الانفجار السكاني مأزق أي حكومة

الزيادة السكانية.. لحظة المواجهة

الزيادة السكانية
الزيادة السكانية

كتب :  محمود بسيونى و مصطفى متولى

 

لماذا لا يشعر سكان مصر بعوائد التنمية.. الإجابة الوحيدة المنطقية أن الزيادة السكانية تلتهم أي عائد يمكن أن ينعكس على المواطن المصري الذي مرت حكوماته المتعاقبة بفترات ازدهار اقتصادي وارتفاع في معدلات النمو التي لم تصل إلى المواطن ثم سرعان ما تنتهى بمجرد وقوع أي أزمة.

والشاهد على ذلك تحقيق الحكومة المصرية منذ عام 2008 إلى 2010 معدلات نمو قياسية رغم الأزمة الاقتصادية العالمية وهو ما دفع صندوق النقد إلى الاشادة بالتجربة المصرية، ورغم ذلك النجاح الاقتصادي إلا أن المواطن العادي لم يشعر بأى تحسن، بل وخرج غاضبا في يناير 2011 ثم تحمل فاتورة الفوضى الباهظة فزادت أوجاعه الاقتصادية.

 

أي مقارنة بسيطة بين دخل الدولة المصرية وبين عدد سكانها يكشف حقيقة الوضع الاقتصادى ولماذا لا يشعر المواطن بعائد التنمية الكبيرة الجارية فى كل مكان، وحجم المأزق الذى تعيشه اى حكومة تتولى ادارة شئون وحياة المصريين والتى تجد نفسها مكبلة لسنوات قادمة بمهام لخدمة الزيادة السكانية مثل ضرورة بناء مساكن ومدارس ومستشفيات ومحطات كهرباء لاستيعاب الزيادة المتوقعة سنويا فضلا عن توفير وظائف وهى المهمة الأصعب على الاطلاق خاصة فى ظل المنافسة العالمية بين الدول على جذب الاستثمارات الاجنبية او زيادة الاستثمارات المحلية وهو ما يجبر الدولة على الاقتراض من الخارج لتلبيه تلك المتطلبات فى كل الاحوال حتى تحافظ على استقرار الدولة.

 

الأخطر أن الزيادة السكانية لها وجه مظلم آخر وهو زيادة العشوائيات وتآكل الاراضى الزراعية فى ظل الزحف السكانى، فكلما زاد عدد السكان يتم التوسع العمرانى على حساب ما تبقى من الأراضى الزراعية كما تراجعت حصة الفرد من المياه إلى أكثر من 50 بالمائة خلال الخمسين سنة الماضية وتتراجع أكثر فأكثر مع استمرار الزيادة السكانية، فضلا عن ارتفاع معدلات الجريمة فى ظل زيادة المناطق العشوائية وعدم قدرة الاسر ذات الأعداد الكبيرة على توفير تعليم او رعاية صحية لأطفالهم او حتى تغذية مناسبة لأبنائهم.. ودائما ما يرتبط بالزيادة السكانية ارتفاع اسعار السلع والخدمات والوحدات السكانية نظرا لندرة الارض فى ظل ارتفاع الطلب على السكن وهى كلها تلتهم حتى القدرة المالية للطبقة المتوسطة وهى السبب المباشر فى التراجع الكبير الذى شهدته الطبقة المتوسطة فى مصر خلال السنوات الماضية .

 

الانفجار السكانى الذى تشهده مصر حذرت منه كل الحكومات المتعاقبة، كما حذرت منه مؤسسات اقتصادية دولية عديدة خاصة أن النمو الاقتصادى فى مصر ينبغى أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكانى كى يكون قادرا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد، وهو ما يعنى أن نسبة نمو سكانى بين 2٫5 إلى 3 بالمائة سنويا تحتاج إلى نسبة نمو اقتصادى من 7٫5 إلى 9 بالمائة سنويا للسيطرة على الوضع.

 

ويعود السبب الرئيسى فى ذلك إلى أن المواليد الجدد يلتهمون هذه الثمار التى يذهب ريعها إلى توفير الأدوية والأغذية والخدمات بدلا من استثمارها فى قطاعات تولد الإنتاج والثروة اللازمة لتحديث نظم التعليم والبحث العلمى والبنية التحتية فضلا عن نسبة البطالة العالية فى صفوف الشباب وهو ما يجعل الحصول على جودة الحياة حلماً صعب المنال على اى حكومة مهما نجحت فى رفع معدلات النمو وزادت من الناتج القومى وأن الازمات المعيشية لن تجد طريقا لحلها.

 

تمثل الزيادة السكانية تحديا كبيرا أمام جهود الدولة التنموية، وتقف عائقا أمام ما تحققه الدولة من إنجازات تهدف لتوفير حياة أفضل للمواطنين، فخلال السنوات الماضية والتى أعقبت عام ٢٠١٣ انطلقت الدولة فى تطوير كافة القطاعات التى ترتبط بحياة المواطنين وأبرزها قطاعا الصحة والنقل..

ولكن ظلت معادلة التنمية، شعور المواطنين بعوائد تحقيقها صعبة التحقق نظرا للزيادة السكانية الكبيرة.. لتمثل تحديا وعائقا كبيرا أمام جهود الدولة.

 

د‭. ‬طارق‭ ‬توفيق‭: ‬الدولة‭ ‬تحتاج‭ ٥٠‬‭ ‬مليارًا‭ ‬سنويًا‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الزيادة‭ ‬فى‭ ‬قطاع‭ ‬الإسكان‭ ‬فقط

  د. طارق توفيق

باعتبار الزيادة السكانية تهديدا للأجيال الحالية، والمستقبلية كشفت نتائج وتوصيات دراسة التنبؤات السكانية لمصر ٢٠٢٠−٢٠٥٠ عن ثلاثة سيناريوهات متوقعة لعدد السكان فى مصر، الأول منها يتمثل فى عدم ضبط الزيادة السكانية والوصول إلى معدل الإنجاب الكلى 3.5 طفل لكل سيدة.

ووفقاً لهذا السيناريو يصبح عدد سكان مصر حوالى 183 مليون نسمة عام 2050 ونسبة السكان فى قوة العمل (من سن 15 إلى 65) حوالى 60%، ونسبة الإعالة الكلية حوالى 0.68.

ويتوقع السيناريو الثانى لعدد السكان فى مصر ثبات معدل الإنجاب الكلى عند الوضع الحالى وهو (3.07 طفل لكل سيدة) ومن ثم يصبح عدد سكان مصر حوالى 160 مليون نسمة عام 2050 ونسبة السكان فى قوة العمل حوالى 64% ونسبة الإعالة الكلية حوالى 0.56، أما السيناريو الثالث فيتوقع الوصول بمعدل الإنجاب الكلى إلى 2.4 طفل لكل سيدة، فى حال تطبيق الاستراتيجية القومية للسكان ووفقا لهذا السيناريو سيكون عدد سكان مصر حوالى 152 مليون نسمة عام 2050، ما يعنى أن تطبيق الاستراتيجية سيكون له آثار إيجابية فى توفير عبء من 10 إلى 25 مليون نسمة، فى حين ستكون نسبة السكان فى قوة العمل حوالى 64% ونسبة الإعالة الكلية حوالى 0.55.

 

وأوضح د. طارق توفيق نائب وزير الصحة لشئون السكان، أنه فى حالة الزيادة السكانية غير المنضبطة فإن عدد السكان فى عمر 65 سنة فأكثر سيرتفع من حوالى 5٫5 مليون نسمة فى العام الجارى ٢٠٢١ إلى حوالى 7٫9 مليون نسمة فى عام 2030، ثم إلى حوالى 15٫8 مليون نسمة عام 2050، وسيؤدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الإعالة الكبرى الأمر الذى بدوره سيؤدى إلى زيادة متطلبات الرعاية الصحية، والاجتماعية الخاصة بالمسنين وتوفير مزيد من الرعاية الكاملة لهذه الشريحة المهمة فى المجتمع، لافتا إلى أن نصيب الفرد من الأرض المزروعة انخفض من نصف فدان لكل نسمة فى عام 1950 إلى 77 مترا مربعا لكل نسمة فى عام 2014، ومن المتوقع إذا استمرت الزيادة السكانية بهذه المعدلات أن ينخفض نصيب الفرد إلى أقل من 50 مترا مربعا لكل نسمة مع أى سيناريو متوقع من سيناريوهات الزيادة السكانية، كما أن متوسط نصيب الفرد من المياه النقية يتناقص بحوالى 11% نتيجة الزيادة السكانية، فقد انخفض نصيب الفرد من أكثر من 600 م3 عام 2014 إلى 554 م3 العام الجارى ٢٠٢١ ومتوقع أن ينخفض نصيب الفرد إلى أقل من 450 م3 عام 2050، وهو ما يعكس الحاجة إلى بدائل لسد حاجة الأفراد من مياه الشرب بإنشاء محطات تنقية جديدة وهو ما يمثل عبئا إضافيا على ميزانية الدولة.

 

وحول تأثير الزيادة المتوقعة على المدارس الحكومية، أشار طارق إلى أن استيعاب المدارس الحكومية للزيادة المتوقعة يتطلب بناء حوالى 3100 فصل سنويا وذلك فى حالة الزيادة المنضبطة، بينما يتطلب بناء 5400 فصل سنويا فى حال الزيادة غير المخططة حتى عام 2030، قائلا: إن الدولة تحتاج إلى 50 مليار جنيه سنوياً لتوفير 750 ألف وحدة سنوياً، وفى ضوء الزيادة السكانية غير المنضبطة سيزيد عبء الإسكان على كاهل الدولة لتوفير الوحدات المطلوبة، وفى ضوء الزيادة السكانية المتوقعة سيتم ضخ مليارات الجنيهات لتفعيل نظام التأمين الصحى الشامل وبناء العديد من المستشفيات والمراكز الطبية حوالى 8000 سرير بحلول 2030.

 

وأكد الدكتور توفيق على أهمية الاهتمام بالخصائص السكانية وتبنى برامج فعالة للتنمية البشرية فى محو الأمية والتعليم والصحة لمردودها المباشر على السكان، إضافة إلى التركيز على فئة الشباب لترسيخ مفاهيم الأسرة الصغيرة والتخطيط الإنجابى والمساواة بين الجنسين، فهم يمثلون آباء وأمهات المستقبل وهم الطريق إلى تحقيق الهدف القومى المتمثل فى طفلين لكل أسرة.

 

وأشار توفيق إلى أن تعليم وتشغيل المرأة له أثر بالغ على خفض معدلات الإنجاب وتحسين الخصائص السكانية فى مصر، حيث أن تعليم المرأة يحسن صحة الأم والطفل ويقلل الحاجة إلى أطفال أكثر، كما أنه يساعد المرأة على اتخاذ قرارات الإنجاب والقدرة على التفاوض من أجل استخدام وسائل تنظيم الأسرة وتطبيق فكرة الأسرة صغيرة الحجم، مضيفاً أنه فى كل دول العالم سواء كانت متقدمة أو نامية، كلما زاد تعليم المرأة قل عدد أطفالها وزاد من فرص حصولها على عمل يمكنها اقتصادياً ويتيح لها تنشئة أطفالها بشكل فعال.

 

ولفت توفيق إلى أن تعليم المرأة يغير تفضيلات الإنجاب لديها من خلال عدد من الآليات، من بينها أن رعاية الأطفال تمثل استنزافاً للوقت والجهد بالنسبة للمرأة المتعلمة خصوصاً فى وجود سوق للعمل وزيادة دخلها، فكلما زاد تعليم المرأة زادت فرص العمل وتحسين الدخل، عند ذلك تكون رعاية الأطفال مكلفة مادياً وتقل الرغبة فى إنجاب عدد كبير من الأطفال، كما أن تعليم المرأة يحسن الوضع الاقتصادى للأسرة ويعزز مكانتها فى المجتمع وهذا بالتبعية أيضاً يقلل من الحاجة إلى أطفال أكثر خصوصاً فى المجتمعات الريفية، حيث ثقافة تفضيل إنجاب العديد من الذكور للمساعدة فى العمل والدخل للأسرة ودعم الأبوين عند الكبر، وأيضاً فإن تعليم المرأة يقلل من الاعتماد وتفضيل إنجاب الذكور للعمل وإعالة الأسرة عن طريق تمكينها اقتصادياً، فتعليم المرأة يجعل تفضيل الذكور أقل، مقارنة بالأقل تعليماً وذلك نتيجة الاستقلال المالى والوعى بتساوى النوع، بالإضافة إلى ذلك فإنه كلما زاد تعليم المرأة زاد وعيها بوسائل تنظيم الأسرة وزادت قدرتها على التفاوض واقناع الزوج باستخدام تلك الوسائل.

 

وأوضح توفيق إن تشغيل المرأة يعد أداة فاعلة لتمكين المرأة الريفية وخفض معدلات الخصوبة وتسريع التحول الديموجرافى، بجانب أن تشغيل المرأة خصوصاً الريفية، فى عمل خارج الزراعة وله دوام محدد وعائد مادى خارج المنزل، يُمكن المرأة اقتصادياً، ويؤدى إلى تفضيل العمل الإنتاجى على الواجب الإنجابى وهذا يؤدى إلى إنجاب عدد أقل من الأطفال.

 

ويضع توفيق عددا من السياسات التى يجب اتباعها خلال الفترة القادمة للحد من الزيادة أبرزها وضع السياسات السكانية التى تحقق أعلى معدل ممكن للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يواكب التطور العلمى والتكنولوجى على المستوى العالمى واقتراح السياسات القومية فى هذا المجال، وتحديد دور الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والخاصة فى تنفيذ البرامج السكانية والتنسيق فيما بينها، ومتابعة تنفيذ خطة السيطرة على النمو السكانى والمشروعات المكونة لها.

 

وذلك بهدف تقديم المعلومات اللازمة والموثقة المرتبطة بالأوضاع السكانية والإجتماعية، للمهتمين ولمتخذى القرار من أجل الإسهام فى التعرف على الوضع الحالى والرؤية المستقبلية للسكان فى مصر.

 

ويضيف توفيق كما يجب ادخال الثقافة السكانية فى مناهج التعليم المختلفة سواء بالمدارس او الجامعات، بجانب ان يكون لرجال الدين دور فعال ولا يقتصر على قيادات رجال الدين فقط بل لا بد من ان يشمل ذلك كافة الدعاة المنتشرين فى ربوع مصر.