«أبوقرقاص».. الأول فى العالم «قصب وبنجر»

«آخرساعة» داخل أقدم مصنع فى المنطقة

المسئولون بالمصنع يتحــــــــــــدثون لمحررة «آخرساعة»
المسئولون بالمصنع يتحــــــــــــدثون لمحررة «آخرساعة»

على يمين الطريق الزراعى بمدينة أبوقرقاص فى محافظة المنيا، يقع مصنع السكر، الذى يحمل اسم المدينة فى زاوية متسعة تمتد لنحو 84 فداناً، بين حين وآخر يتم فتح البوابة الرئيسية لدخول الشاحنات الكبيرة المحملة بالقصب، وإلى يمين البوابة يقع مبنى الإدارة القديم المكوّن من طابقين، بينما فى الجهة المقابلة يوجد خط إنتاج السكر من البنجر، وهو خط حديث أضيف إلى المصنع فى أواخر التسعينيات من القرن الماضى.

يُعد مصنع أبوقرقاص بالمنيا أعرق المصانع فى الشرق الأوسط، وقد أنشئ بأمر من الخديو إسماعيل فى عام 1871 ضمن 19 مصنعاً آخر.
وقد اختارت «آخر ساعة» هذا المصنع لتقضى يوماً كاملاً مع عمّاله، ومتابعة كل خطوات الإنتاج بداية من جنى محصول القصب إلى شحنه ونقله بواسطة «قطار الديكوفيل»، وعندما يصل القطار عند بوابة الميزان يوضع المحصول على «ترابيزة الموازين» لمعايرة شحنة التوريد، ثم يمر على الكسارات الخارجية لتجهيزه لعملية العصر.
عقب تفريغ حمولة القصب فى صندوق مخصص لهذا الغرض، يتم نقله إلى الكسّارة الثانية لضمان تفتيت القصب قبل دخوله إلى مرحلة العصر باستخدام آلة عملاقة ذات صوت مرتفع تقع فى الطابق الأرضى.
بسهولة يمكن رؤية عصير القصب وهو يجرى فى المجرى المخصص له، قبل تصفيته ليدخل فى مراحل الإنتاج التالية، وعملية تصفية العصير من الشوائب تتم على أكثر من مرحلة لضمان نقاء العصير، كما يتم عصر الفتات مرة أخرى، بعد إضافة المياه إليه فى مرحلة تُسمى «الانتشار» لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من القصب، ويتم عصر 60% من القصب فى المرة الأولى ويُسمى «عصيراً رئيسياً»، فيما يتم الحصول على نسبة الـ40% المتبقية فى مرحلة «الانتشار»، بحسب ما أكد لنا مسئول فى إدارة المصنع.
على مقربة من كسّارة القصب والعصارة، يوجد مبنى إدارة الرقابة الصناعية والجودة، الذى يضم معملين مجهزين بمعدات لتحليل عينات القصب والعصير وقياس نسبة السكر، ويعمل فيهما عددٌ كبير من الكيميائيين من مختلف الأعمار.
المعامل الكيميائية
أثناء تجولنا داخل المصنع، التقينا عبدالجواد حسن، كيميائي، الذى قال إن مهمتنا هى الرقابة على جميع مراحل الصناعة بداية من مزارع القصب وحتى إنتاج السكر منه، للتأكد من سلامة المنتج وقياس جودته ونسبة الحلاوة به، ونتابع الموازين الإلكترونية، ثم نتابع نسبة الشوائب فى القصب، لأن هناك نسبة شوائب مسموح بها فى القصب تصل إلى 2%، ولو زادت هذه النسبة فى القصب المورد إلينا يتم خصم نسبة الشوائب من الفلاحين حسب درجتها، كما أن عصير القصب يوجد به مياه بنسبة 75% بينما تبلغ نسبة السكروز نحو 11%.
ويؤكد أن «إدارة الرقابة والمراجعة تعتبر جهة رقابية يحق لها مراقبة كل المراحل لضمان مستوى جودة السكر حسب المواصفات العالمية، ونراقب جودة الإنتاج بداية من الحقول وحتى التعبئة ونعالج السكر حرارياً وكيميائياً للتخلص من المواد غير السكرية، ويُقسّم العمل إلى 3 ورديات خلال موسم الإنتاج بين فنى وكيميائى وعامل، ويستمر العمل على مدار الساعة فى موسم إنتاج القصب والبنجر».
فيما يقول الكيميائى ياسين محمد: إن الشركة استغلت جائحة كورونا وقامت بتجهيز المصنع للتشغيل وعمل الصيانة اللازمة لبدء موسم العصير عن طريق صيانة كافة معدات المصنع والخطوط الموجودة به، وتغيير التالف منها، لافتاً إلى أن المصنع صديق للبيئة، وتوجد به فلاتر على المراجل البخارية لمنع تطاير الدخان ووصوله إلى المناطق السكنية المجاورة للمصنع وعدم استخدام أى مواد كيميائية ضارة فى إنتاج السكر، بالإضافة إلى أننا نتخلَّص من المخلفات بتحويلها إلى مصنع آخر يقوم بإعادة تدوير المخلفات وتحويلها إلى أعلاف للدواجن ومخصبات للأراضى الزراعية.
مراقبة المحصول
وعن مراقبة المحصول منذ زراعته إلى أن يصل للمصنع، يقول المهندس عفت عبدالحي، مدير عام مراقبة القصب بالمصنع: إن المصنع يقوم بعمل برامج توعية مجانية للمزارعين لمقاومة الآفات الزراعية التى تصيب محاصيل القصب والبنجر، تتضمن عدة نصائح، منها تربية أصناف مقاومة للآفات والتخطيط الواسع بين الزراعات بما يساعد على تهوية المحصول ووصول أشعة الشمس إلى الجذور، ما يساعد على تقوية العيدان وتقليل نسبة الرطوبة، وهذا يقلل الإصابة بالأمراض والحشرات، ويتضمن البرنامج خلط مياه الرى بالكيروسين الذى يساعد على تقليل نسبة الإصابة، وعدم الإسراف فى التسميد الأزوتي، والعناية بعمليات الرى وإزالة الحشائش، وقطع عيدان القصب المصابة من تحت سطح التربة مباشرة بمجرد ذبول القمم النامية.
ويضيف: يجرى المصنع حملات لرش الأراضى بالمبيدات مجاناً، كما نقوم بتصنيع طفيل «التيكوجراما» داخل معاملنا الخاصة، وهو طفيل طبيعى ولا يوجد أى مدخلات كيميائية عليه ويفيد فى القضاء على دودة القصب الصغرى، ويتم توزيعه على المزارعين.
معالجة حرارية
تحدثنا إلى عدد من العاملين فى خطوط الإنتاج المختلفة، من بينهم أحمد جمال، حيث قال: تتم معالجة العصير حرارياً وكيميائياً ورفعه إلى درجة حرارة من 25 إلى 103 مئوية، أما فى المعالجة الكيميائية فيتم إضافة حمض الفوسفوريك وهيدروكسيد الكالسيوم إلى العصير، ثم تأتى مرحلة «الترويق» ووضعه فى خزانات كبيرة لفصل العسل الرائق عن جميع المعادن والأملاح الأخرى للحصول على الرحيق، ويتم إضافة الرحيق إلى الطبخات التالية للحصول على منتج قياسى ليدخل فيما بعد مرحلة البلورة ثم يُجفف ويُبرد قبل تعبئته فى شكله النهائي، وكل هذه المراحل يتم الانتهاء منها خلال ساعات.
استخلاص المولاس
بينما يقول عامر محمد مسئول قسم الإنتاج بالمصنع: بعد عمل العصارات بتركيز وحرارة معينة يصل العصير إلى المرحلة قبل الأخيرة، ويتم التعامل معه بنسب معينة لإنتاج السكر، ومنه يستخلص السكر المباشر الذى يتم تعبئته فى شكائر، من ثم يتم استخلاص سائل «المولاس» الذى يستخدم فى صناعات أخرى، حيث يقوم المصنع بإنتاج الكحول الإيثيلى والخميرة والخل والخشب الحبيبى منها، وينتج المصنع حوالى 5 آلاف لوح خشب حبيبي، كما يستخرج «الفيناس» من «المولاس» لإنتاج أعلاف الحيوانات ومخصبات الأراضى الزراعية.
أما المرحلة الأخيرة فتحدث عنها أحد العاملين فى المصنع يدعى حامد علي: بعد عملية البلورة يتم فصل السكر الصلب عن الرحيق فى مراحل إنتاج لاحقة، وذلك بالتوازى مع إنتاج المولاس الذى يصنع منه الخميرة الجافة والكحول الإيثيلى النقى، وينتج المصنع 300 ألف طن كحول إيثيلى يومياً، وبعد تجفيف السكر ينقل آلياً إلى خزانات كبيرة تمهيداً لتعبئته فى أجولة مخصصة للسكر الأبيض مدون عليها اسم «شركة السكر والصناعات التكاملية» التى يتبعها المصنع بوزن 50 كيلوجراماً للجوال، ويشرف على التعبئة عدة عمال بجانب بعض الإداريين الذين يراقبون وزن الشكائر على ميزان إلكترونى ثم يتم إخراج الأجولة عبر سير إلى خارج عنابر الشركة، حيث يقف عمّال الشحن على مربع خرسانى يرتفع عن الأرض مسافة متر ونصف المتر وينقلون تباعاً الأجولة على شاحنات شركات التجارة العامة التابعة لوزارة التموين، وفى مخازن الشركات يجرى تعبئة السكر فى أكياس صغيرة من جديد، حيث يبلغ وزن كل كيس واحد كيلوجرام.
من جانبه، يقول المهندس علاء مصطفى، مدير عام المصنع، إن «أبوقرقاص» يعد الوحيد على مستوى العالم الذى يعمل فى إنتاج قصب السكر والبنجر وأقدمها على مستوى الشرق الأوسط حيث إنشئ عام 1871، ويضم العديد من الصناعات التحويلية التى تجعله فى صدارة مصانع الصعيد ويعمل بطاقة إنتاجية 70 ألف طن خلال موسم البنجر، كما يعمل بطاقة 40 ألف طن سكر خلال موسم القصب، وقد حصل المصنع على شهادة الأيزو.
يضيف: ينتج المصنع نحو 400 ألف طن قصب فى الموسم الذى يبدأ من يناير حتى منتصف مايو، وخلال هذه الفترة يعمل المصنع لمدة 24 ساعة يوميا ولمدة 140 يوماً متواصلة من دون توقف، ويعمل المصنع بطاقة إنتاجية للقصب المعصور تقدر بنحو مليونى طن سنوياً من إجمالى 8 ملايين طن على مستوى الجمهورية، ويجمع بين نظامين لإنتاج السكر، أحدهما الاستخلاص بطريقة العصارات عن طريق جهاز الانتشار.