اللغة العربية هاجرت من التليفزيون والفضائيات المصرية

 التليفزيون والفضائيات المصرية
التليفزيون والفضائيات المصرية

عبد الصبور بدر

فيما تكررت أخطاؤهم الكارثية عند الجمهور، اختفت العربية الفصحى من على ألسنة مذيعى "اليومين دول"، فى التليفزيون أو الفضائيات المصرية، وحل بدلا عنها لغة الروشنة فى الوقت الذى تحقق فيه الفصحى انتصارا تاريخيا على الشاشات الخليجية ودول الشام وتصنع حضورا وكاريزما لمقدمى البرامج الذين يجدون فيها للتميز.. "آخرساعة" تحقق فى القضية مع خبراء الإعلام لمعرفة الأسباب ومحاولة البحث عن حلول فورية.

حمدى الكنيسى أول  نقيب للإعلاميين يصف ما تتعرض له اللغة العربية فى مصر بأنه أقرب ما يكون إلى الكارثة، ويضرب مثلا بخطب بعض الوزراء والمسئولين الذين يهملون تماما قواعد اللغة العربية، وتشجيع الأسر المصرية للأجيال الجديدة على التحدث باللغة الأجنبية حيث يتباهى كل أب أن أبناءه يتكلمون الإنجليزية أو الفرنسية، وأخيرا ما تتعرض له اللغة حتى الآن فى الكتابة على السوشيال ميديا باستبدال بعض الحروف بالأرقام وفق ما يطلق عليه "الفرانكوآراب".
وأضاف: هذه ظواهر مرعبة ومخيفة، خاصة عندما تمتد المأساة للعمل الإعلامى سواء تليفزيونى أو إذاعى ونفاجأ بإهمال شديد فى ممارسة اللغة العربية وقراءتها بشكل صحيح.
يطالب الكنيسى بوقفة جادة جدا من الدولة من خلال الوزارات والأجهزة الإعلامية، إضافة إلى مجمع اللغة العربية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والصحافة والهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة ونقابتى الصحفيين والإعلاميين "خاصة عندما تقوم الأخيرة بشكلها الكامل لأنها حاليا مجرد لجنة تأسيسية".
ويأسف بشدة بسبب دخول القطاع الخاص بشكل مباشر، لما أصاب الإعلام الوطنى، وأدى إلى تراجع وسائل اختبارات الإعلاميين، منها اختبارات المذيعين لاختيار من يحمل أمانة الميكروفون سواء فى الإذاعة أو التليفزيون.
ويتذكر الإعلامى الكبير أنه فى فترة سابقة كان يتقدم 8000 شخص لاختبار تحريرى فى اللغة العربية، إضافة لامتحان فى اللغة الأجنبية ودقتها، أمام الميكروفون وكان يسبق الظهور على الهواء بعام أو عامين، إضافة إلى متابعة لمن يظهر على الجمهور من الإذاعة والتليفزيون، ومن كان يرتكب خطأ يتعرض لعقوبة شديدة جدا، وللأسف هذا غائب الآن ولا يوجد من يهتم به ويتمنى أن يعود مرة أخرى فى إطار إنقاذ اللغة العربية.
وتابع: دخول بعض الفنانين مجال الإعلام زاد الأمر سوءا، فلم يكن متاحا لأى شخص أن يحمل أمانة الميكروفون إلا إذا تم تدريبه واختبار لغته العربية سواء من ناحية القواعد أو مخارج الحروف أو غيرها، وللأسف ما يحدث حاليا من فوضى جعل أى شخص يمكنه أن يدخل للاستوديو ليقرأ النشرة أو يقدم برنامجا.
ويطالب بالمتابعة بشكل مستمر ومن يخطئ يوقف عن العمل لفترة ويلتحق بمعهد التدريب الإذاعى ويتم تقديم مناهج فى اللغة العربية لكل من يثبت أنه لا يستخدمها بشكل جيد.
ويتطرق إلى تمسك دول الخليج باللغة العربية فى البرامج ما جعل قنواتهم وما يقدمونه بشكل عام الأعلى مشاهدة، وهو ما يحسب لهم، وهم لا يفعلون شيئا أكثر من أنهم يطبقون ما كنا نقوم به قبل الفوضى التى حدثت فى إعلامنا.
ويحمل د. عبد الله الخولى نائب رئيس إذاعة القرآن الكريم والمسئول عن تدريب المذيعين فى معهد الإذاعة والتليفزيون السابق، القيادات الإعلامية مسئولية اختفاء الفصحى من ألسنة الكثيرين من المذيعين ويتهمهم بأنهم غير معنيين باللغة العربية حتى يحرصوا على تدريب المذيعين وأخذ الدورات اللازمة للنطق الصحيح ومنعهم من الظهور أو القراءة إلا بعد إجادة قواعد اللغة إجادة تامة.
وقال: فى العصور السابقة أيام الرواد الإذاعيين الذين ملأوا الدنيا بأصواتهم وثقافاتهم كانت هناك عناية كبيرة بالعربية حيث إن امتحانات المذيعين صعبة جدا ولم يكن الامتحان فى يوم واحد بل يستغرق أياما، وهو ما اختفى الآن وأصبح المجال معتمدا على الوسائط والمعارف.
وأوضح: إذا أردنا أن تعود للغة العربية هيبتها ومكانتها على ألسنة المذيعين لابد من العناية بالتدريب قبل الظهور على الشاشة وقبل التحدث أمام الميكروفون ولابد أن يؤمن المسئولون بأهمية اللغة العربية لأنها تحتاج إلى من يدافع عنها ومن يصون كرامتها وإلى من يدرك أهميتها، وبدون هذه الأشياء لن يكون للغة العربية وجود حقيقى على ألسنة المذيعين فى الإذاعة والتليفزيون.
وتابع: كنت المحاضر الوحيد فى قواعد اللغة العربية بمعهد الإذاعة والتليفزيون بعد وفاة الدكتور كمال بشر نائب رئيس مجمع اللغة العربية الأسبق وكانت المحاضرات قائمة على التدريب العملى، وكنا ندرس لهم اللغة التى يستخدمونها فى القراءة والكتابة، وهى اللغة السهلة اليسيرة التى تجعلهم ينطقون نطقا سليما خاليا من الأخطاء الشائعة.
وأوضح: كان هناك عدة مستويات الأول منها مخصص لمن ليس له دراية باللغة العربية فإذا اجتازه ينتقل للثانى ثم إلى الثالث فإذا نجح المتدرب فى المستويات الثلاثة يكون قادرا على قراءة النشرة بشكل سليم بنسبة 99%، لكننا نفاجأ أنه عندما يذهب للعمل يقوم رؤساؤه بانتقاده قائلين: لا تشكل كل كلمة ولا تتقعر فى القراءة، واللغة لابد أن تكون سهلة وحاول أن تسكن بعض الكلمات، وكل هذا يتسبب فى ضياع اللغة وفى عدم حرص المذيع على اللغة التى مكث فيها ثلاثة أشهر كى يتعلمها.
واستطرد: لإنقاذ الموقف حاليا لابد من التدريب ثم التدريب ثم التدريب وبعده المتابعة والتشجيع من قبل المسئولين، ولابد أن يؤمن المسئولون بأهمية اللغة العربية وألا يظهر على الشاشة أو ينطق عبر الميكروفون إلا بعد إجادة قواعد اللغة العربية نطقا وكتابة.
ويرى الإعلامى د. جمال الشاعر أن القضية متشعبة وأحد أهم الأسباب هو طغيان الإعلام التجارى وسطوة الإعلان على المحتوى الإعلامى، حيث أصبح هناك اتجاه نحو مغازلة الجمهور والتبسيط أكثر من المطلوب والحرص على أن المحتوى الإعلامى يجلب الإعلانات والرعاة والدخل أكثر من أن يبث قيمة أو رسالة لها دور فى بناء الإنسان المصرى كما قال سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى توجهاته حاليا.
وتابع: العنصر المالى هو ما أصبح الإعلام يبحث عنه حاليا، وله الدور الأكبر فى الاتجاه نحو الخفة والتبسيط الذى يصل أحيانا إلى التسطيح واستخدام اللغة الدارجة ولغة الشارع، عكس المفروض، فمن الطبيعى أن يكون هدف الإعلام الارتقاء بالذوق العام وبث الوعى والثقافة ومستوى اللغة.
وأضاف: لم يعد هناك أى معايير لاختيار الإعلاميين مثل الماضى، فقد كان هناك امتحانات تحريرية فى اللغة العربية وفى الإعلام وفى الترجمة، وبعد ذلك هناك امتحان صوت وهيئة وثقافة عامة، وبعد كل ذلك يتدرب المذيع من ستة أشهر وحتى سنة لكى يظهر فى الإذاعة ويقول هنا القاهرة مثلا ويقرأ موجز الأنباء ويقدم الأغانى، فكان هناك ضوابط مهنية غير سهلة.
ويأسف لأن التليفزيون المصرى لم يعد ملتزما بهذه الضوابط والقنوات الخاصة وإذاعات الـ "إف إم" لا تطبق نفس التقاليد فى الاختبارات إطلاقا، فهو مجرد اختبار صوت أو كاميرا بسيط ولا يوجد أى اختبارات عميقة ومتخصصة، وضوابط الاختيار لم تعد متوفرة فالاختيار أصبح عشوائيا، بالإضافة إلى غياب التدريب.
ويقول: كنا نمر بكل أنواع الاختبارات فى مختلف المجالات ، فعلى سبيل المثال عندما كنا نذهب للإذاعة الخارجية نمارس فن الارتجال وكان يتم تنميته بالخروج فى الاحتفالات والندوات، وهذا يتطلب منا أن نكون مستعدين طوال الوقت وهذا لم يعد متوفرا بالمرة.
ويلاحظ جمال الشاعر أنه فيما عدا نشرات الأخبار ليس هناك أى التزام بمعايير اللغة بل بالعكس فهم يتحدثون لغة الروشنة، حيث يعتقد المذيع أنه كلما قال كلاما دارجا وخفيفا يتصور أنه بهذا يصنع جمهورا أكبر.
ولا يطالب الشاعر باللغة العربية المقعرة، بل باستخدام لغة عربية بسيطة، لافتا إلى أن الصحافة سبقت الإعلام فى هذه المسألة فالكتابة أصبحت فصحى مطعمة بالعامية وأطلقوا عليها الفصعامية، وهى ما كانوا يسمونها لغة المثقفين.
وأثنى على القنوات الخليجية والشامية التى تقدم حتى برامج الأطفال والرسوم المتحركة باللغة العربية الفصحى لأنهم يقدمون خدمة رائعة نظرا لأن اهتمام المدارس حاليا باللغة العربية ضعيف، والجاذبية تأتى من الإبداع والفن والمحتوى، فعندما يعجز الإعلاميون عن إنتاج محتوى إعلامى مبدع وبه جاذبية وطرافة تصبح اللغة ثقيلة الدم.
وقال: أصبحت اللغة فى مرحلة انتقالية، فنحن أصبحنا فى عصر أصعب وهو الإعلام الرقمى والرقمنة قادمة لا ريب فيها، فاللغة لابد أن تتطور كما كان يقول د. طه حسين "لغتنا العربية يسر لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه فى العصر الحديث من الألفاظ بما يساعد فى تطويرها، فاللغة العربية بشكلها القديم لا يجدى أى نفع إلا للباحثين عن البلاغة وعن النصوص الأدبية بطريقة معينة.
ويرى أن اللغة العامية هى بنت الفصحى ولكن المعضلة تأتى من التدنى فى استخدام العامية، ولكن إذا انتقينا ما يتناسب مع الثقافة والوعى لن يكون هناك أى مشكلة.
ويضيف: "نحن حاليا نعانى من مشكلة اختفاء الكتاتيب"، كان الطفل يحفظ القرآن بشكل صحيح ولغة سليمة وللأسف لا يوجد حاليا بديل عنها، فاللغة العربية بشهادة كل الخبراء حول العالم هى أثرى وأغنى لغة».
ويطالب بضوابط فى اختيار المذيعين إضافة إلى التدريب والمسابقات التى تهتم باستخدام اللغة، فالتنافسية تخلق نوعا من الحماس، والطامة الكبرى تقع فى كليات الإعلام التى لا تهتم بتدريس اللغة العربية كما يجب فيتخرج الطلاب من الإعلام وهم لا يستطيعون قراءة نص، فمناهج الإعلام وكلية الفنون يجب أن يتم تعديلها.