حقل ألغام

نسرين موافي
نسرين موافي

بداخل النفس مساحات كثيرة، مساحة ترتاح فيها وأخرى ترتاح لها، مساحة تخشاها  لكن كثيراً ما تتغلب  فيها على مخاوفك وأخرى تضيء روحك، مساحات عديدة لتتعاطى معها وتؤثر فيك وتتعامل معها إلا واحدة فقط.

بمجرد التفكير فيما يوجد بها تضيء الأنوار بداخلي "احذر منطقة ألغام" هنا يكمن الوجع، هنا لا نستطيع أن نتعامل، هنا تقبع ذكريات الماضي المؤلمة و خيباته وانكساراته،  هنا  ما لم يتم اصلاحه و تجاوزه او حتى التعامل معه .

 من السهل أن ننصح كثيرا ونسهب في النصح وأن نفند الحجج أيضا للغير، لكن من الصعب جدا أن نلتزم النصيحة و نطبقها شخصياً بل أنه في بعض الأحيان يكون من  المستحيلات، ويصبح رفض ذات النصيحة حادا و بعصبية من مبدأ اننا نعلم لكن لا نسطيع ، حاولنا سابقاً و لم تزدنا المحاولة إلا إيلامًا.

عصبية وصوت عال، ليس موجها لمسدي النصيحة بل للنفس التي تعلم مكان النار وتذهب طواعية كالمسحورة.

نعلم أن من أعظم الأخطاء أن نترك الماضي ليتحكم في المستقبل، لكننا نترك هذا الطفل الهزيل ليبتلعه الماضي.

بدلا من أن نبنيه ونصلح به ما بداخلنا، نتركه لماض يؤده ويتلذذ بقتله يوميا مع صباح كل يوم جديد.

هو يتحكم فيه لأننا لم نتعامل معه، آثرنا تجاهله باعتبار أن التجاهل يفنيه ، انكرنا وجوده و تأثيره لنستطيع المضي قدما فزاده الإنكار قوة و سيطرة.

ندعي أننا نسينا وأن كل شيء على ما يرام، بل أن كل شيء تحت السيطرة... نعم هذه حقيقة كل شيء تحت السيطرة لكن سيطرة مشاعر الماضي التي لم نتعامل معها فبقيت كالمارد يختفي في الداخل ينتظر ليبتلع اي سعادة او فرحة يتغذى عليها و يبدلها بداخلنا بالمخاوف و القلق و الحيرة.

هذه المساحة المحرمة هي كالنار تحت الرماد تستطيع في لحظة أن تشعل النار، و بدلا من العمل علي إطفائها ندفن فيها ما يزكيها لتكبر  تحت الرماد مدعين بذلك تعاملنا معها.

مساحة نحن من خلقناها بتجاهلها و بالخوف من التعامل معها.. مساحة مشتركة بين الفعل و رد الفعل، فأي انكسار لنا نصيب فيه و لو حتى بالاستسلام. 

ولنتغلب فعلا على ما يؤلمنا لابد من مواجهته ، و مواجهة النفس بالمسئولية  في وجود الألم و استمراره  حتى في ظل وجود الخذلان والغدر و الخيانة فأنت مسئول عن وجعك ، أنت  من اعطيت مساحة اكبر لمن أو لما لا يستحق في حياتك و أنت ايضاً من ركنت للسكوت و عدم المواجهة ، أنت من تخشى الاعتراف بوجوده و تخشى أن يعرف الناس بألمك فترسم وجه ابتسامه و سعادة زائفه أول من تكذب بها عليه هي نفسك.

كلنا يخشاها، فهي أورثتنا طباعا من طول المدة.. شخصياً أورثتني حذرا وترقبا، بُعدا، بناء حواجز وعقبات وركونا مميتا إلى المألوف فلا مكان لأوجاع جديدة، أورثتني نظرة لا ترى إلا النواقص والعيوب فتبحث عن شوك الوردة قبل جمالها، جعلتني أرتاح لسوء الظن هذا أأمن وأقل إيلامًا.
  
طباع طبعتني بها تجارب حياتية مؤلمة لم أتعامل معها في حينها وخشيت كثيراً الاعتراف بها، حتى قررت أن أعلنها على الملأ أواجهها علني أخطو بالمواجهة في طريق التحرر منها.

واجه ما يؤلمك حتى وأن كانت المواجهة مؤلمة فلا شيء، يستحق أن يظل سكين بداخلك يؤلمك كلما تحركت  فالألم لا يموت بالتجاهل ولا ينسى بالتقادم.

واجه لتتحرر ولتنسى فعلا وتتجاوز وقد تصل إلى سلام ترجوه بشدة مع نفسك.

وتذكر أنك أنت من يكتب ماضيك حتي وأن تقاطع مع آخرين لكنها قراراتك أنت ، فكل يوم هو ماضي للغد فاحسن الي حاضرك و لنفسك.