم فى ذهن المواطن سوى بأنه قانون جباية جديد وستثبت الحكومة أنها تعمل عكس مصلحة المواطن.