جردو قرية الملوخية| التجفيف والفرز والتعبئة .. رزق النساء

مزارعي الملوخية
مزارعي الملوخية

50 جنيها لليومية.. والعمل يبدأ 6 صباح مع مقاول أنفار

أزهار إحدى العاملات: أحلم بدخول كلية الطب

«منى» تعول أسرتها من عائد عملها اليومي

 

كتب: شيماء مصطفى كمال - شاهندة أبو العز

تصوير: أيمن حسن

 

تبدأ زراعة الملوخية فى قرية "جردو" بمنتصف شهر أبريل وحتى منتصف أكتوبر، ثم يتم جمع المحصول عن طريق آلة حادة تسمى "المحشّ"، ومن ثم يُنقل بعد ذلك من الحقول عبر الجمال إلى مرحلة التجفيف ليتم تحويله إلى المخازن لتنظيفه من الشوائب وتعبئته في أكياس بلاستيكية مقسمة حسب الوزن، وتوضع في صناديق من ورق الكرتون، وهذا الدور الذي تشارك به النساء.

مع بدايات شهر مايو، يبدأ أول مواسم النساء في "جردو" للبحث عن «لقمة العيش»، تخرج النساء من البيوت بعد أن يطوف أحد الرجال كمقاول أنفار في عملية الجمع وينادي قائلا: "اللى عايزه تشتغل تروح على الجسر الساعة ٦ الصبح بكره".

وفي السادسة صباحا، تخرج نساء القرية إلى الجسر، حيث يجدن المقاول، الذي يتولى مسؤولية نقلهن في سيارات تنطلق إلى المخازن والبيوت لتبدأ مهمة فرز وجمع الملوخية في كراتين من الصباح الباكر وحتى بعد صلاة العصر، لتحصل كل واحدة منهن على 50 جنيها يومية اليوم الواحد لتكفي بالكاد مصاريفهم الشخصية أو المساعدة في ظروف المعيشة، حتى باتت كلمة البطالة بعيدة عن نساء تلك القرية. 

منى مصطفى محمد 36 عاماً، أحد العاملات بفرز الملوخية قالت إنها وجدت من حرفة فرز الملوخية واستخراج الأتربة منها بعد تنشيفها الحل الأمثل للتغلب على الظروف المعيشة الصعبة وتوفير أموال كافية لاسرتها، فهي تعول أسرتها بعدما فقد زوجها وظيفته، وباتت تتفاقم على عاتقها مصاريف أبناءها الـ4 من كساء وغذاء ومصاريف دراسية، وغيرها من الاحتياجات المنزلية، مضيفة أن عدد ساعات العمل التي تبدأ من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً توفر لها 50 جنيها يومياً، وبتفرق معايا فى "لقمة العيش".

إحدى الفتيات الصغيرات التي تعمل في التخزين تحلم بدخول كلية الطب وأن تصبح "دكتورة"، لذلك تسعى للوصول لحلمها من خلال العمل بمهنة فرز الملوخية حتى توفر مصاريف تعليمها ومصاريفها الشخصية.

أزهار محمد ذات "14عاماً" في الصف الثاني الإعدادى تعمل في مجال "حش" وفرز الملوخية منذ سنتين، بعدما اصطحبتها خالتها في الإجازة الصيفية للعمل في أحد البيوت المخصصة في تلك المهمة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مهنة "فرز الملوخية" عمل أساسي بعد انتهاء السنة الدراسية للحصول على لقمة عيش  تستطيع من خلالها مساندة والديها وأخواتها.

قضت منى رجب، "30 عاماً" 4 سنوات في مهنة "تقطيف الملوخية"، حيث تمكث على ترابيزة أمامها أكوام من الملوخية المجففة، وتقوم بفرزها وقطع الجزء الأصفر منها، وتنظيفها من الأتربة الملتصقة بها، ثم وضعها في العلبة الكرتونية التي توجد بجانبها.

ممارستها في المهنة خلال  الفترة الماضية، جعل لديها خبرة وسرعة فى العمل، حيث أصبحت سريعة فى الفرز فمثلا من الممكن أن تفرز 4 كيلو ملوخية مجففة خلال ساعة واحدة فقط.

وأضافت منى، أن العمل جعلها تعتمد على نفسها فى الحصول على لقمة العيش، فأصبحت متكفلة بنفسها، وتساعد في مصاريف بيتها وأسرتها، موضحة أن الحياة مشاركة وأن الجلوس في البيت بدون عمل يشعرها بالملل، فأخذت من مهنة الفرز تسلية لوقتها ونافذة للتعرف على نساء أخريات مكافحات.

وبجانبها تجلس شروق ناصر 15 عام، تعمل فى المهنة منذ أن كان عمرها 10 سنوات، فهي نضجت على العمل وكسب لقمة العيش، بسبب الظروف الاجتماعية وحالتهم المادية التي تعتبر شبه مُعدمة، فلديها 3 أخوات أخريات ، كلأ منهن يعملن في مهنة ما، لتحصيل الأموال اللازمة للمنزل، فهي أصبحت مسؤولة عن مصاريف البيت، مثلها مثل والدتها.

وأضافت شروق أن أختها التي تكبرها اقترب موعد زفافها، وهذا ما يجبرها على العمل ليل ونهار وفي أكثر من مكان لتحصيل أكبر قدر من الأموال لتجهيز أختها ومشاركتها في مصاريف الفرح، موضحاً أن اليوم في فرز الملوخية بـ50 جنيهاً وهذا مبلغ ضئيل جداً ولا يكفي شئ في ظل ارتفاع الأسعار، حيث ارتفعت اليومية من 35 جنيهاً إلي 40 جنيهاً حتى وصل إلى 50 جنيهاً الآن.

وتابعت شروق، أن دورها يقتصر على "تغليف علب الملوخية" وتنظيف أسفل من يقومون بفرز الملوخية وتنظيفها، فهي تعمل طيلة أيام الأسبوع  من الساعة 8 صباحاً وحتى الساعة 4 عصراً ماعدا يوم الجمعة تأخذه راحة لممارسة الأعمال المنزلية.

ونوهت شروق، أن خلال الـ4 سنوات التي عملت بها في مخازن فرز الملوخية لم تتقاعس عن  الذهاب إلى المدرسة أو دراستها، فهي محبه للدراسة، وتود أن تلتحق بكلية "الشرطة النسائية للتمريض".

وتشارك فاطمة صديقتها شروق في تغليف "علب" الملوخية ,حيث تقوم بتغليف من(5 لـ7) كراتين فى اليوم الواحد حتى تتحصل على 50 جنيهاً في اليوم، فهى تعمل خلال 3 شهور المخصصين لـحصاد الملوخية فى "تقفيل" وتغليف علب الملوخية، وبعد انتهاء موسمها تنتقل للعمل في زراعة الشيح والذى يدخل في الأدوية الطبية، وزراعة المرمية. 

وجدناه جالسا وسط النساء، عبد الرحمن أحمد طفل لا يتجاوز عمره الـ9 سنوات، يشير بأصابعه لعد سنوات عمره في سعادة بالغة، يشارك تلك النساء في العمل أثناء فرز الملوخية فهو يقوم بقفل الكرتون "بالبلستر" بعد وضع الملوخية المفروزة بها.

قال عبد الرحمن: "والدي نصحني بالعمل في تلك المهنة ومشاركة قريته العالمية في زراعة الملوخية من خلال "تقفيل الكرتون الورقي" والحصول على 50 جنيهاً في اليوم الواحد".

فوجد الطفل أن تلك المهنة البسيطة سوف تساعده في تحقيق آماله لشراء الحلوى والخروج واللعب مع أصدقاءه، مضيفا أنه يقوم بتحصيل الأموال ووضعها في "حصالته" الخاصة حتى يكون مبلغ كبير ومن ثم يبدأ في صرفه ومساعدة أخواته البنات.

وتابع عبد الرحمن قائلا: "أنا بحوش فلوس عشان اشترى هدوم العيد والمدرسة".