وزير الثقافة الأسبق:المصريون معتدلون متسامحون.. والإخوان متسلطون متطرفون

 د.شاكر عبد الحميد خلال حواره مع «الأخبار»
د.شاكر عبد الحميد خلال حواره مع «الأخبار»

فى‭ ‬1928‭ ‬تأسست‭ ‬‮«‬الإرهابية‮»‬‭ ‬وتمثال‭ ‬نهضة‭ ‬مصر‭.. ‬فذهبت‭ ‬الجماعة‭ ‬وبقى‭ ‬التمثال‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬التنوير

أختلف‭ ‬مع‭ ‬جمال‭ ‬حمدان‭ ‬الذى‭ ‬وصفنا‭ ‬بالخضوع‭ ‬والانصياع‭ ‬والمسايرة‭.. ‬فنحن‭ ‬شعب‭ ‬صاحب‭ ‬مبادرة‭ ‬ومبادئ

ابن‭ ‬خلدون‭ ‬أساء‭ ‬للمصريين‭ ‬بقوله:‭ ‬إنهم‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يفكرون‭ ‬فى‭ ‬العقاب »‬‭.. ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬ثقة‭ ‬واطمئنان

الشخصية المصرية عميقة متجذرة لديها أصول منذ آلاف السنين، من الصعب النيل منها أو التأثير فيها.. فعليها تحطمت شخصيات أجنبية حاولت أن تحتلها وتفرض سيطرتها عليها.. كل ذلك لأنها شخصية مرنة صاحبة بصمة إبداعية على شتى العصور.. مميزات كثيرة لتلك الشخصية نتعرف عليها فى حوارنا مع د.شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق كحوار ثالث فى سلسلة الحوارات التى تجريها «الأخبار» لمعرفة أسباب فشل «الجماعة الإرهابية» فى تجريف وتحريف الشخصية المصرية؟ وعدم فهمهم لمفاتيح تلك الشخصية رغم تواجدهم وسط المصريين منذ عام 1928. وإلى نص الحوار.

- بداية حدثنا عن الشخصية المصرية وأهم ما تتفرد به؟

لتكن نقطة بدايتنا من الحملة الفرنسية وتحديداً من كتاب "وصف مصر"، والذى كتب فيه أحد علماء هذه الحملة، وهو جوزيف دى شابرول، عن خصائص الشخصية المصرية وعلى نحو يدل على تعجبه من هذه الشخصية وعلى حيرته أيضًا من طباعها وخصائصها. ففى الفصل الثانى من الجزء الأول من كتاب "وصف مصر"  من ترجمة "زهير الشايب" يحدد شابرول خصائص الشخصية المصرية كما درسها على النحو التالى:

أولاً: أن الزمن الطويل قد ترك آثاره على وجوه المصريين فأصبحت ملامحهم محايدة لا تتأثر بفرح ولا تحزن بمصيبة وحيث "لا يمكنك أن تكشف ما احتمل فى نفوس المصريين عن طريق ملامحهم، فصورة الوجه ليست مرآة لأفكارهم، فشكلهم الخارجى، فى كل ظروف حياتهم، يكاد يكون هو نفسه، إذ يحتفظون فى ملامحهم بنفس الحيدة وعدم التأثر سواء حين تأكلهم الهموم أو يعضهم الندم أو كانوا فى نشوة من سعادة غامرة، وسواء كانت تحطمهم تقلبات غير منتظرة أو كانت تنهشهم الغيرة والأحقاد أو كانوا يغلون فى داخلهم من الغضب أو يتحرقون للانتقام، فليس ثمة مطلقاً فعل منعكس: إحمرار فى الوجه، أو شحوب مفاجئ، يستطيع أن يشى بصراع تلك العواطف التى تهزهم".

وعلى الرغم من التعميمات الواضحة، بل وغير الدقيقة، فى هذه التوصيفات التى ذكرها شابرول لخصائص المصريين أثناء فترة الحملة الفرنسية على مصر (1798−1801) إلا أنها ربما قد تنطوى أيضًا على دقة فى وصفه للمصريين بهذه السمات التى قد تتفق أيضًا مع المصطلح الحديث الذى نستخدمه فى الدراسات السيكولوجية الحديثة ألا وهو "الاتزان الانفعالى" وربما، أيضًا التبلد الانفعالى، وقد أرجع شابرول تلك الطباع أو هذا الجمود المذهل فى الملامح كما قال، أولا، إلى الطقس، وكذلك إلى طريقة التربية، وإلى الاعتقاد فى القضاء والقدر.

لكننا نجد أن شابرول قد ربط بين صفة "الجمود المذهل فى الملامح" هذه وبين صفة أخرى ألا وهى: "اصطناع الغفلة" وذلك لأنه "فى كل يوم تنشأ أخطاء وبشاعات جديدة، تصبح الغفلة معها، بالنسبة للمصريين والشرقيين عموما نوعاً من الحيلة لمواجهة هذا العسف".

هكذا طور الناس فى مصر والشرق عموما، كما قال، حيلة لمواجهة الظلم بالتجاهل له، والاعتياد عليه: "فعندما يعاقب الإنسان على حركة أو بسبب نظرة، أو أحياناً لمجرد الاشتباه، كما لو أنه ارتكب جريمة، فإنه يصبح وقد اكتسب مقدرة عميقة على الاستيعاب والتمثل بحيث تصبح هذه الأمور الجائرة حالات عادية∪.. وقد أطلق شابرول هذا السلوك كذلك اسم "التسليم المستعذب للألم" وقال عنه "يميز الشرقيين على وجه العموم، وأرجعه إلى التسليم بالقضاء والقدر، وكذلك إلى الشعور بالعجز وقلة الحيلة، حيث "يعرف المصرى كيف يمشى وقد أغضبه الألم، وكيف يموت تحت عصا القواس دون أن يقول كلمة، فهذه إرادة الله إلخ" وهذه أيضًا من بين التعميمات الكثيرة أيضًا التى يزخر بها "وصف أبناء مصر" من وجهة نظر شابرول، فالتاريخ المصرى زاخر بثورات الفلاحين وغيرهم على الطغاة والمستبدين.

خيال ملتهب

- وهل هناك صفات أخرى للشخصية المصرية أضافها شابرول فى كتابه؟

بالإضافة إلى صفات: الحياد الظاهرى واصطناع الغفلة وأيضا التسليم المستعذب للألم، أضاف شابرول صفة أخرى للمصريين هى الخمول، خاصة لدى سكان المدن منهم وعلى نحو أخص عندما يكونون قد نالوا قدرا ما من الثراء. "فأنت تراهم ممددين لجزء طويل من النهار على آرائكهم أو على حصرهم، حسب درجة ثرائهم، حتى تظن أنه ليس ثمة فى هذه الدنيا ما يشغلهم سوى أن يملأوا أو يفرغوا على التوالى غلايينهم الطويلة".

ومن الواضح، بالطبع أن شابرول يقوم هنا أيضًا بالتعميم فهو يتحدث عن فئة فقط من المصريين هى تلك التى قد أصابها قدر من الثراء كما قلنا، أما الغالبية العظمى من الناس فقد كانوا يرسفون فى قيود الفقر والظلم والحرمان.

وثمة صفات أخرى نسبها شابرول للمصريين نذكر منها، تمثيلا لا حصرا، محبة المصريين، كما قال، لملذات الحياة والموسيقى والغناء وحكى الحكايات والسهرات، والميل إلى الشجار خاصة لدى العامة.

كذلك ينسب شابرول للمصريين البراعة فى التجارة، وخاصة تجارة الفضة، وكذلك البراعة فى مهنة الحلاقة "فلعلهم أبرع زملاء مهنتهم فى العالم، ومع ذلك فأساليبهم تبعث على الضيق حين لا يكون المرء متعوداً عليها، وهم يتفوقون على وجه الخصوص فى حلاقة شعر الرأس بالموسى".. أما عن السمات الإيجابية التى ذكرها شابرول بالنسبة للمصريين فقد كان من بينها إشاراته إلى أنه "تحت هذا القناع من السلبية البادية على ملامحهم يكون خيال ملتهب، وسوف يكون من الظلم أيضًا أن ننكر عليهم كل حساسية، فعادة الصمت تجعل أحاسيسهم على العكس حيث يمكن بذلك تركيزها − أكثر حدة".

خيال ملتهب وحساسية حادة يكمنان خلف قناع اللامبالاة والسلبية، وماذا أيضًا؟ "إن ذلك يعطى لأرواحهم دفعات من النشاط تجعلهم فى بعض الأحيان قادرين على الإتيان بأفعال بالغة الجرأة، وفضلا عن ذلك فإن الفكر يكسب بعض ما كان يفقده لو كانت الروح متوقدة.. إن ملكة الانتباه والقدرة على التذكر، تذهب إلى أبعد حد عند هؤلاء الناس الذين نخالهم غارقين فى بلادة مطلقة".

- وعلى أى أسس تشكلت الشخصية المصرية؟

لقد تشكلت الروح المصرية، وكما كتب عن ذلك جمال حمدان وميلاد حنا وجلال أمين والسيد ياسين ونعمات فؤاد وأحمد زايد وغيرهم من ذلك التراكم الطويل للخبرات والأفكار والمعتقدات والممارسات التى تتابعت على هذه الأرض عبر عشرات القرون، فأنتجت هذا المركب الشعورى، واللاشعورى، المزيج من تلك القيم الفرعونية والمسيحية والإسلامية والحديثة التى تؤمن بالتسامح والوسطية والاعتدال والبعد عن كل شوائب الغلو، وأدران التطرف، وأمراض التعصب، واضطرابات الجمود والشطط، التى ترى نفسها أيضًا جزءًا من أمتها العربية والإسلامية ومن العالم أيضًا.

هكذا وجدنا الإنسان المصرى محبًّا للحياة، محبًّا للفن، مرحًا، متدينًا، بلا إفراط ولا تفريط، وفى قلب ذلك كله نجد هذا الحس الوطنى الذى يكشف عن حبه العميق لوطنه، واعتزازه به، وبتاريخه، وهذا الإيمان الاستراتيجى بالوحدة الوطنية، لدى كل من فى قلبه إيمان وفى عقله وعى. وقد شهد التاريخ المصرى أمثلة على ذلك أيام ثورة 1919 ومعها ظهرت أغانى سيد درويش الرائعة وأعمال مختار الخالدة وإبداعات بديع خيرى وبيرم التونسى وطه حسين والعقاد ومحمود سعيد وأحمد صبرى ويوسف كامل، ذات المكانة الرفيعة والمرموقة.

ومع ثورة 1952 تفجرت ينابيع الإبداع المصرى فى الغناء والأدب والسينما والموسيقى والفن التشكيلى، وقام ثروت عكاشة بإنجازه الكبير الخاص بالبنية الثقافية المصرية الأساسية، والمتعلق كذلك بالتشجيع للإبداع والمبدعين.

اعتزاز بالوطن

- كيف رصد الباحثون الشخصية المصرية وماذا وجدوا؟

لقد رصد الكثير من الباحثين أهم خصائص الروح المصرية المتجددة عبر العصور، وذكروا من بينها: الإيمان وتسليم الأمر لله، والاعتدال والبعد عن التطرف، الصبر وتحمل المشقة والضغوط البدنية والنفسية، المثابرة وطول النفس والمقاومة الدائمة للإحباط بالفكاهة والتندر والإعلاء من قيم الأسرة، ومقاومة من يختالون عليه أو من بهم كبر أو غرور، ففى قلبه اعتزاز بتاريخه ووطنه. وقد أساء ابن خلدون تفسير سلوك المصريين، وتابعه فى ذلك أحمد أمين حين وصفهم "كأنهم فرغوا من يوم الحساب"، إذ فسر ذلك السلوك الخاص بهم بأنه يعبر عن عدم التفكير فى العواقب، فى حين أنه قد يعبر عن الثقة فى النفس والاطمئنان∪.

فى الروح المصرية هذا الاعتزاز بالذات وبالتاريخ وبالوطن، هذه المحبة للحياة وللفن وللتفكه والمرح، هذا الإيمان الصادق غير المظهرى أو الشكلى أو المصطنع، وليس فيها هذا الجمود والتصلب والادعاء والهروب من الحياة، والانغلاق والجهامة والشطط.

- هل الشخصية الإخوانية أكثر غموضًا؟

هى بالفعل شخصية شديدة الغموض بسبب التزام الشخصية الإخوانية بمبدأ السمع والطاعة للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأيضا هناك عدة أسباب أخرى تجعل من الشخص الإخوانى أكثر غموضا وهذه الأسباب تتعلق بأى جماعة سرية تعمل فى الخفاء أو لها طقوس سرية مثل الإخوان وغيرها، ويأتى فى مقدمة هذه الأسباب تصلب الإخوان فكريا وافتقارهم إلى المرونة والإبداع كذلك الدعوة إلى استخدام العنف والقوة كأداة للتغيير بالإضافة إلى التعصب مع المختلفين معهم فى الرأى اجتماعيا وسياسيا ودينيا على نحو يتسم بالصلف.

- وهل هناك أسباب أخرى تجعل الشخصية الإخوانية شخصية مهزوزة تعتمد على تلقى الأمر وتنفيذه بلا تفكير أو إدراك؟

هناك العديد من الأسباب التى ينتج عنها ذلك، فالإخوان المسلمون لديهم نزعة امتثالية أى أنهم يتقبلون شكليا الآخرين ويتقبلون الأنشطة الاجتماعية والفنون ظاهريا وهم فى الحقيقة وفى أعماق أنفسهم يرفضون كل ذلك، كما أن الإخوان المسلمين يخضعون للسلطة ومبدأ السمع والطاعة لمرشدهم الأعلى، كما أنهم لديهم عدوان تسلطى على كل من ينتهك قيم الجماعة ومبادئها ومعاييرها وأهدافها وبالتالى يحدث هزات داخلية لهم على المستوى النفسى فهم ليسوا أسوياء يدعون الحرية وهم عبيد للمرشد، يعترفون بالفن وهم داخليا يحرمونه، إذ أن لديهم الشيء وعكسه وهذا إن دل على شيء آخر فيدل على عدم اتزانهم.

ضد العقل!

- لماذا لا نرى من الإخوان المسلمين أشخاصا مبدعين فى أى مجال من المجالات؟

الإخوان المسلمون يعارضون التأمل والتفرد والخيال والمرونة والإبداع كما أن لديهم نزعة تدميرية وسخرية وميلا إلى إهانة الآخرين وتحقيرهم عن طريق شبكات التواصل الاجتماعى وبرامج الفضائيات، وتكوين جماعات ذات تسميات عدائية مثل مولوتوف، وهم لديهم شعور زائف بالتفوق وإسقاط عيوبهم ومشاكلهم على الآخرين وإنكار وجودها لديهم، كما أن الشخصية الإخوانية تتميز بالآحادية فى النظرة إلى الأمور فى مقابل تعدد الرؤى ووجهات النظر المختلفة لدى جموع الشعب المصرى.

- لماذا لا يؤمن الإخوان المسلمون بفكرة الوطن وحدوده؟

الإخوان المسلمون تسيطر عليهم فكرة التمركز حول الذات والجماعة بدلا من التمركز حول الوطن والآخر والإنسان، وهم يفضلون نمط القيادة الاستبدادية الصلبة الجامدة بدلا من القيادة المرنة المتسامحة وهم لديهم تفكير اجترارى تكرارى ويركزون على الماضى وعلى التاريخ القديم فى مقابل الحاضر والمستقبل.

- لماذا التصقت تهمة المتاجرة بالدين بجماعة الإخوان المسلمين؟

الدين ينبغى أن يكون لصالح الإنسان أما جماعة الإخوان فقد وظفته من أجل التخويف والترهيب والتدمير، أى من أجل غايات عكس أهداف الدين الحقيقية كما أن الإخوان ينسبون دائما الإخلاص والتفانى والإنجاز والقوة والانتماء والتدين والمثل العليا لأنفسهم ونكران وجودها لدى الآخرين خارج جماعتهم.

إقصاء الشعب

- من وجهة نظرك لماذا فشل الإخوان المسلمون فى حكم مصر؟

فشلوا لافتقارهم إلى الخيال السياسى وأيضا لعدم وجود مرونة إبداعية وسياسية لديهم حيث قاموا بإقصاء الآخرين حتى من وقفوا معهم وساندوهم قام الإخوان بإقصائهم من المشهد السياسى لدرجة أنهم قفزوا على ثورة 25 يناير وعلى القوى التى شاركت فى الثورة واتجهوا إلى السيطرة على مقاليد الأمور فى مصر فسيطروا على البرلمان والرئاسة فى عام واحد رغم أن الشعب المصرى كان خارجا من تجربة مريرة قبلها وهى تجربة الحزب الوطنى والقصة معروفة للجميع.

- ولماذا فشل الإخوان تحديدا فى التأثير فى الشخصية المصرية وعدم تجريفها؟

لأن الشخصية المصرية شخصية معتدلة ترفض التطرف والغلو والشطط والقطعية والجزم فى الأمور وهذا الاعتدال لدى الشخصية المصرية يرتبط بالرغبة فى العيش بحرية وكذلك الاستمتاع بالحياة والمرح والفكاهة وليس التجهم والعبوس المتواجد عند الإخوان، ولننظر إلى ما قاله طه حسين فى كتابه "مستقبل الثقافة فى مصر" والذى تحدث فيه عن الشخصية المصرية قائلا إنها شخصية تميل إلى الاعتدال فى المزاج والسلوك والعاطفة والتسامح والوسطية.

- عام 1928 شهد مفارقة ثقافية كبيرة فى تاريخ مصر.. إنشاء جماعة الإخوان وتأسيس تمثال نهضة مصر.. لماذا إذن اختفت الجماعة وبقى التمثال الثقافى؟

فى الثانى والعشرين من شهر مارس عام 1928 تم تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وفى العشرين من مايو من العام نفسه رُفع الستار عن تمثال "نهضة مصر" للمثال الخالد محمود مختار، وشتان بين الدلالات والمآلات الخاصة بهذين الحدثين. شتان بين أفكار أرادت أن تسرق روح الأمة وتشدها إلى الخلف، وعبر منهج مفعم بالعنف والإرهاب والتطرف، وبين عمل فنى وحد الأمة فاكتتب الناس من أجل إنجازه، كما تم إدراج اعتماد فى ميزانية الدولة عام 1924 من أجل إقامته. فبعد ظهر يوم الأحد فى العشرين من مايو 1928 احتشد الآلاف فى ميدان محطة مصر، وقد جاءوا من أنحاء مصر كلها ليشهدوا رفع الستار عن هذا التمثال العظيم.

لقد كانت تلك لحظة توقف فيها الزمن كى يشاهد عبقرية مصرية تتفجر ويقف مبهورًا ويشهد لها. ولقد رأى الناس هذه العبقرية وحبسوا أنفاسهم، كأن الوجود قد تجمد، والكون توقف عن الدوران. لقد نقل مختار أبا الهول من قلب الصحراء والرمال ووضعه فى قلب الناس، فى عالمهم وبين حياتهم، نقله من أعماق الماضى، ووضعه فى بؤرة الحاضر، وأمام أعين الناس وداخل عقولهم، وأمانيهم، نقله من عالم المتاحف والأموات إلى عالم الشوارع والميادين والساحات والبشر، هؤلاء الذين كانوا يتوافدون ويتحركون حوله بأحلامهم وأفراحهم وأحزانهم وأشواقهم التى تجد فى مصر الأمل، وفى التمثال الحلم، وفى مختار الرمز؛ الرمز الذى جسد أول تمثال أقيم فى تاريخ مصر الحديث.

الإبداع المختزن 

- أحد أحلامك هو إنشاء مركز قومى لدراسة الشخصية المصرية.. لماذا؟ وعلى أى أساس تقوم هذه الفكرة؟

أولا يمكن القول بأن الشخصية المصرية شخصية مركبة وقد طرأت عليها تغييرات عبر العصور المختلفة الفرعونية واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية والحديثة، وهى قد مزجت ذلك كله فى مركب خاص فريد توجد به جوانب ثابتة عبر العصور وجوانب متغيرة وهناك جوانب نريد أن نعرفها لم نتوصل إليها حتى الآن.

ثانيا أن معظم الدراسات التى أجريت على الشخصية المصرية إما دراسات تميل إلى التعمم فتنسب صفات إيجابية أو سلبية إلى الشخصية المصرية، كما أنها دراسات نظرية تأملية تعمقية فى الغالب وتفتقر إلى الدراسات الميدانية والعملية إلا القليل من هذه الدراسات كما أنها كانت ترتكز على جوانب محدودة فى الشخصية المصرية كالتدين والفكاهة وتهمل جوانب كثيرة أخرى، ونادرا ما تناولت هذه الدراسات جوانب الإبداع المختزن فى الشخصية المصرية عبر العصور والذى يظهر فى تكيفه مع المواقف الصعبة وفى مواجهته للأزمات حتى أن واحدا مثل جمال حمدان صاحب العمل الفكرى الكبير المسمى "شخصية مصر" قد أنكر صفات المبادرة والمبادأة والإبداع على الشخصية المصرية واتهمها بالانصياع والمسايرة والخضوع الدائم للسلطات القائمة وهذا غير صحيح بالمرة.

ثالثا سوف يتبنى هذا المركز فكرة الفرق البحثية التى تدرس الشخصية المصرية كما تجلت فى الشعر والرواية والفن التشكيلى والمسرحى والقصة القصيرة والموسيقى والفنون الشعبية والمواقف التاريخية وفى الاحتفالات والأعياد الدينية والشعبية وفى أى مظهر من مظاهر الحياة يدل على هذه الشخصية ويؤكد حضورها الكبير عبر التاريخ واستمراريتها أيضا.

رابعا يمكن يفيد هذه المركز صانع القرار فى مصر فى معرفة أحوال الناس وأحلامهم وأفكارهم المتعلقة بالماضى والحاضر والمستقبل وأيضا تقديم دراسات للشخصية المصرية وتغيراتها منذ 25 يناير مرورا بـ 30 يونيو وحتى وقتنا هذا.

- هل يقبل المجتمع المصرى بمراجعة الإخوان وتخليهم عن العنف؟

أعتقد أن هناك عدة نقاط لابد من أخذها فى الاعتبار أهمها أن الأيديولوجية والتنظيم الإخوانى قد أصابهما انهيار كبير بعد ثورة 30 يونيه وهو انهيار سوف يصعب على الجماعة ترميمه أو إصلاحه أو العودة بالجماعة إلى سابق عهدها، بالإضافة إلى أن الدولة لم تطرح فكرة التصالح مع الجماعة الإرهابية، لكن فكرة الاستيعاب هى الأنسب، أى استيعاب من لم يثبت له أعمال عنف أو تدمير أو قتل من جماعة الإخوان داخل المجتمع المصرى بشرط أن يتخلوا عن عضوية الجماعة الإرهابية وأن يعودوا مواطنين مصريين عاديين كغيرهم من المواطنين.