مغامرات مصطفى وعلي أمين.. البوليس السري وحقيبة وزير المالية

مصطفى وعلي أمين
مصطفى وعلي أمين

 21 فبراير 1914، يوم مميز في تاريخ الصحافة المصرية، حين ولد الكاتبان الصحفيان الراحلان مصطفى وعلى أمين، صاحبا ومنشئا مؤسسة "أخبار اليوم".

تربيا فى منزل الزعيم سعد زغلول، مما انعكس على مستقبلهما وفكرهما، سافر مصطفى إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراسته بجامعة جورج تاون، وبعد الحصول على الماجستير عاد إلى مصر لعشقه لمجال الصحافة، أصدر مع أخيه "على" العديد من المجلات وكانت أولها مجلة "الحقوق"، إلى أن جاء عام 1944 ليحققا الحلم بإنشاء جريدة "أخبار اليوم" لتكون على غرار دور الصحف الأوروبية.

بدأ عشقه للصحافة منذ نعومة أظافره، فصار عملاقا في بلاط صاحبة الجلالة، لكن يظل بريق أول حوار له مع الصحفي الكبير محمد حسين هيكل، وعمره لم يتجاوز 17 عامًا علامة في مشواره.

اقترح مصطفى أمين على الأستاذ محمد التابعي أن يقوم بسلسلة أحاديث مع كبار الصحفيين عن أهم ساعة في حياتهم الصحفية، وكانت العقبة الوحيدة أمامه أن بعضهم صديق لوالده، فخشي أن يخبر أحدهم والده بعمله في بالصحافة، فقرر أن يبدأ بخصوم الوفد، الحزب الذي ينتمي إليه والده.

وكانت البداية مع رئيس تحرير جريدة السياسة لسان حال حزب الأحرار الدستوريين، فتوجه إلى نادي الأحرار الدستوريين وفوجئ بعدد من رجال البوليس السري يقف أمامه، فخشي أن يعرفوا اسمه وهويته الصحفية، فينكشف أمره بأنه يعمل بالصحافة وهو تلميذ، وهو الأمر الذي يمنعه القانون، مما قد يعرضه للفصل من جميع المدارس، وينكشف أمره أمام والديه، ويقضى على مستقبله.

 توجه مصطفى إلى أحد رجال البوليس السري، وطلب منه مقابلة والده، مدعيا أنه ابن إبراهيم عبدالقادر المازني، وأخبره أنه يريد منه بعض المال، فسمح له بالدخول وقصد مكتب محمد حسين هيكل (بك).

 شعر هيكل أنه أمام شخص يعرفه جيدا ويتتبع كتاباته، وملم بقصة حياته كاملة، حيث عكف مصطفى أمين على قراءة قصته "زينب" والمقالات الافتتاحية التي كتبها طوال الأسبوع، ودرس تاريخ حياته، فبسط معه في الحوار، وحصل مصطفى أمين يومها على حديث ممتاز، وبعض الأخبار السياسية، كما حصل على رقم التليفون السري لهيكل بك.

سأل الدكتور هيكل عن الجهة التي تخرج منها مصطفى أمين، فأخبره أنه تخرج في كلية الحقوق بالقاهرة، وكان وقتها لا يحمل إلا شهادة الكفاءة، وخشي أن يبادره هيكل بك بسؤال في القانون، ومن حسن حظ مصطفى أمين أن الدكتور هيكل كان ضعيف النظر، وإلا لعرف أنه رآه عدة مرات في بيت الأمة، ولعرف أنه لا يزال تلميذا، ولم يحصل بعد على شهادة البكالوريا.

دخل سكرتير عام حزب الأحرار الدستوريين عبدالحليم العلايلي بك إلى المكتب، ونظر بدهشة إلى مصطفى أمين قائلا: أنت بتعمل هنا إيه يا مصطفى؟ وكاد مصطفى أن يغشى عليه، ولم ينقذه إلا جرس التليفون الذي شغل هيكل بك في حديث طويل.

 أسرع مصطفى إلى العلايلي بك، ورجاه ألا يفضح أمره أمام والده، وأقر له أنه يعمل في روز اليوسف دون علمه، وتوسل إليه أن يكتم السر، ووعده العلايلي بك أن يحفظ السر، وصدق في وعده، وعندما انتهى هيكل بك من محادثته قال لعبدالحليم العلايلي: أنت تعرف مصطفى؟ فقال عبدالحليم: نعم أعرفه من 17 سنة، وفزع مصطفى لأنه يعرفه منذ ولادته، فقال هيكل: ظننت أن عمرك 27 أو 28 سنة، ولكن يظهر أنك عجوز، فقال مصطفى حوالي 30 سنة، وضحك العلايلي بك وهو يودعه وضغط على يده وقال: ما تخافشي .. لن أقول لأبيك.

سري للغاية 

كان للتشابه الشديد بين عملاقي الصحافة مصطفى وعلي أمين فوائد كثيرة ومزايا متعددة، حققا بسببه نجاحات، وأفلتا به من مطبات، وكذلك مواقف للتوأمين مع بعض الوزراء. 

البداية كانت مع وزير الأشغال حسين سري باشا، وكان علي أمين سكرتيرا خاصا له على الدرجة السادسة، وكان الوزير شديدا حازما دقيقا في تنفيذ التعليمات، وكانت تعليماته أن يحضر الموظفون في الثامنة صباحا، ومن يتأخر خمس دقائق يخصم يوم من راتبه، كما كان محرما على موظفي الدرجة السادسة والخامسة ركوب المصعد، بحسب ما نشرته جريدة أخبار اليوم في 5 أبريل 1986.

وذات يوم حضر علي أمين إلى الوزارة في التاسعة صباحا، وما إن دخل إلى المصعد، لحقه الوزير، وصرخ في وجهه: كيف يا أفندي تتأخر ساعة عن موعدك؟ وأيضا تركب المصعد المخصص لكبار الموظفين"، وبكل ثقة يرد علي أمين قائلا: كيف تخاطبني بهذه اللهجة؟ أنا مصطفى أمين رئيس تحرير مجلة آخر ساعة ولست سكرتيرك! 

تراجع حسين سري باشا، وغاب عنه صراخه وبهدوء قال: كنت أمزح معك! أنا أعرف جيدا أنك مصطفى أمين هل معقول لا أعرف سكرتيري، وتوقف المصعد ودخل الوزير إلى مكتبه، وبعد دقائق دق الجرس طالبا علي أمين، فأسرع واستعار رابطة عنق وجاكت، ودخل على الوزير، فقال له الوزير: كنت أتصور أن شقيقك ذكي ويفهم النكتة ولكن ظهر أنه عبيط! تصور أنه لم يعرف أنني أداعبه عندما تظاهرت بأنني أعتقد أنه سكرتيري! وسكت علي أمين ولم يقل إن العبيط هو معالي الوزير.

حقيبة الوزير
 خبطة صحفية ضاعت من مصطفى أمين وكان مصدرها وزير المالية مكرم عبيد، حيث كان علي أمين يعمل مديرا لمكتبه، وحضر مصطفى لمكتب الوزير، فسلمه الوزير ملفا مكتوبا عليه "سري للغاية" متصورا أن من يقف بين يديه هو مدير مكتبه، فتسلمه الصحفي مصطفى أمين دون أن ينبه وزير المالية إلى الأمر.

وهنا دخل علي أمين إلى المكتب، وسارع بخطف الملف من أخيه، وقال للوزير: هذا ليس مدير مكتبك! إنه الصحفي مصطفى أمين.

أما المغامرة الأخيرة كانت مع أمين باشا عثمان، وكان متوجها إلى لبنان في مهمة سرية، وصدرت الأوامر بعدم السماح لأي صحفي بركوب الطائرة التي ستقله إلى بيروت، فاستعان مصطفى أمين بجواز سفر شقيقه علي، والمثبت فيه وظيفته كمهندس، وما إن حلقت الطائرة، واقترب مصطفى أمين من أمين باشا عثمان وما أن رآه أصيب بحالة من الذعر، وقال له: إما أن تنزل من الطائرة أو أنزل أنا، فخاف مصطفى أمين أن يضيع هباء خبر الرحلة الذي نشره في آخر ساعة، فوافق على مغادرة الطائرة، فأمر أمين عثمان بهبوط الطائرة في مطار بورسعيد.

غادر مصطفى أمين الطائرة التي تابعت رحلتها، وفى منتصف الطريق انتبه أمين عثمان إلى اختفاء حقيبته، ليكتشف أن مصطفى أمين لم يغادر الطائرة إلا بعد أن حصل على أوراقه السرية، فأمر الطيار أن يعيد أدراجه إلى مطار بورسعيد ليسترد أرواقه المفقودة، فى الوقت الذي كان فيه مصطفى أمين انتهى من الاطلاع على أسرار الرحلة وانفرد بنشرها.