مصر.. عشر سنوات بين المحنة والحب الذي لا يغيب

نسرين موافي
نسرين موافي

 

يتيه في عشقها كثيرون.. تسرق قلبك دون أن تدري.. تكرهها لحظة وترتمي تحتضن ترابها في اللحظة التالية

 

حاله عشق استعصت على التحليل فلم يكذب من قال أنها تعيش فينا

 

أعرف كثيرون لا يربطهم بها إلا زيارات لكن أرواحهم معلقة حتى بحروف أسمها .

 

تنطق اسمها فتتنفسها فورًا، تفاصيل صغيرة تتسارع و تكبر أمام عينيك .

 

وجوه أهلها الطيبين، رائحة نسمة الفجر فيها، ضحك صغارها وهم يلعبون في شوارعها، كلمة (تفضل) التي تسمعها كلما مررت في شارع من شوارعها، تفاصيل لا تشعر بأهميتها كالعادة إلا عندما تفقدها .

 

عشر سنوات ... عشر سنوات مرت علي يوم من أقسي أيام حياتي، كمواطنة بسيطة أنا لا يهمني التصنيف ولا يعنيني، أكره السياسة بعد أن قرأت فيها الكثير لاستخلص أنها لا تناسبني، ولا أستطيع تحمل تبعاتها ولا استطيع التعاطي مع موائماتها ومساوماتها لذا فأنا أتكلم هنا بإحساس وشعور مصرية استيقظت يوماً لتعرف معنى الخوف.

 

خوف لم أعهده أبدا قبل هذا اليوم.

 

عرفت معنى أن تكون خائفا حد الرعب  وأنت تحت سقف بيتك ومحتمي بجدرانه.

 

خائف من الناس، الفوضى، المجهول، على أهلك والأهم خائف على وطن تعشقه حتى النخاع.

 

وطن كان مخطط له أن ينزع من جذوره وتتبدل هويته، أن يفتت ويتوه في صراعات لينتهي .

 

تجولت عمراً في شوارعها، أحفظ بعضها عن ظهر قلب و اعشق البعض الآخر أشعر أحيانا بها وكان الشوارع تحيا وتشعر لكني أبدا لم أرها كما رأيتها في هذا اليوم وكأنها تعلم أن ظلاً ثقيلاً سيخيم على أرجائها . 

 

أقبل الاختلاف وأحترم حق كل شخص في اعتناق ما يري من أفكار ولم يعنيني كثيرًا أو يستوقفني تصنيفها ثورة أو حركة أو حتى مؤامرة، كان يعنيني فقط أني بين ليلة وضحاها أنا والغالبية الكاسحة من سكانها أصبحنا نعرف معني الرعب و حساب المخاطر حتى في أدق التفاصيل

فأصبح يناير بالنسبة لي شهر مقبض يذكرني دائما بالخراب و كيف لا و فيه حرقت  القاهرة مرتين

و أُتي فيه بظلام ساد البلاد عاماً كاملاً كاد أن يجثم علي الأرواح و يقضي علي أي نور أو أمل في المستقبل .

 

وللمرة الثانية  رأيت معشوقتي تستجير أنقذوني فهم يضربون في جذوري و يخلعوا عني هويتي يبدلوني و يشتتون أولادي حتي لبى  أبنائها المخلصون النداء و حرروها .

 

وظللت سنيناً طويلة تغلي عروقي من مجرد ذكري هذه الأيام الصعبة التي لولا عناية الله و صلابة جنودها و ثقة شعبها  المطلقة  فيهم ما عبرناها .

سنيناً اكره مجرد ذكراها حتي و ان بجلها كل الكوكب فلا احد يعرف كم عانينا و من فقدنا ، كم فقدنا ماديًا و معنويًا و كيف عبرنا .

لكن ذكراها هذه السنة بطعم مختلف ، جاءت بعد كثير من مراجعات لأفكار ما تخيلت يوماً أن تُراجع و أن يتم مداولاتها، مراجعات لولا اعتلاءهم لسده حكمها  ما حدثت .

فلولا ما حدث لظلت خرافات المظلومية و الاضطهاد سائدة ، و لظلت أساطير الكوادر العبقرية تتناقلها الألسنة و لما تاكد الجميع أن الدين يستخدم بمنتهي السهولة لتحقيق أهداف خبيثة بدون أدني رهبة من الله .

رأينا بأعيننا تغنيهم بخير أجناد الارض و إثبات بالأدلة لصحة الحديث الشريف ، ليطلوا علينا بعدها بعام ليشككوا في الحديث و يكذبوه هم نفس الألسنة باختلاف الهدف .

عاشت هذه الارض أصعب سنة في عمرنا لتنفضهم عنها أخيرا بل و تنفض كل أفكارهم ما ظهر منها و ما بطن ، ظهروا بحقيقتهم لتلفظهم الارض و ينفيهم العباد.

فأهل مصر لا يرفعون إلا من عشقها و لا يعادون إلا من عاداها ..هي أولهم و منتهي أمالهم

قد نختلف في طريقنا أو  في طريقتنا لكن نجتمع علي حبها

فليحفظك الله لنا يا مصر علn قدر حبنا لكل ذرة من ترابك

و ليحفظ كل يد، قلم، فكر يساهم في بناءك

في حبك مصر لا أجد أبلغ من أبيات العظيم صلاح چاهين

 

بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب

وبحبها وهي مرمية جريحة حرب

بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء

واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء

واسيبها واطفش في درب وتبقى هي في درب

وتلتفت تلاقيني جنبها في الكرب

والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب