رضوى الأسود: لم أروج لتعدد الزوجات فى روايتى!

 رضوى الاسود
رضوى الاسود

 تتناول الأديبة رضوى الأسود فى روايتها الأحدث «بالأمس كنت ميتًا»، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية،علاقات إنسانية تختلط فيها الهويات والقوميات، كأنها تكمل بحثها خلف معانى الحب والكراهية، الحب بمعناه الصوفى والكراهية التى يكرس لها التشبث بالأفكار أين كانت، يجمع أبطال روايتها الحديثة علاقة إنسانية معقدة مبنية على الحب، بينما فرق أجدادهم علاقات إنسانية معقدة مبنية على القتل والدمار باِسم القوميات والأديان.. تبدأ الحكايات منذ قرن ونصف تقريباً فى أنحاء الأمبراطورية العثمانية، لكن الحدث الأساسى يتجسد فى علاقة ليلى ولوسى ومالك فى العصر الحديث فى القاهرة، تحكى ليلى ذات الأصول العربية الصوفية، ويحكى مالك بأصوله العثمانية، وتحكى لوسى بأصولها الكردية الأرمنية، الثلاثة يحكون عن قصة حب مركبة، وعن تاريخ ملىء بالمجازر والصراعات والكراهية، وتقول رضوى عن ذلك: التاريخ كان الأرضية، أو الخلفية، اللوحة البيضاء التى رسمت فوقها كل ما أريد طرحه من أفكار، من أحداث تؤرقنى، مما يلح عليّ طوال الوقت وطرحته فى أكثر من عمل كان أهمها كتابى: "أديان وطوائف مجهولة"، وهو أن الأديان (على اختلافاتها) ما هى سوى طرق مختلفة للوصول إلى الإله نفسه (أيًّا كان اسمه)، وأن الأوطان للجميع (أيًّا من كانوا، مؤمنين أو غير مؤمنين). وأن تقبل الاختلاف (فى الرأى، الدين، اللون، الجنس) هو الضمانة الوحيدة للسلام العالميّ.

تاريخ من الأحقاد

فى الثلث الأول من الرواية، تنقلت أسرتان؛ كردية وأرمنية، بين عدد من الأماكن وهو ما تشير إليه رضوى: تتبعت التاريخ منذ منتصف القرن التاسع عشر (بداية أحداث الرواية)، وقبلها، منذ منتصف القرن السادس عشر (بداية السرد التاريخى الذى يأتى على لسان آرام)، فوجدت أن حروب الإمبراطورية العثمانية لم تهدأ سواء مع الدولة الصفوية حيث كان مسرح الحروب فوق أرض كردستان، أو مع روسيا، والتى أتت على الأخضر واليابس فى تلك المنطقة الهندو−أوروبية، والتى اقتسمها الأرمن والكرد منذ القدم، فكان من يغزو كردستان، يغزو بالضرورة أرمينيا. لذا ظلت الهجرة من مكان لآخر طمعاً فى النجاة والأمن. بالإضافة إلى أن الكرد عشائر رُحَّل يمتهنون الرعى، فكانوا ينتقلون من مكان لآخر سعيًا وراء الكلأ. فمن صرخد إلى وان إلى آمد كان بسبب ويلات تلك الحروب السابق ذكرها، أما بالنسبة لماردين، فكانت آخر مكان آمن للأرمن، أما مصر فكانت دولة ضمن الدول التى أضحت محطة النجاة الأخيرة بعد المذابح التى حدثت عام 1915.

حنين الزيتون

لحى الزيتون وتحولاته حضور خاص، كأنه جزء من تحول طبيعة الحياة لطبقة اجتماعية كاملة امتزجت داخلها أصول الهويات المختلفة وهو ما تقول عنه رضوى: منطقة الزيتون فى مصر هى التى أعتبرها اختيارًا شخصيًّا، بخلاف المناطق السابق ذكرها والتى قد أكون أرغمت عليها تاريخًّا، وقد عمدت إليه أولًا لأنه الحى الذى نشأت فيه، ومدينة له بالذكريات والحنين، وقد تحدثت عن تاريخه منذ الخمسينات وحتى الآن..رصدت رضوى علاقة ثلاثية بين صديقتين وحبيب، من أصول مختلفة، بدأت فى هذا الحى وتقول عن ذلك: كنت قلقة من موقف الستات من تلك العلاقات، وتصورهم أنى أروج للزواج الثانى مثلا، وهذه نظرة ضيقة، فأنا لا أروج لتعدد الزوجات، الرواية مكتوبة بنفس صوفية، وكنت أرغب فى الحديث عن الحب فى المطلق، أكتشفت أن هذا هو الهاجس الذى أكتب من أجله، كل ما أكتبه دعوة للحب بكل أشكاله، من حب الخالق وحب المخلوقات جميعاً، وما قدمته من علاقة مركبة مستحيل أن يوجد فى الواقع، لذلك فرغم تسامح ليلى كسيدة صوفية إلا أنها لم تستطع التسامح بعد زواجها من مالك وتحركت غيرتها كأنثى تجاه صديقتها لوسى. هذا النوع من الحب صعب للغاية.

«أمسيت ميتاً، وأضحيت حيا».. صنعت الروائية رضوى الأسود من هذا البيت الشعرى لجلال الدين الرومى فى ديوانه الأشهر "المثنوى" عالماً يتجلى من عنوانه نزعة صوفية تظلل أجواء العمل، لغته وعلاقات أبطاله، ومساراتهم وبحثهم عن خلاصهم فى الحب وتقول الأديبة عن ذلك: رحلة مالك الطويلة لمحاولة فهم العالم والتطهر هى صحوة، وتجربة لوسى البشعة بعد نبشها فى الماضى كانت صحوة، وصحوة ليلى كانت بفراق صديقتها لوسى واكتشافها قدرتها المحدودة على الاتساق مع قناعاتها الصوفية التى لم تصمد أمام غيرتها كسيدة محبة، هذا الكشف فى حد ذاته صحوة، وكل أبطال العمل لديهم ماضٍ من الموات وصحوة قد تكون بالموت ذاته".