حبر على ورق.. حكايات صحفية

نوال مصطفى
نوال مصطفى

تغرينا كثيرا المادة الغنية التى نحصل عليها خلال رحلتنا المثيرة فى بلاط صاحبة الجلالة «الصحافة» لنكتب تجربتنا. خاصة تلك النوعية من الصحفيين الذين عاشوا المهنة كما ينبغى أن تعاش. أقصد الذين اشتبكوا مع الواقع، لم يكتفوا بالكتابة فى المكاتب المكيفة، بل نزلوا والتحموا بالحياة، تأملوا وجوه الناس قبل أن يكتبوا عنهم، تلفحهم حرقة آهاتهم أحيانا. ويرصدون عيونهم تلمع الأمل فى قلب اليأس أحيانا.

هذا النوع من الكتاب الصحفيين منحهم الله تعالى أكثر من حياة، فقد عاشوا عشرات القصص، واندمجوا مع شخصيات مختلفة جدا. قماشة عريضة جدا تتعدد فيها السمات الشخصية وأنماط البشر. يلتقى يوما برئيس جمهورية، وفى اليوم التالى يدخل السجن ويرقب دموع الندم على وجه امرأة ترتدى جلبابا أحمر وتنتظر تنفيذ حكم الإعدام. هذا هو حالنا نحن الصحفيين، ومن هنا كان جمال هذه المهنة وعذابها فى آن معا.

لذلك استمتعت بكتاب «حكايات صحفية» للكاتب وليد حيدر. حيث يستدعى محطات مهمة فى مشواره الصحفى منذ كان محررا تحت التمرين، يحلم بأن يصبح صحفيا مرموقا كهؤلاء الذين يقرأ لهم، وينبهر بكتاباتهم.

يقابله تحديات عديدة، ومحبطة أهمها إنه ابن لصحفى كبير، محبوب هو الأستاذ سعيد حيدر. صحيح إنها ميزة فتحت له الأبواب، لكنها فى الحقيقة أصبحت عقبة حيث تنسب كل انفراد حصل عليه هو بجهد خاص للأب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. «هو أنت اللى كتبت الموضوع ده وللا الأستاذ سعيد؟» جمل من هذا النوع كانت كفيلة بإحباطه، وإشعاره بالقهر وخيبة الأمل.

تجربته الأولى بدأت فى جريدة أخباراليوم «قسم الحوادث». ولم تكن القصة المثيرة التى رواها فى كتابه تنذر باستمراره فى الصحافة، بل كانت كفيلة بدفعه بعيدا عن وسط لا يحتفى بالموهبة ولا يقدر الجهد المبذول من أجل الحصول على انفراد صحفى تتميز به الجريدة ويرتفع به اسم الصحفى عاليا.

كان الانفراد عن جريمة قتل وقعت فى المقطم حيث يسكن وليد حيدر، ارتكبها لص اقتحم منزل رسام صحفى وطعن زوجته بسكين. اتيح للشاب الصغير، الطالب الجامعى أن يحضر التحقيقات باعتباره أحد سكان المقطم وكذلك باعتباره صحفيا سبق أن تعرف بالضباط فى القسم من قبل.
ذهب إلى الجريدة مزهوا بنفسه، يحمل لرئيس القسم تفاصيل التحقيقات، وخبايا الحادث الذى لا يعرفها أحد، لكنه فوجئ برئيسه يقول له: كل هذا لا قيمة له بدون صورة القتيلة.

يروى الكاتب كيف حصل على الصورة على طريقة شارلوك هولمز، فقد كان أولاد القتيلة سلفيين، قالوا له ليس لدينا أى صور لأمنا. لكنه كان قد سمع إنها قبل الحادث كانت تستعد للسفر لأداء فريضة الحج، ففكر بذكاء وتوقع أن تكون قد ذهبت لاستوديو التصوير القريب من بيتهم للحصول على صور تستخرج بها تأشيرة السفر. ذهب إلى صاحب الاستوديو وأوهمه إنه صديق ابنها وجاء لاستلام الصور. وبهذه الحيلة الماكرة حصل على الصورة ونشرت القصة بالفعل صباح اليوم التالى على خمسة أعمدة متضمنة كل التفاصيل. «الشيء الوحيد الذى تم حذفه من الانفراد هو اسمى أنا ! هكذا يقول وليد حيدر «كنت أريد أن أوقف الناس فى الشارع لأخبرهم إننى من كتبت الخبر».

بعدها تعرض لحصار قاسى لموهبته وتميزه، جعله يصرف نظر عن الصحافة، ويفكر فى إقامة مشروع تجارى مع بعض أصدقائه من الشباب. وأدرك وقتها لماذا أراد والده الصحفى الكبير إبعاده عن مهنة الصحافة، لكنه أذعن لطلبه بعد إلحاح.

لكن الأمور تتغير، ويأتى من يساند الموهبة ويدعمها، إتصال تليفونى من الكاتب المعروف إسماعيل يونس رحمه الله، يستدعى وليد للعمل معه فى الأخبار، كان بداية لقصة نجاح طويلة وممتدة يكتب فصولها حتى الآن كاتب آمن بموهبته وتشبث بحلمه. الكتاب سيرة ممتعة لحياة غنية بالأحداث، يشحنها التحدى، وتصقلها العقبات. لن أفسد عليكم متعة قراءة باقى القصة المثيرة التى تحولت فيها العثرات المحبطة إلى نجاحات ملهمة.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي