ملف

التنمر بالخادمات يدفعهن للانتحار!

التنمر بالخادمات
التنمر بالخادمات

كتب: علا نافع

لم يكن تنمر الإعلامى تامر أمين بالخادمات وبالأهالى هو الأول من نوعه، فمنذ فترة ثار الحديث حول عنصرية وتنمر يارا نعوم زوجة اللاعب عماد متعب، بإحدى الخادمات رغم نفى نعوم الواقعة، مؤكدة احترامها كافة طبقات المجتمع، وتمتلئ صفحات الجرائد بوقائع إهانة وتعذيب للخادمات، لعل أشهرها قبل سنوات واقعة تعذيب الفنانة وفاء مكى لخادمتها الصغيرة، التى سُجِنَت على إثرها، فما سبب النظرة الدونية لهذه الفئة، رغم أن الكثير من الأسر لا تستطيع الاستغناء عن خدماتها.
فى ليلة شتوية باردة بحى «مصر الجديدة» الهادئ، فُزِع سكان العقار الخامس بشارع النزهة بعد سماعهم صوت صرخة أنثوية مدوية، ليفاجأوا بأنها صادرة عن «ميرت» الخادمة الشابة التى تعمل لدى مدام فاطمة القاطنة بالطابق الرابع، فالخادمة أقدمت على إلقاء نفسها من أعلى العقار هرباً من التنمر والتعذيب على يد مخدومتها بعد أن ضاقت بها السبل.
الغريب أنه فى تحقيقات النيابة لم تنفِ السيدة فاطمة وقائع التنمر أو التعذيب التى وصلت إلى حد خلع الأظافر وقص الشعر والعض، اعتقاداً منها أن هذا من وسائل تعليم الخادمة وتحفيزها على العمل، وعلّلت تنمرها على «ميرت» بأنه تنمر هادف وليس له أى آثار نفسية مؤذية!
وإذا كانت تلك الحادثة كشفت الستار عما تتعرض له الخادمات وراء الأبواب المغلقة، فالدراسة الصادرة عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة، التى أعدتها الباحثة ياسمين أحمد، بعنوان «دراسة استكشافية حول البنات العاملات فى المنازل»، وثَّقت أوضاع العاملات فى البيوت ومعاناتهن جراء التنمر والتعذيب، كما وجدت أن المخدومين يمارسون أساليبهم لتطويع الخادمات سواء بالتعنيف البدنى أو اللفظي، إضافة لحرمانهن من أجورهن أو تقليلها، ما يعد تعدياً سافراً على حقوقهن.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم المستوى التعليمى المرتفع لبعض الخادمات، فإنهن لم يسلمن من التنمر والإهانة من أصحاب العمل، اعتقاداً بأن ذلك يكسر شوكة الخادمة ويجعلها طائعة لربة المنزل، والأدهى تعرض الخادمات للايذاء أو التنمر من قبل أبناء الأسر التى يعملن فى بيوتها، ما يخلف أثراً نفسياً مؤلماً على هذه الفئة فى ظل عدم وجود قانون يحمى الخادمات من أشكال الإيذاء المختلفة.
الدراسة تطرقت أيضاً لدور الدراما والسينما فى ترسيخ صورة ذهنية مشوشة وخاطئة عن الخادمات.
الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى، يقول لـ«آخرساعة»: «يقبل أصحاب العمل على اضطهاد الخادمات والتنمر بهن كنوع من السادية، فضلاً علن أنهم يقدمون لهن أجوراً ضعيفة لا تتناسب مع يبذلنه من جهد، اعتقاداً منهم بأن هذا يجعلهن أكثر طاعة لهم، وبالطبع فإن ذلك يترك آثاراً سلبية على نفسية الخادمة، أبرزها افتقادها الأمان والشعور بالخوف وفقدان الثقة، وقد يصل الأمر إلى حد الاكتئاب والإقدام على الانتحار»!
يتابع: «المؤلم أن المخدومين دائماً يبررون هذه الانتهاكات بأنها نتيجة لأفعال الخادمات، سواء أكانت سرقة أو خيانة زوجية أو حتى تمرداً»، مشيراً إلى أن الخادمات صغيرات السن أكثر تعرضاً للتنمر والتعذيب، على عكس الأكبر سناً، خاصة أن الأخيرات قادرات على إيجاد عمل آخر بسهولة.
وعن كيفية تغيير هذه النظرة الدونية للخادمات، يقول: «لا بد من زيادة الحملات للتوعية بمهنة العمل فى المنازل، والتأكيد على أنها لا تقل قيمة وأهمية عن باقى المهن الشريفة، مع اختيار نماذج مثالية من الخادمات لتكريمهن وتقديمهن للمجتمع، ويمكن أن يتم ذلك بناء على ترشيحات المخدومين»، مؤكداً أن الدراما التلفزيونية والسينما يقع عليهما عبء كبير فى تغيير تلك النظرة بتقديم أعمال فنية تُعلى من شأن الخادمات وتغيِّر الصورة السيئة عنهن.
وتتفق معه الدكتورة سامية الساعاتى، أستاذة علم الاجتماع، فتقول: «يعانى المجتمع فى الفترة الأخيرة أمراضاً كثيرة، أبرزها التنمر والتحقير من أشخاص أو مهن، ومن المؤسف أن يقود تلك الحملات نجوم مجتمع وإعلاميون يُشار لهم بالبنان، وتربعت مهنة الخادمة على عرش التنمر رغم أن الكثير من البيوت والأسر لا تستطيع الاستغناء عنها فى ظل خروج المرأة للعمل وتغيبها عن بيتها لفترات طويلة، وعادة ما يكون الدافع وراء التنمر نفسياً، فالمخدومة تحاول بكافة الطرق الحفاظ على موقعها كربة منزل من خلال إهانة الخادمة وتعذيبها من دون النظر للآثار النفسية، والمؤسف أن معظم الأعمال الدرامية أو البرامج التلفزيونية لا تقدر تلك المهنة أو تحترمها ليخرج جيل كامل ينظر للخادمات بشكل مهين»، مؤكدة أنه فى كثير من الأحيان يعانى أرباب العمل عقدة نقص تظهر فى تعاملاتهم مع مخدوميهم.