ملف

حقوق الخادمات.. «ضايعة»!

هدى عوض رئيس جمعية النشاط النسائى
هدى عوض رئيس جمعية النشاط النسائى

كتبت: آية فؤاد

قانون العمل هو مجموعة من البنود التى تنظم العلاقات بين الأفراد عند عمل شخص لحساب آخر، وتقع تحت مظلته مجموعة من المهن، وفى المقابل استثنيت منه مهن أخرى، مثل مهنة "العاملات بالمنازل" أو "الخادمات"، التى تفتقر لأى حقوق تنظم المهنة، وتحفظ للعاملين بها حقوقهم وتملى عليهم واجباتهم، لذلك لم يجد المعنيون بهذه المهنة سوى الاجتهادات الشخصية ملاذاً لهم للاحتفاظ ببعض الحقوق، وتقنين أمورهم قدر المستطاع.

أثار إطاحة قانون العمل بمهنة "الخادمات" حفيظة بعض القانونين والجمعيات الأهلية، فأخذوا بدورهم خطوات من أجل الحفاظ على حقوق العاملين بالمهنة، ووضعها فى عين الاعتبار، كمهنة هامة لا بد أن تعترف بها الدولة.

هدى عوض تتحدث لــ «آخر ساعة»
فى البداية، يقول عبدالمنعم منصور، المسئول عن نقابات العاملات بالمنازل لـ«آخر ساعة»، إن المادة 4 فقرة "ب" من قانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003، أطاحت بمهنة العاملات بالمنازل خارج القانون نصاً، بالتالى لم تحصل العاملات بهذه المهنة على أى حماية تحت مظلة القانون، وكذلك المادة 36 من قانون التأمينات الاجتماعية حرمت العاملات بالمنازل من حقهن فى الحصول على التأمينات والمعاشات.
ويؤكد أن فئة العاملات بالمنازل مهمشة لا يوجد أى معلومات عنها أو إحصائية عن عدد العاملات بها على مستوى الجمهورية، ولا ينظم هذه المهنة المهمة سوى مكاتب التخديم، فى حين أنها أيضاً  غير مقننة تنتهى علاقاتها بالخادمة  بمجرد توصيلها للأسرة التى ستعمل لديها.
يتابع: من أجل ذلك كنا نبحث عن إطار قانونى لحفظ حقوق العاملات بالمنازل، ومن خلال "الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية" التى كنت مسئولاً بها عن ملف العاملات بالمنازل فكرنا كمجموعة من الحقوقيين فى تأسيس نقابة تتولى كل ما يهم العاملات بالمنازل والسعى من خلالها إلى وضع قانون يحفظ حقوق الخادمات، وبالفعل تم تأسيس "نقابة العاملات بالمنازل" عام 2012 بالقاهرة،  وهى نقابة مشهرة قانوناً تبعاً لاتحاد النقابات بتاريخ الإنشاء 11/9/2012، وتفرع منها فيما بعد 4 نقابات أخرى بمحافظات الإسكندرية، والمنوفية، وأسوان، وقنا ولكل جمعية منها مجلس إدارة مستقل، ويصل عدد الأعضاء بالنقابات حالياً إلى 2350 عضواً من العاملات بالمنازل.
يوضح أن النقابة تقوم على الجهود الذاتية، وعلى الرغم من ذلك يتم عمل دورات تثقفية وحلقات نقاشية ومحو أمية لخدمة السيدات "العاملات بالمنازل" فإنها متوقفة حالياً بسبب ظروف كورونا التى أثرت بدورها على الجانب المادى للنقابة، لافتاً إلى أن النقابة دورها يختلف عن مكاتب التخديم، قائلاً: "نسعى لتوفير الأمان للعاملات، حيث نقوم بالتقصى عن حالة المنزل والأسرة التى تطلب عاملة لتجنب وقوعها فى أى مشكلة فيما بعد، ونقوم بعمل عقد عمل بين العاملة وصاحب المنزل، إضافة للتدخل فى حل المشكلات التى تتعرض لها الخادمات والتى يدور معظمها فى كثير من الأحيان حول حوادث اتهام الخادمات بالسرقة، وسواء كانت الخادمة ارتكبت هذا الجرم أم لا، فى جميع الأحوال تحاول النقابة التدخل لحل المشكلة بشكل ودى لتجنب الخسائر لجميع الأطراف".
وأشار إلى أن حق الخادمات المصريات ضائع مقارنة بالجنسيات الأخرى كالأفريقية أو القادمة من شرق آسيا، والتى يكون عقد العمل الخاص بها له 3 نسخ الأول بحوزتها والآخر مع صاحب العمل والأسرة التى تعمل لديها، والعقد الأخير مع السفارة التابعة لها، كما أن لها تخصص عمل على عكس المصريات اللواتى يتم استغلالهن من أصحاب المنازل، فتصبح مسئولة عن جميع التخصصات بالمنزل فهى المسئولة عن النظافة، وجليسة أطفال وغيره بنفس المرتب.

الخادمة المصرية حقها مهضوم
وأكد أن النقابة تسعى للعمل على إصدار قانون خاص بعاملات المنازل، مشيراً إلى أنه تم عمل مشروع قانون وجرى عرضه على مجلس النواب  منذ 7 سنوات، لكن لا جديد فى الأمر حتى الآن، متمنياً أن تعترف الدولة ممثلة فى قانون العمل بمهنة الخادمات لحفظ حقوقهن المادية والمعنوية، وتيسير العمل عليهن، حيث إن معظمهن مسئولات عن أطفال وأسر كاملة، لافتاً إلى أن الاعتراف بهذه الفئة المهمشة سيحسن من نظرة المجتمع السيئة للعاملات بها، ويعزز من قيمة المهنة.
من ناحية أخرى، قمنا بزيارة لـ "جمعية النشاط النسائي" وهى من أوليات الجمعيات التى تعتبر حلقة وصل بين الأسر والراغبات فى العمل بالمنازل. هناك التقينا نحمدة أو "أم هالة" كما ينادونها فى الجمعية، وتعد نموذجاً حياً لحقوق الخادمات المهضومة، حيث تسبب عملها فى المنازل فى إصابتها بانزلاق غضروفى وقضى على حياتها العملية.
تحكى أم هالة قصتها قائلة: "تعرضت أنا وأسرتى لظروف صعبة بعدما تخلى عنا زوجي، فاضطررت أن أبحث عن عمل لأعول أبنائي، حتى حصلتُ على عمل بأحد الفنادق الكبرى كعاملة نظافة واستقرت الأمور حينها لفترة، لكن حدث خلاف بينى وبين أحد الأشخاص فتركت العمل، وبدأت رحلة بحثى عن عمل جديد، حتى علمت بجمعية "النشاط النسائي"، فذهبت إليها، وكان المشروع فى بدايته، وكان عددنا كبيرا وتلقينا تدريبات كثيرة من خبراء أجانب عن أصول العمل فى المنازل وكيفية التعامل مع الأسرة التى سنعمل لديها، وبدأت العمل وكنت أتنقل من بيت لآخر ومن أسرة لأخرى، وكنت سعيدة بأننى أوفر احتياجات أولادي، ولكن للأسف أثناء عملى رفعت حملاً ثقيلاً، وأصبتُ بانزلاق غضروفى منعنى من العمل نهائياً بعد ذلك.
تتابع: فى ذلك الوقت لم أجد من يساعدنى على العلاج لأننى بلا تأمين صحي، وكان لا بد من ترك العمل بالمنازل، إلا أن القائمين على الجمعية تمسكوا بوجودي، فبدأت فى عمل جديد بمقر الجمعية نفسه، ومازلت فيه حتى الآن، لكننى أشاهد نفسى كل يوم فى المترددات على الجمعية من الراغبات فى العمل بالمنازل، وأرى كم المعاناة والتشتت والقلق من مصير مجهول، فلا يوجد ما يحفظ لهن حقوقهن ويوفر لهن ما يعينهن على صعاب الحياة إذا ما حدث لهم شيء مثلي.
تركنا أم هالة ودخلنا إلى مكتب هدى عوض، رئيسة الجمعية، التى أوضحت أن جمعية النشاط النسائى يرجع تأسيسها إلى عام 1967 وبدأ بها مشروع العاملات بالمنازل منذ عام 1981، ويتبع وزارة الشئون الاجتماعية  (التضامن الاجتماعى حالياً) ليهتم بالعاملات فى المنازل من خلال توفير تدريبات وفرص عمل لهن، واستمر المشروع بالجمعية حتى وقتنا هذا، مؤكدة أن المشروع مازال يخدم قطاعا لا بأس به من العاملين بهذا المجال، وأكثرهم من الأرامل والمطلقات أو اللواتى يعُلن أسرهن بسبب مرض الزوج أو عدم عمله.
توضح: السيدة التى تريد العمل تأتى إلى الجمعية ونأخذ منها الضمانات اللازمة كصورة بطاقتها وبطاقة الزوج ورقم هاتفه للتأكد من أنها خرجت للعمل بموافقته لتجنب حدوث أى مشكلة، بالإضافة إلى صحيفة الحالة الجنائية حتى تطمئن الأسرة التى ستعمل بمنزلها، ولكن فى المقابل لم نستطع ضمان حقوق العاملة نفسها، فالجمعية لأنها تتبع وزارة التضامن الاجتماعى تحفظ بعض الحقوق للعاملات بالمنازل، لكن عدم اعتراف قانون العمل بهن يجعلهن فى مهب الريح!
وأخيراً تتمنى رئيسة الجمعية أن يتم الاهتمام بهذه الفئة المهمشة، التى تعتبر ضمن العمالة غير المنتظمة، ويعتمد عليها أناس كثيرون، فمنهن الخادمة، وجليسة المسنين، وجليسة الأطفال.