يوميات الأخبار

أغانٍ تخدش الحياء

مؤمن خليفة
مؤمن خليفة

ما كل هذا الإسفاف؟ كلنا مساهمون فيه.. المصنفات الفنية والنقابات الفنية التى من ضمن مهامها الارتقاء بالذوق العام

أمرُّ خلال رحلتى اليومية فى الذهاب إلى العمل والعودة من خلال تجمع لسائقى التكاتك قرب محطة المترو.. أسمع أغانى غريبة وعجيبة.. أتحسر على ما آل إليه حالنا وأسأل نفسى: كيف وصلنا إلى هذا الحال من التردى وقلة الذوق فى الأخلاق والموسيقى؟ وجدت ذات مرة عددا من السائقين يرقصون فى الشارع على نغمات أغنية شدتنى وسألت شابا عنها.. كان اسمها "إنتى معلمة" وعندما عدت إلى البيت بحثت عنها على اليوتيوب.. ومن شدة كسوفى وخشية أن يفاجئنى ابنى الشاب الصغير خفضت صوت المحمول.. كلمات بلا طعم ولا رائحة وكلماتها جريئة ولا تمت للمغنى بأى صلة.. مجرد كلمات لا تسمعها إلا فى تجمع للسكارى والبلطجية.. وترحمت على الغناء.. إلى هذا الحد أصبحت هذه الأغانى تقتحم آذاننا ونجبر على سماعها..

 

تساءلت لماذا تترك الشرطة هؤلاء الصبية يديرون جهاز التسجيل فى التكاتك بصوت عال ينتهك حرمة الآخرين؟ يكفى أن هذه التكاتك تسير فى الشوارع بدون لوحات وكلها تشبه بعضها البعض وتسير عكس الاتجاه فى "أجعص" شارع.. ألم يحن الوقت للتعامل مع هذه المركبة الشيطانية التى تتمركز عند محطات المترو وترتكب كل المخالفات بدون وازع.. الا يكفى أنها أصبحت واقعا فرض علينا ولا يتصدى لها أحد؟!

 

عندما ظهر المطرب أحمد عدوية فى أواخر السبعينيات ومعه المطرب كتكوت الأمير تلقيا سيلا كبيرا من الهجوم وخاصة بعد أغنيات عدوية مثل "سلامتها أم حسن" و"يا بنت السلطان". وانتشر مطربون كثيرون بعدها وظهرت نوعية جديدة سميت بالغناء الشعبى الذى اقتحم معظم أفراحنا لزمن طويل وأصبحت الأغنية الشعبية واقعا فى الشارع المصرى لكنها لم تكن بهذا القبح الموجود الان.. فمطربو المهرجانات يغنون للحشيش ويغازلون البنات باسم "عود البطل" وكلمات تخدش الذوق العام ولا تجد نقابة الموسيقيين وسيلة لوقف هذا الإسفاف وهذا التلوث السمعى الذى يخدش الحياء.. لماذا لا نعتبر مواجهة هذا النوع من الغناء أمنا قوميا نتعامل معه مثلما نتعامل مع الترامادول والتامول والهيروين والحشيش وكل جدول المخدرات؟ هذه الأغانى خرجت من العشوائيات والحكومة تعرف تاريخها وقصة صعودها فلماذا نتركها تلوث كل تاريخنا الموسيقى المعروف؟ إنها الحرب إذن قبل أن نكتب تاريخا مليئا بالإسفاف والتدنى.. علموا أولادنا أن مصر تمتلك ذخيرة حية من الأغانى كانت على مر الحروب سندا لها فى أوقات الشدة.

 

أنا لست "دقة قديمة" ولست ممن يسمعون الأغانى القديمة فقط فإننى أسمع الجديد وأستمتع بأغنيات عمرو دياب وأعشق أغنيات محمد منير وأتجاوب مع تامر حسنى وأحب بهاء سلطان وهشام عباس وأنتشى بسماع شيرين عبد الوهاب وغادة رجب وريهام عبد الحكيم مثلا وأخشى أن نصل يوما إلى وضع يفرض علينا وننسى تراثنا الموسيقى التقليدى ونفتقد نجاة وشادية وفايزة أحمد ووردة ناهيكم عن أم كلثوم وفيروز.

 

أخشى يوما أن يبدأ تاريخنا الموسيقى من أغنية "بنت الجيران" و"إنتى معلمة" وأن يصبح حمو بيكا وحسن شاكوش وعمر كمال وأوكا وأورتيجا والدخلاء وغيرهم أوصياء على الأغنية المصرية.

 

عشوائيات المعانى

ما كل هذا الإسفاف؟ كلنا مساهمون فيه.. المصنفات الفنية والنقابات الفنية التى من ضمن مهامها الارتقاء بالذوق العام وأبناء الأثرياء وشبان وبنات هايفين وحشد من العشوائيات وجد فى هذا الإسفاف وسيلة للثراء والحصول على المال.. والفيسبوك الذى تحول إلى نقمة ويروج لهذه الأغانى.. هذه نماذج من بعض كلمات المهرجانات.. تسيبينى أكره حياتى وسنينى هتوه ومش هلاقيني، وهشرب خمور وحشيش.

 

ونموذج آخر: لا تسأل مين اللى ساق نشرب نعلى فى المزاج.. لفلى سجارة م زجزاج.. ونموذج ثالث: إنتى معلمة.. ونموذج رابع مثل ضربة لى شعرها برتقانة وبترقص طحن على الأغاني

وعلى التيك توك مدلعانى إهدى شوية ومش كده

لابسة لى البوت ويا النضارة والجيبة مفتوحة من ورا

تقولش عينيها يا ناس سنارة بترمى الطعم يشدنا.. إنتى معلمة.

ونموذج خامس للإسفاف وفقر المعانى وصياغة الكلمات: فى شيطان مع عبد تايه حيران زقه فى سكة نسوان دخله فى البودرة كمان.. بيبدع خرب وضيع كل فلوسه بدأت تزيق كل تروسه.

كل لما تيجى الحلوه تبوسه يكتب لها جميع املاكه.. وفلوسه غيره يتمتع بيها.. راحت تبيعه للى يشتريها مع انه من كله مكفيها.

النماذج السيئة لا تنتهى مثل هذه الكلمات الإباحية: اندال اندال اندال والله ما فيكم جدعان بس اشهدلكوا رجاله كلكوا لما بتحضر نسوان.

 

لا تركب سيارة أشرف زكى

أعتز كثيرا بصداقة الدكتور أشرف زكى نقيب الممثلين والرئيس الحالى لأكاديمية الفنون.. شدنى كثيرا مشهد هذا الفنان الكبير وهو ساجد على خشبة مسرح المعهد العالى للفنون المسرحية مؤخرا عندما تم تكريمه.. كان مشهدا مؤثرا جدا فقد بكى أشرف بصدق.. تم تكريمه فى الكثير من المحافل الدولية والمحلية حضرت بعضها فى مصر والشارقة لكن هذا التكريم كان فى بيته الأول.. فى المعهد العالى للفنون المسرحية الذى كان عميدا له قبل أن يتولى منصبه الحالى.. أن يأتى التكريم من أهلك وأقرب مكان إلى قلبك فهو تكريم مستحق خالص النية.. أشرف زكى هو كتلة جميلة من المشاعر الصادقة وقد اقتربنا كثيرا أنا وهو وعشت معه بعض لحظات من إخلاصه لزملائه خاصة المرضى منهم الذين لهم مكانة كبيرة فى عقله وقلبه.. فليس غريبا أن تجده بعد منتصف الليل وهو يزور أحدهم.. فدائى من الدرجة الأولى ومقاتل عنيد حضرت معه معركة استعادة مسرح بيرم التونسى على كورنيش الإسكندرية وكيف أقنع الفنانة الكبيرة سميحة أيوب والفنانة الكبيرة ليلى علوى بمشاركته واستمر يذهب يوميا إلى هناك حتى حصل على موافقة المحافظ وتم له ما أراد وحصل على المسرح وخاض معركة كبيرة لترميمه وإعادة تشغيله.. حكايات كثيرة معه وهو يقود معركة إعادة بناء مسارح الطليعة والعرائس وليسيه الإسكندرية وكيف وقف يبكى بعد حريق المسرح القومى حتى تم ترميمه باعتباره المسرح الأم لمسارح الدولة.

 

قبل سنوات عديدة.. فى أحد الأيام اتصل بى وأبلغنى أنه اتصل بالفنان الكبير محمد صبحى وأنه سيمر ليأخذنى معه من أمام مبنى أخبار اليوم لزيارته والاطمئنان عليه بعد أن أجرى عملية جراحية فى عينيه.. المهم أبلغته أن ابن شقيقى سيعقد قرانه الليلة وأن عدم حضورى ليس محببا فرد قائلا إن زوجته روجينا ستحتفل هى الأخرى بخطبة ابنة شقيقتها فى نفس الليلة وأننا لن نتأخر كثيرا فسوف نجلس مع صبحى نصف ساعة ثم نعود بسرعة ونكمل مشاويرنا.. ركبت بجواره وانطلقنا فى طريقنا إلى أول طريق مصر الإسكندرية الصحراوى حيث يسكن صديقنا الفنان الكبير.

 

وصلنا إلى الفيلا واستقبلتنا المرحومة زوجة صبحى الفنانة نيفين رامز وجلسنا نتبادل الحديث والحكايات والذكريات واطمأن كل منا على الفنان الكبير ثم سمح لنا بالاستئذان لنعود أدراجنا.. ركبت بجواره وأنا أرجوه الا يرد على هاتفه المحمول الذى لا يكف عن الرنين لأن الوقت يمر وزوجتى وأولادى ينتظروننى للذهاب إلى عقد القران وذكرته بموعده مع روجينا.. كانت الساعة تقترب من التاسعة مساء وصعدنا أحد الكبارى على الطريق الدائرى وبدأ المحمول يرن وبدأ هو فى الرد.. وصوته يعلو مع أحد المنتجين الذى يخالف قرارات نقابة الممثلين ثم جاءه اتصال اخر من فنان شهير يشكو له واتصال اخر من النقابة لأن أحد الفنانين يعانى من جلطة وهو فى طريقه مع أسرته إلى معهد القلب بإمبابة.. كل هذا والطريق مظلم وهو منطلق بالسيارة حتى وجدنا أنفسنا وقد وصلنا فى الطريق العكسى عند نزلة مدينة قويسنا فى المنوفية.. نزلنا إجباريا وتوقفنا بعد أن قطعنا مسافة طويلة دون أن ندرى.

 

خرجنا إلى الطريق الزراعى لكى نعود إلى القاهرة وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة مساء.. عدنا بسلامة الله إلى أخبار اليوم لأستقل سيارتى بعد أن انتهى الفرح الذى لم أحضره بسبب تليفوناته المتتالية وزوجتى تطلبنى وتعاتبنى بشدة وأن أخى زعلان جدا لعدم حضورنا بينما روجينا تسأل عما حدث ولماذا تأخرنا كل هذا الوقت عند الفنان محمد صبحى.. ومن يومها وأنا أنصح كل أصدقائنا: لا تركبوا سيارة أشرف زكى.