مغامرة داخل العزل|‬ «‬يومي مليء بالمخاطر‮».. مهمة أم محمد خدمة وتنظيف غرف المرضى

أم محمد خلال عملها بمستشفى العزل   تصوير: ‬طارق‭ ‬إبراهيم - ‬أحمد‭ ‬حسن
أم محمد خلال عملها بمستشفى العزل تصوير: ‬طارق‭ ‬إبراهيم - ‬أحمد‭ ‬حسن

أمام‭ ‬غرف‭ ‬مصابي‭ ‬كورونا‭ ‬تتحرك‭ ‬عزة‭ ‬عيد‭ ‬أحمد،‭ ‬ينادى‭ ‬عليها‭ ‬المرضى‭ ‬والأطقم‭ ‬الطبية‭ ‬بلقب‭ ‬أم‭ ‬محمد،‭ ‬تبدأ‭ ‬عملها‭ ‬فى‭ ‬الصباح‭ ‬الباكر‭ ‬بتنظيف‭ ‬غرف‭ ‬المرضى،‭ ‬وتقديم‭ ‬الوجبات‭ ‬والمشروبات‭ ‬لهم،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ترتدى‭ ‬البدلة‭ ‬الوقائية‭ ‬والماسك‭ ‬والجاون‭ ‬والفيس‭ ‬شيلد‭ ‬وتبدأ‭ ‬تفاصيل‭ ‬يومها‭ ‬المليء‭ ‬بالمخاطر‭.‬


فور‭ ‬وصولنا‭ ‬لغرف‭ ‬إقامة‭ ‬مرضى‭ ‬كورونا‭ ‬بالطابق‭ ‬الثالث‭ ‬بمستشفى‭ ‬العجوزة‭ ‬للعزل،‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬أول‭ ‬شخص‭ ‬رأيناها‭ ‬تسير‭ ‬ببطء‭ ‬لكبر‭ ‬سنها‭ ‬فى‭ ‬الطرقة‭ ‬أمام‭ ‬الغرف،‭ ‬تدفع‭ ‬حاملًا‭ ‬به‭ ‬مشروبات‭ ‬ساخنة‭ ‬تقوم‭ ‬بتوزيعها‭ ‬على‭ ‬المرضى‭ ‬بغرفهم،‭ ‬فتوجه‭ ‬لهم‭ ‬التحية‭ ‬وتقدم‭ ‬المشروب‭ ‬لهم‭ ‬وتغادر‭ ‬لغرف‭ ‬أخرى‭.‬


 

لفت‭ ‬نظرنا‭ ‬حرص‭ ‬السيدة‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بعملها‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه‭ ‬دون‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬قلق،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬فى‭ ‬حركتها‭ ‬وكبر‭ ‬سنها،‭ ‬خاصة‭ ‬أنها‭ ‬تعمل‭ ‬فى‭ ‬المستشفى‭ ‬منذ‭ ‬20‭ ‬عامًا‭ ‬مرت‭ ‬عليها‭ ‬لم‭ ‬تر‭ ‬فيهم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة،‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة،‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬فيها‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬‮«‬شيفت‮»‬‭ ‬عمل‭ ‬للعزل‭ ‬فى‭ ‬المستشفى‭ ‬أى‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬تقريبًا‭ ‬بحسب‭ ‬قولها،‭ ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬ملئ‭ ‬بالمخاطر‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬تنظيف‭ ‬الاسطح‭ ‬بغرف‭ ‬المرضى‭ ‬وتقديم‭ ‬الوجبات‭ ‬للمصابين‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ستر‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬كان‭ ‬أكبر‭ ‬ولم‭ ‬اصب‭ ‬بكورونا‮»‬‭.‬


وتضيف‭ ‬أنها‭ ‬تبدأ‭ ‬يومها‭ ‬فى‭ ‬السابعة‭ ‬صباحًا‭ ‬بمسح‭ ‬غرف‭ ‬المرضى‭ ‬والأسطح‭ ‬بالماء‭ ‬والكلور‭ ‬وترتب‭ ‬الغرف‭ ‬والأسرة،‭ ‬ونقوم‭ ‬بتنظيف‭ ‬حمامات‭ ‬غرف‭ ‬المصابين‭ ‬بالكلور‭ ‬ايضا،‭ ‬وكل‭ ‬حمام‭ ‬تضع‭ ‬فيه‭ ‬زجاجة‭ ‬مياه‭ ‬بكلور‭ ‬حتى‭ ‬يطهر‭ ‬المريض‭ ‬الحمام‭ ‬بعد‭ ‬دخوله‭.‬
طوال‭ ‬فترة‭ ‬وجودنا‭ ‬فى‭ ‬قسم‭ ‬5‭ ‬الذى‭ ‬تعمل‭ ‬به‭ ‬السيدة‭ ‬أم‭ ‬محمد،‭ ‬تردد‭ ‬دائما‭: ‬ربنا‭ ‬يشفى‭ ‬كل‭ ‬مريض‭ ‬ويعافيه‭ ‬ويخرج‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬بأمان،‭ ‬ويزيح‭ ‬البلاء‭ ‬عن‭ ‬بلادنا‭.‬


لا‭ ‬تقف‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬فى‭ ‬المواقف‭ ‬الصعبة‭ ‬كما‭ ‬تصفها‭ ‬وتكتفى‭ ‬بعملها‭ ‬بل‭ ‬تشارك‭ ‬التمريض‭ ‬والأطباء‭ ‬عملهم‭ ‬فتقول‭: ‬حال‭ ‬وجود‭ ‬حالات‭ ‬مريضة‭ ‬وصعبة،‭ ‬نجرى‭ ‬لاحضار‭ ‬الاكسجين‭ ‬وننزلها‭ ‬كلنا‭ ‬على‭ ‬الرعاية‭ ‬المركزة،‭ ‬وفيه‭ ‬حالات‭ ‬تخرج‭ ‬وتكون‭ ‬جيدة‭ ‬وحالات‭ ‬تفارق‭ ‬الحياة،‭ ‬بتكون‭ ‬أصعب‭ ‬اللحظات‭ ‬بس‭ ‬اتعودنا‭ ‬على‭ ‬كده‭.‬


وتؤكد‭ ‬أنها‭ ‬تلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬المرضى‭ ‬الذين‭ ‬يأتون‭ ‬للحجز‭ ‬فى‭ ‬المستشفى‭ ‬‮«‬جايين‭ ‬على‭ ‬اكسجين‮»‬‭ ‬غير‭ ‬الموجة‭ ‬الأولى،‭ ‬الموجة‭ ‬الثانية‭ ‬اصعب‭ ‬وغالبية‭ ‬المصابين‭ ‬ناس‭ ‬مسنة‭.‬


تغادر‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬كل‭ ‬14‭ ‬يومًا‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬إلى‭ ‬حى‭ ‬امبابة‭ ‬الذى‭ ‬تقطن‭ ‬فيه،‭ ‬لتعود‭ ‬إلى‭ ‬أبنائها‭ ‬الثلاث‭ (‬إيمان‭ ‬30،‭ ‬ورانيا‭ ‬27‭ ‬عاما،‭ ‬ومحمد‭ ‬20‭ ‬عاما‭) ‬فتقول‭: ‬اروح‭ ‬البيت‭ ‬اعزل‭ ‬نفسى‭ ‬واخلى‭ ‬عيالى‭ ‬لوحدهم‭ ‬وأنا‭ ‬لوحدى‭ ‬دون‭ ‬تعامل‭ ‬معهم‭ ‬لحين‭ ‬أن‭ ‬يتصلوا‭ ‬بى‭ ‬فى‭ ‬المستشفى‭ ‬ويقولوا‭ ‬لى‭ ‬أن‭ ‬المسحة‭ ‬طلعت‭ ‬سلبى‭ ‬وبعدها‭ ‬ابدأ‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬أولادى‭.‬


وتضيف‭: ‬الوضع‭ ‬اختلف‭ ‬كتير‭ ‬فى‭ ‬تعاملى‭ ‬مع‭ ‬الولاد‭ ‬بعد‭ ‬كورونا‭ ‬حاليا‭ ‬لا‭ ‬نجلس‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬ونتبع‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية،‭ ‬واحافظ‭ ‬على‭ ‬نفسى‭ ‬بارتداء‭ ‬الجوانات‭ ‬و‭ ‬أغسل‭ ‬يدى‭ ‬بالماء‭ ‬والصابون،‭ ‬واعمل‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬20‭ ‬مريضا‭ ‬او‭ ‬اكثر‭ ‬يوميا‭.‬

 


وبنبرة‭ ‬هادئة‭ ‬تحمل‭ ‬حزنًا‭ ‬وألمًا‭ ‬تقول‭: ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬ياخدوا‭ ‬جنب‭ ‬منى‭ ‬فور‭ ‬علمهم‭ ‬بأنى‭ ‬أعمل‭ ‬فى‭ ‬مستشفى‭ ‬عزل،‭ ‬بس‭ ‬الحمد‭ ‬لله،‭ ‬جيرانى‭ ‬حاليا‭ ‬مش‭ ‬زى‭ ‬الأول‭ ‬معى،‭ ‬كانوا‭ ‬ينزلوا‭ ‬يقعدوا‭ ‬معى‭ ‬ويزورونى‭ ‬وحاليا‭ ‬لا،‭ ‬عند‭ ‬مرورهم‭ ‬امام‭ ‬البيت‭ ‬يقولى‭ ‬ازيك‭ ‬يا‭ ‬محمد‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬الباب‭ ‬ويمشوا‭ ‬بيخافوا‭ ‬يدخلوا‭.‬