«بيت السحيمي».. من أنقاض مباني الفاطميين إلى ساحة دينية وثقافية

بيت السحيمي
بيت السحيمي

"بيت السحيمي"..منارة ثقافية من أشهر رموز العمارة الإسلامية، وتحمل جدرانه وما تبقى من مقتنيات أصحابه، عبق تاريخي منذ 373 عام، حين تم إنشاءه ليكون المنزل الذي لا يسكنه إلا علية القوم، حتى تحول إلى منارة ثقافية تابعة لصندوق التنمية الثقافية بوزارة الثقافة تحت إشراف وزارة الآثار.

 

تاريخ إنشاء بيت السحيمي

 

يقع بيت السحيمي في حارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز لدين الله الفاطمي، وهو عبارة عن بيتين الأول الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي في سنة 1648م، وحفر ذلك على إحدى حوائط البيت، والثاني كان ملكًا للحاج إسماعيل جلبي في سنة 1796م، واشترى البيتين وضمهم الشيخ محمد القصبي شيخ الجامع الأحمدي بطنطا، لتصبح المساحة الكلية للبيت تزيد عن ألفي متر مربع، وتتجاوز عدد قاعاته وغرفه الـ 150.

 

وفي عام 1813م، اشترى الشيخ شهاب الدين أحمد السحيمي، وهو من كبار علماء الأزهر في العصر العثماني واخر من امتلكه واشتهر البيت باسمه، وفي عام 1931م باع ورثة عائلة السحيمي البيت للجنة حفظ الآثار، وظل على وضعه سنوات طويلة .

 

بيت السحيمي بُني على أنقاض مباني الفاطميين

 

وبدأت اعمال ترميم بيت السحيمي في عام 1994 ميلادية، ليعود مرة ثانية إلى حالته الأصلية ويستقبل الزائرين كمتحف أثري، وأثناء عمليات الترميم، عثر العمال على حفريات تؤكد أن المنزل بُني فوق أنقاض وبقايا مباني تعود إلى العصر الفاطمي، وفي عام 2000 أفتُتح ليكون مركز إشعاع ثقافي وفني يعبر عن الهوية المصرية.

 

بيت السحيمي ساحة دينية وثقافية

 

أقام أخر مالك لبيت السحيمي الشيخ الأزهري "محمد أمين السحيمي" الليالي الرمضانية، وجعل من بيته ساحة دينية ودنيوية للتشاور، كما جعله مأوى لعابري السبيلأ إلى أن توفي، ووبعد بيع البيت وترميمه صدر قرار في سنة 2000 بتحويل بيت السحيمي إلى مركز للإبداع الفني تابع لصندوق التنمية الثقافية، حيث فتح أبوابه للمعارض الفنية المتنوعة، كما يستضيف بيت السحيمي أضخم فرق التراث الشعبي والموسيقي، إضافة إلى تبنيه إحياء فني الأراجوز وخيال الظل.

 

بين السلاملك والحراملك والمشربية الذكية ..وصف بيت السحيمي

 

اتسمت العمارة الإسلامية في ذلك الوقت بالفصل بين مجتمع الرجال والنساء، فنساء البيت لا يجوز أن يراهم الغرباء، وكان ذلك الفكر المعماري واضح جدا في تصميم مشربيات القسم المخصص للسيدات حيث تحجب عن المارة في الشارع رؤية من داخل البيت بينما تسمح لمن في الداخل رؤية الخارج بوضوح.

 

ويبدأ البيت بممر منكسر يؤدي إلى الصحن المزين بأحواض الزرع والأشجار، وتفتح كلّ غرف البيت وحجراته على هذا الصحن وللممر أهداف اجتماعية وبيئية، حيث لا يكشف صحن الدار وما بداخله أمام المارة، ثم عدم الحاجة إلى غلق الباب الذي يساعد في تهوية صحن البيت.

 

ينقسم بيت السحيمي إلى ما يطلقون عليه "السلاملك و"الحرملك"؛ فالأول يعني المكان المخصص لاستقبال الضيوف من الرجال، بينما الثاني هو المكان المخصص للنساء.

 

ويوجد قاعة للطعام، وهي أول قاعة يجدها الزائر على يمينه بعد دخوله من الباب الرئيسي، وجدرانها مغطاه حتى المنتصف بالخشب، وأرضيتها بالرخام، وسقفها من الخشاب، وبجدرانها بعض الدواليب لحفظ الطعام أو مكوناته، ولها بابان أحدهما يفتح على الصحن بصورة غير مباشرة، والثاني على ممر يصله ببقية أجزاء المنزل.

 

يحتوي البيت أيضاً على حمام بخار، وهو غرفة ضيقة مكسوة بالرخام الأبيض، تحتوي على حوض من الرخام الأبيض المزخرف، ومكان مخصص لوضع خزان الماء، وموقد لتسخين وتبخير الماء، وللحمام سقف مقبب، وبه كوّات على شكل مربعات ودوائر مغطاة بالزجاج الملون لدخول الضوء.

 

في صحن البيت مكان مخصص لجلوس الرجال، وتوضع فيه دكة من الخشب المشغول. كما وجد في صحن البيت أيضاً شجرتان وارفتا الظلال أوراقهما خضراء وعمرهما أكثر من 350 سنة، الأولى شجرة زيتون، والثانية شجرة سدر (نبق).

 

بداخل البيت ثلاث آبار للمياه، وله فناء أمامي، أما الفناء الخلفي فيحتوي ترساً خشبياً لساقية كانت تستخدم لري الحديقة، وطاحونة للحبوب والغلال وبعض الصوامع الفخارية والحجرية.

 

السلاملك.. قسم الرجال ببيت السحيمي

 

يتكون القسم الأول في البيت من قاعة واسعة "السلاملك"، وتنقسم إلى إيوانين، والإيوان قاعة مسقوفة بثلاثة جدران فقط، تفصل بين الإيوانين "درقاعة" بمساحة منخفضة عن الإيوانين، والدرقاعة لفظة فارسية معربة وتعني ردهة التوزيع. رصفت أرضية الدرقاعة بالرخام الملون وزينت جدران القاعة بأبيات من بردة البوصيري، كما زين السقف بألواحٍ من الخشب المزخرف بالرسوم والنقوش النباتية الملونة.

 

فوق السلاملك توجد القاعة الصيفية، ويطلق عليها "المقعد"، وهي ذات واجهة مكشوفة نحو الشمال ومفتوحة على صحن البيت وحديقته.

 

قاعة السلاملك الثانية في بيت السحيمي أوسع مساحة وأكثر فخامة وجمالاً من حيث الزخرفة والتفاصيل المعمارية، حيث تتوسطها فسقية بديعة من الرخام على هيئة شمعدان ولها حوض من الرخام، كما تعلو سقف السلاملك الزخارف والنباتات.

 

تتوسط السقف قبة صغيرة بها فتحات لدخول الهواء والضوء تسمى "الشخشيخة"، وهي وحدة معمارية تضمن دخول الهواء المتجدد إلى القاعة، فالهواء الساخن يصعد لأعلى والبارد ينزل لأسفل، وتحتوي أغلب قاعات بيت السُّحيمي على شخاشيخ، وكلها مصنوعة من الخشب ومغطاة بالجصّ المطعم بالزجاج.

 

تحتوي القاعة أيضاً على رفّ من الرخام المحمول على أعمدة وعقد من الرخام المزخرف. وتزين جدران القاعة دواليب خشبية، وهي تصنع في دخلات البيت لحفظ الأشياء ولإضفاء شكل جمالي على الجدران.

 

تجاور هذه القاعة حجرة لقراءة القرآن، تحتوي على كرسي كبير مخصص للقراءة. ويزين السقف تنور، وهي وحدة إضاءة من النحاس تضاء بالفتيل والزيت، وكانت هي وسيلة الإضاءة القديمة.

 

الحراملك.. قسم النساء ببيت السحيمي

 

تمتاز الغرف والقاعات الخاصة بالحرملك بأنها غرف داخلية تطل بمشربيات على صحن البيت، وبأن النوافذ العلوية مغطاة بزجاج ملون معشق بالجص، وهي أكثر وأكبر من الموجودة في غرف وقاعات السلاملك، كما أنها أجمل ومتنوعة الزخارف، وتمتاز الغرف أيضاً بوجود بعض الصناديق الخشبية المطعمة بالصدف والعاج لحفظ الملابس، كما تحتوي على غرفة مميزة مكسوة الجدران بالقيشاني الأزرق المزخرف.